الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
3383 - وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال : سألت النبي - عليه الصلاة والسلام - : أي العمل أفضل ؟ قال : ( إيمان بالله ، وجهاد في سبيله ) قال : قلت : فأي الرقاب أفضل ؟ قال : ( أغلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها ) . قلت : فإن لم أفعل ؟ قال : ( تعين صانعا أو تصنع لأخرق ) . قلت : فإن لم أفعل ؟ قال : ( تدع الناس من الشر ; فإنها صدقة تصدق بها على نفسك ) . متفق عليه .

التالي السابق


3383 - ( وعن أبي ذر ، قال : سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أي العمل ) أي : أي أنواعه من عمل الباطن والظاهر ( أفضل ) أي وفي الثواب أكمل ( قال : إيمان بالله ) ، أي ابتداؤه لكونه شرط صحة بقية الأعمال ، أو تجديده ساعة فساعة وبقاؤه عليه على المداومة والاستقامة ( وجهاد ) : أي مجاهدة مع الكفار ( في سبيله ) . أي في طريق دين الله وإعلاء كلمته ، أو المراد مطلق الجهاد الشامل له ولغيره المسمى بالجهاد الأكبر . قال تعالى : والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا فالمراد به المجاهدة مع نفسه التي هي أعدى عدوه ، و " سبلنا " شرعه المستقيم ودينه القويم من امتثال جميع المأمورات وانتهاء جميع المنهيات ، فيكون الحديث من قبيل قوله تعالى جل جلاله : إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ونظير ما ورد في الحديث : ( قل ربي الله ثم استقم ) ( قال ) : أي أبو ذر ( فقلت : فأي الرقاب ) : أي من جهة عتقها ( أفضل ؟ قال : أغلاها ثمنا ) ، بالغين المعجمة ، ويروى بالمهملة كذا في التنقيح ، وقال السيوطي رحمه الله : بعين مهملة ، وللكشميهني والنسفي بمعجمة والمعنى متقارب اهـ .

والمقصود أن الأجر على قدر المشقة ، كما روي : أفضل الأعمال أحزها أي : أشدها وأقواها على النفس . ( وأنفسها ) : بفتح الفاء وضم السين أفعل تفضيل للنفيس أي : أحبها وأكرمها ( عند أهلها ) . أي من ترك شيئا لله عوضه الله ( قلت : فإن لم أفعل ) أي عجزا لا كسلا قاله السيوطي ، والأظهر أن يقال : معناه فإن لم أقدر على فعله ( قال : ( تعين ) : بالرفع فهو خبر بمعنى الأمر ، وفي نسخة بالنصب ، فالتقدير : فإن لم أفعل أي شيء يقوم مقامه فقال : أن تعين ( صانعا ) : من الصنعة أي ما به معاش الرجل ، ويدخل فيه الحرفة والتجارة أي صانعا لم يتم كسبه لعياله ، أو ضعيفا عاجزا في صنعه ، وفي نسخة ضائعا أي ذا ضياع من الضياع أي : إعانة من لم يكن متعهدا [ ص: 2215 ] بتعهد من فقر أو عيال ، وقال السيوطي رحمه الله في حاشيته على البخاري : قوله : تعين ضائعا بالضاد المعجمة وبعد الألف تحتية بالاتفاق ، وضبط من قال من شراح البخاري أنه روي بالصاد المهملة والنون للاتفاق على أن هشاما إنما رواه بالمعجمة والياء ، وقد نسبه الزهري إلى التصحيف ، ووافقه الدارقطني لمقابلته بالأخرق اهـ .

وقوله بعد الألف تحتية ، وقوله بالمعجمة والياء محمولان على أصل الكلمة قبل الإعلال ، إذ يجب قلبها همزة كما هو مقرر في نحو : قائل وبائع وعائش وأمثالها .

قال الزركشي رحمه الله تعالى في التنقيح : قوله : ضائعا بالضاد المعجمة هكذا رواية هشام التي رواها البخاري من جهته ، أي : ذا ضياع من فقر أو عيال أو حال قصر عن القيام بها ، وروي بالصاد المهملة والنون ، وقال الدارقطني : إنه الصواب لمقابلته الأخرق ، وقال معمر : كان الزهري يقول : صحف هشام ، إنما هو الصانع ، والله تعالى أعلم . ( أو تصنع ) : بالإعرابين ( لأخرق ) . أي من ليس له كسب من خرق كفرح خرقا بالتحريك جهل ، فمعنى قوله : " أخرق " أي الجاهل بما يعمله أو ليس في يده صنعة يتكسب بها . قال القاضي : الأخرق هنا الذي لا يحسن صنعة . وقال السيوطي رحمه الله : قال أهل اللغة : رجل أخرق لا صنعة له ، والجمع خرق بضم فسكون . ( قلت : فإن لم أفعل ؟ قال : ( تدع ) : بالضبطين أي تترك ( الناس من الشر ) ، أي من إيصال الشر إليهم ، ويمكن أن يكون المعنى تتركهم من أجل شرهم ، ( فإنها ) : أي ترك الناس من الشر ( صدقة ) ، فالضمير للمصدر الذي دل عليه الفعل ، وأنثه لتأنيث الخبر أو باعتبار الفعلة أو الخصلة ( تصدق ) : أصله تتصدق ( بها ) : أي بهذه الصدقة ( على نفسك ) . أي : تحفظها عما يرديها ويعود وباله عليها . ( متفق عليه ) .




الخدمات العلمية