الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
3329 - وعن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت : جاءت امرأة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت : يا رسول الله ! إن ابنتي توفي عنها زوجها ، وقد اشتكت عينها ، أفنكحلها ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا " مرتين أو ثلاثا ، كل ذلك يقول : " لا " . قال : " إنما هي أربعة أشهر وعشر ، وقد كانت إحداكن في الجاهلية لا ترمي بالبعرة على رأس الحول . " متفق عليه .

التالي السابق


3329 - ( وعن أم سلمة ) : أي : أم المؤمنين ( قالت : جاءت امرأة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت : يا رسول الله إن ابنتي توفي ) : بضمتين وتشديد الفاء أي مات ( عنها زوجها وقد اشتكت عينها ) : بالرفع وفي نسخة بالنصب قال النووي - رحمه الله - في شرح مسلم : هو برفع النون ، ووقع في بعض الأصول عيناها بالألف قال الزركشي في التنقيح : ويجوز ضم النون على أنها هي المشتكية وفتحها ، فيكون في اشتكت شكل الفاعل ، وهي المرأة الحادة ، وقد رجح الأول بما وقع في رواية : عيناها ( أفنكحلها ) : بالنون المفتوحة وضم الحاء ، وفي نسخة بتاء التأنيث والضمير البارز إليها أو إلى عينها ( قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا ) : أي : لا تكحلنها أو لا تكحل عينها ( مرتين أو ثلاثا ) : شك من الراوي ( كل ذلك ) : بالنصب وفي نسخة بالرفع ( يقول : " لا ) : قال الطيبي : صفة موكدة لقوله : ثلاثا ، قال ابن الملك : فيه حجة لأحمد على أنه لا يجوز الاكتحال بالإثمد للمتوفى عنها زوجها لا في رمد ولا في غيره ، وعندنا وعند مالك : يجوز الاكتحال به في الرمد ، وقال الشافعي : تكتحل للرمد ليلا وتمسحه نهارا ، اهـ . وقال بعض علمائنا من الشراح : يحتمل : أنها أرادت التزيين فلبست ، وقد علم النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك فنهاها ، ( ثم قال : " إنها هي ) : أي : عدتكن في الدين الآن ( أربعة أشهر وعشر ) : بالرفع عطفا على " أربعة " كذا في نسخ المشكاة الحاضرة ، والأصول المصححة المعتمدة ، وقال السيوطي - رحمه الله - : " وعشرا " بالنصب على حكاية لفظ القرآن ولبعضهم بالرفع ، وقال العسقلاني : قوله : عشرا كذا في الأصل بالنصب على حكاية لفظ القرآن ، وبعضهم بالرفع وهو واضح . ( وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة ) : بسكون العين وفي نسختها بفتحها ، وهي روث البعير في القاموس : البعر ويحرك واحدته بهاء ، وضبطه السيوطي بسكون المهملة ، وفي التنقيح بفتح العين وإسكانها ( على رأس الحول ) : أي : في أول السنة بعد موت زوجها .

قال القاضي : كان من عادتهم في الجاهلية أن المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت بيتا ضيقا ولبست شر ثيابها ولم تمس طيبا ولا شيئا فيه زينة حتى تمر بها سنة ، ثم تؤتى بدابة حمار أو شاة أو طير ، فتكسر بها ما كانت فيه من العدة ، بأن تمسح بها قبلها ، ثم تخرج من البيت فتعطى بعرة فترمي بها وتنقطع بذلك عدتها ، فأشار النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك أن ما شرع في الإسلام للمتوفى عنها زوجها من التربص أربعة أشهر وعشر في مسكنها ، وترك التزين والتطيب في تلك المدة يسير في جنب ما تكابده في الجاهلية ، اهـ .

