الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
3299 - وعن أبي سلمة - رضي الله عنه - : أن سلمان بن صخر - ويقال له : سلمة بن صخر البياضي - جعل امرأته عليه كظهر أمه حتى يمضي رمضان ، فلما مضى نصف من رمضان وقع عليها ليلا ، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك له ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أعتق رقبة ، قال : لا أجدها قال : فصم شهرين متتابعين ، قال : لا أستطيع ، قال : ( أطعم ستين مسكينا ) : قال : لا أجد ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لفروة بن عمرو ( أعطه ذلك العرق ) : وهو مكتل يأخذ خمسة عشر صاعا أو ستة عشر صاعا ( ليطعم ستين مسكينا ) : رواه الترمذي .

التالي السابق


3299 - ( وعن أبي سلمة ) : يقال اسمه كنيته وهو كثير الحديث سمع ابن عباس وأبا هريرة وابن عمر وغيرهم ، وروى عنه الزهري ويحيى بن أبي كثير والشعبي وغيرهم ، مات سنة سبع وتسعين وله ثنتان وسبعون سنة ( أن سلمان ) : وفي النسخة بالتصغير ( ابن صخر - ويقال له سلمة بن صخر البياضي ) : بفتح الموحدة وتخفيف التحتية ، قال ميرك ناقلا عن التصحيح : سلمة بن صخر بن سلمان بن حارثة الأنصاري البياضي ، ويقال اسمه سليمان ، والظاهر أنه لقب وهو أحد البكائين روى عنه : أبو سلمة وابن المسيب وسليمان بن يسار

[ ص: 2153 ] ( جعل امرأته كظهر أمه ) : قال الطيبي : شبه زوجته بالأم ، والظهر مقحم لبيان قوة التناسب كقوله : أفضل الصدقة ما كان عن ظهر غنى ، وكان هذا من أيمان الجاهلية فأنكر الله عليهم بقوله : ( ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا ) وفي قوله : ( ما هن أمهاتهم ) إشعار بأن الظهر مقحم . في شرح السنة : إذا ظاهر الرجل من امرأته يلزمه الكفارة ولا يجوز له قربانها ما لم يخرج الكفارة ، واختلفوا في العود فقيل : المراد به هو إعادة لفظ الظهار وتكرره ، وقيل : هو الوطء ، وقيل : هو العزم على الوطء . وقال الشافعي : هو أن يمسك عقيب الظهار زمانا يمكنه أن يفارقها فلم يفعل ، فإن طلقها عقيب الظهار أو مات أحدهما عقيبه فلا كفارة ، لأن العود للقول هو المخالفة ، وقصده بالظهار التحريم ، فإذا أمسكها على النكاح بعد الظهار فقد خالف قوله : فيلزمه الكفارة .

قال ابن الهمام : الظهار لغة : مصدر ظاهر وهو مفاعلة من الظهر ، فيصح أن يراد به معان مختلفة ترجع إلى الظهر معنى ولفظا بحسب اختلاف الأغراض . وفي الشرع : هو تشبيه للزوجة أو جزء منها شائع أو معبر به عن الكل بما لا يحل النظر إليه من المحرمة على التأبيد ، ولو برضاع أو صهرية ، ولا فرق بين كون ذلك العضو الظهر أو غيره مما لا يحل النظر إليه ، وإنما خص باسم الظهار تغليبا للظهر ; لأنه كان الأصل في استعماله ، يعني قولهم : أنت على كظهر أمي ، وشرطه : في المرأة كونها زوجة وفي الرجل كونه من أهل الكفارة ، فلا يصح ظهار الذمي كالصبي والمجنون ، وحكمه : حرمة الوطء ودواعيه إلى وجود الكفارة به ، ثم قيل : سبب وجوبها العود لقوله تعالى : ( ثم يعودون لما قالوا ) وكثير من مشايخنا على أنه العزم على إباحة الوطء بناء على إرادة المضاف في الآية ، وهذا بناء على عدم صحة إرادة ظاهرها ، وهو تكرار نفس الظهار ، كما قال داود للحديث فإن ظاهره عدم تعلقها بتكرره ، وعند الشافعي هو سكوته بعد الظهار قدر ما يمكنه طلاقها اهـ . والمعنى أنه جعل ظهارها ( حتى يمضي رمضان ) : قال الطيبي - رحمه الله - : فيه دليل على صحة ظهار المؤقت ، فقال قاضي خان : لو ظاهر مؤقتا ، كان مظاهرا في الحال ، واذا مضى ذلك الوقت بطل لو ظاهر ، استثنى يوم الجمعة مثلا لم يجز ، ولو ظاهر يوما أو شهرا صح تقييده ولا يبقى بعد مضي العدة ( فلما مضى ) : وفي نسخة مر ( نصف من رمضان وقع عليها ليلا ) : أي : جامعها في ليل من الليالي ( فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر له ذلك ) : أي : ما ذكر من المظاهرة والمجامعة ( قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أعتق رقبة ، قال : لا أجدها ) : أي : عينها أو قيمتها قال : ( فصم شهرين متتابعين . قال : لا أستطيع ) : لعله لكبر سن أو ضعف بدن أو قوة جماع ، وقد قال - تعالى - جل جلاله ( من قبل أن يتماسا ) ( قال : أطعم ستين مسكينا ) : أي : كلا قدر الفطرة أو قيمته قبل المسيس كإخوته لما سيأتي في الحديث ( اعتزلها حتى تكفر ) : مطلقا من غير تفصيل ، فيأبى إجراؤه على إطلاقه ( قال : لا أجد . قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لفروة بن عمرو ) : أي : البياضي الأنصاري شهد بدرا وما بعدها من المشاهد ، روى عنه أبو حازم التمار ، قال الطيبي - رحمه الله - : فروة بالفاء المفتوحة في جامع الترمذي وبعض نسخ المصابيح ، وفي بعضها : عروة ، بالعين المضمومة وهو تصحيف ( أعطه ) : وفي نسخة بهاء السكت ( ذلك العرق ) : بفتح العين والراء ويسكن ( وهو مكتل ) : بكسر الميم وسكون الكاف وفتح الفوقية ( يأخذ خمسة عشر صاعا أو ستة عشر صاعا ) : وفي النهاية : العرق بفتح الراء : زنبيل منسوج من خوص ، وفي القاموس : عرق التمر الشقيقة المنسوخة من الخوص قبل أن يجعل منه الزنبيل أو الزنبيل نفسه ويسكن اهـ . وهو تفسير من الراوي ، والجملة معترضة بين المتعلق وهو : أعطه ، وبين المتعلق وهو قوله : ( ليطعم ) : أي : هو ( ستين مسكينا ) : أي : من ذلك العرق ، والمعنى أن يستعين به ولا يلزم الاستيفاء منه لما في رواية : ( فأطعم وسقا ) : وهو ستون صاعا . قال الطيبي : فيه دليل على أن كفارة الظهار مرتبة ( رواه الترمذي ) : أي : عن أبي سلمة .

[ ص: 2154 ]



الخدمات العلمية