ونقله ابن الهمام عن زينب بعينه إلا أنها قالت : دخلت حفشا بكسر الحاء المهملة ثم فاء ثم شين معجمة ، البيت الصغير قريب السقف حقير ، وقالت : ثم تؤتى بدابة فتقبل به ، فقل ما تفتض شيئا إلا مات ، وهو بفاء ثم تاء مثناة من فوق مفتوحة ، قيل : أي : تكسر ما هي فيه من العدة بظفر أو نحوه تمسح بها قبلها وتنبذه ، فلا يكاد يعيش ما تفتض به ، فهو من فض الله فاك . في شرح السنة : كانت عدة المتوفى عنها زوجها في الابتداء حولا كاملا ، ثم نسخ بأربعة أشهر وعشر . قال ابن الهمام : وعدة الحرة في الوفاة أربعة أشهر وعشرة أيام سواء كانت مدخولا بها أو لا . مسلمة أو كتابية تحت مسلم ، صغيرة أو كبيرة أو آيسة ، وزوجها حر أو عبد ، حاضت في هذه المدة أو لم تحض ، ولم يظهر حملها ، وعن بعض السلف عدتها عزيمة عام ورخصة الأربعة الأشهر والعشرة أيام لقوله تعالى : ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا ) الآية . والجمهور على نسخها بآية الأشهر أعني ما كان من وجوب الإيصاء ، وقال الأوزاعي : أربعة أشهر وعشر ليال ، فلو تزوجت في اليوم العاشر جاز أخذا من تذكير العدد ، أعني العشر في الكتاب والسنة ، فيجب كون العدد لليالي وإلا لأنثه ، قلنا : الاستعمال في مثله أما من الأيام على ما عرف بها التاريخ حيث تكتب الليالي ، فيقولون : لسبع خلون مثلا ، وأراد كون عدة الأيام كذلك . قال صاحب المدارك : أي وعشر ليال والأيام داخلة معها ، ولا يستعمل التذكير فيه ذهابا إلى الأيام [ ص: 2182 ] تقول : صمت عشرا ، ولو ذكرت لخرجت من كلامهم ، وقال البيضاوي - رحمه الله - : وتأنيث العشر باعتبار الليالي لأنها غرر الشهور والأيام ، ولذلك لا يستعملون التذكير في مثله قط ذهابا إلى الأيام ، حتى إنهم يقولون : صمت عشرا ويشهد له قوله : ( إن لبثتم إلا عشرا ) ثم ( إن لبثتم إلا يوما ) . قال : وعموم اللفظ يقتضي تساوي المسلمة والكتابية فيه كما قال الشافعي ، والحرة والأمة كما قال الأصم والحامل وغيرها ، لكن القياس اقتضى تنصيف المدة للأمة ، والإجماع خص الحامل عنه ، لقوله تعالى : ( وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ) وعن علي وابن عباس أنها تعتد بأقصى الأجلين احتياطا .

قال ابن الهمام : وإن كانت أمة فشهران وخمسة أيام على وزان ما تقدم ، ثم ابتداء العدة من الموت . وعن علي - رضي الله عنه - : من وقت علمها حتى لو مات في سفر ، فلم يبلغها حتى مضت أربعة أشهر وعشر انقضت العدة بذلك عند الجمهور ، وعند علي : لا تنقضي حتى تمر عدتها من حين عملت الإحداد ، ولا يمكنها إقامته إلا بالعلم . قلنا : قصاراه أن تكون كالعالمة ولم تحد حتى مضت المدة ، فإنها تخرج اتفاقا عن العدة على أن المقصود الأصلي منها عدم التزوج وقد وجد ، ومعنى العبادة تابع قال البيضاوي : ولعل المقتضي لهذا التقدم أن الجنين في غالب الأمر يتحرك لثلاثة أشهر إن كان ذكرا ولأربعة إن كان أنثى فاعتبر أقصى الأجلين ، وزيد عليه عشر استظهارا إذ ربما تضعف حركته في المبادئ ، فلا يحس بها . قال ابن الهمام : وإن كانت المتوفى عنها زوجها حاملا فعدتها أن تضع حرة أو أمة كالمطلقة والمتاركة في النكاح الفاسد ، والوطء بشبهة إذا كانت حاملا كذلك لإطلاق قوله تعالى جل شأنه : ( وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ) وكان علي - رضي الله عنه - يقول : لا بد من الوضع والأربعة الأشهر والعشر ، وهو قول ابن عباس ، لأن هذه الآية توجب العدة عليها بوضع الحمل . وقوله تعالى : ( يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ) يوحيها عليها فتجمع احتياطا . وفي موطأ مالك ، عن سليمان بن يسار أن عبد الله بن عباس ، وأبا سلمة بن عبد الرحمن بن عوف اختلفا في المرأة تنفس بعد زوجها بليال . فقال أبو سلمة : إذا وضعت ما في بطنها حلت ، فقال ابن عباس : آخر الأجلين ، فقال أبو هريرة : أنا مع ابن أخي يعني أبا سلمة ، فأرسلوا كريبا مولى ابن عباس إلى أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - وسألها عن ذلك ، فأخبر هو أنها قالت : ولدت سبيعة الأسلمية بعد وفاة زوجها بليال ، فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " قد حللت انكحي من شئت " . وفي الترمذي : إلا أنها وضعت بعد وفاته بثلاث وعشرين ، أو خمسة عشر يوما . وأخرج البخاري ، وأبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه بلفظ : من شاء لاعنته لأنزلت سورة النساء القصرى بعد الأربعة الأشهر وعشر . وأخرجه البزار بلفظ : من شاء حالفته ، وأسند عبد الله بن أحمد في مسند أبيه ، عن أبي بن كعب قلت للنبي - صلى الله عليه وسلم - : ( وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ) المطلقة ثلاثا والمتوفى عنها زوجها ؟ فقال : " هي المطلقة ثلاثا والمتوفى عنها زوجها " . وفيه المثنى بن صباح وهو متروك . ( متفق عليه ) .




الخدمات العلمية