الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
3557 - وعن عمير قال : إن الله بعث محمدا بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان مما أنزل الله عليه آية الرجم رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف . متفق عليه .

التالي السابق


3557 - ( وعن عمر رضي الله عليه قال : إن الله بعث محمدا بالحق وأنزل عليه الكتاب ) أي بالصدق وهذا مقدمة للكلام وتوطئة للمرام رفعا للريبة ، ودفعا للتهمة الناشئة من فقدان تلاوة آية الرجم بنسخها مع بقاء حكمها ( فكان مما أنزل الله تعالى آية الرجم ) بالرفع على أنها اسم كان ومن التبعيضية في ( مما أنزل ) خبره وفي نسخة بالنصب فالتقدير : فكان بعض ما أنزل الله آية الرجم وهي الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة نكالا من الله والله عزيز حكيم . أي الثيب والثيبة كذا فسره مالك في الموطأ والأظهر تفسيرهما بالمحصن والمحصنة ( رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ) استئناف بيان لبقاء حكمها ( ورجمنا بعده ) أي تبعا له وفيه دلالة على وقوع الإجماع بعده ( والرجم في كتاب الله حق ) أي ثابت أو واجب ( على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء ) ظرفا للزنا ( إذا قامت البينة ) أي المعروفة في الزنا ( أو كان ) أي أو إذا وقع ( الحبل ) بفتحتين أي الحمل من غير ذات الزوج ( أو الاعتراف ) أي إذا وقع الإقرار بالزنا أو بالحبل ظرف للرحم ( متفق عليه ) . قال الطيبي رحمه الله : وإنما جعل قوله إن الله بعث محمدا بالحق إلخ مقدمة للكلام دفعا للريبة والاتهام ويدل عليه قوله في تمام هذا الحديث بعد قوله ورجمنا بعده فأخشى إن طال بالناس زمان من أن يقول قائل ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله في كتابه فإن الرجم في كتاب الله حق وفي آخره وايم الله لولا أن يقول الناس زاد في كتاب الله لكتبتها . أخرجه الأئمة إلا النسائي وفي رواية ابن ماجه وقد قرأتها : الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة . قال ابن الهمام : الرجم عليه إجماع الصحابة ومن تقدم من علماء المسلمين وإنكار الخوارج للرجم باطل لأنهم إن أنكروا [ ص: 2328 ] حجية إجماع الصحابة فجهل مركب بالدليل بل هو إجماع قطعي وإن أنكروا وقوعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو متواتر المعنى كشجاعة علي وجود حاتم ، والآحاد في تفاصيل صوره وخصوصياته ، وأما أصل الرجم ، فلا شك فيه ، ولقد كوشف بهم عمر ، وكاشف بهم حيث قال : خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائل : لا نجد الرجم في كتاب الله ، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله ألا وإن الرجم حق على من زنى وقد أحصن إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف . رواه البخاري ، وروى أبو داود أنه خطب ، وقال : إن الله تعالى بعث محمدا صلى الله عليه وسلم ، وأنزل عليه الكتاب ، وكان فيما أنزل عليه آية الرجم ، فقرأناها ، ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورجمنا من بعده ، وإني خشيت أن يطول بالناس زمان ، فيقول قائل : لا نجد الرجم . الحديث وقال : لولا أن يقال : إن عمر زاد في كتاب الله لكتبتها على حاشية المصحف ، وفي الحديث المتفق عليه من حديث ابن مسعود : لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث : الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة . وروى الترمذي عن عثمان أنه أشرف عليهم يوم الدار ، وقال : أنشدكم بالله أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " لا يحل دم امرئ مسلم إلا من إحدى ثلاث : كفر بعد إيمان ، وزنا بعد إحصان : وقتل نفس . ورواه البزار والحاكم ، وقال : صحيح على شرط الشيخين ، والبيهقي ، وأبو داود ، والدارمي ، وأخرجه البخاري عن فعله عليه الصلاة والسلام من قول أبي قلابة حيث قال : والله ما قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا قط إلا في ثلاث خصال : رجل قتل بجريرة نفسه فقتل أو رجل زنى بعد إحصان أو رجل حارب الله ورسوله ، وارتد عن الإسلام . ولا شك في رجم عمر وعلي ، ولا يخفى أن قول المخرج حسن أو صحيح في هذا الحديث يراد به المتن من حيث هو واقع في خصوص ذلك السند ، وذلك لا ينافي الشهرة وقطعية الثبوت بالتظافر والقبول والحاصل أن إنكاره إنكار دليل قطعي بالاتفاق فإن الخوارج يوجبون العمل بالمتواتر لفظا أو معنى كسائر المسلمين إلا أن انحرافهم عن الاختلاط بالصحابة والتابعين وترك التردد إلى علماء المسلمين ورواتهم أوقعهم في جهالات كثيرة لخفاء السمع عنهم والشهرة ولذا حين عابوا على عمر بن عبد العزيز القول بالرجم لأنه ليس في كتاب الله ألزمهم بإعداد الركعات ومقادير الزكوات فقالوا ذلك لأنه فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون ، فقال لهم وهذا أيضا فعله هو والمسلمون ، قال صاحب الهداية : وإن لم يكن محصنا وكان حرا فحده مائة جلدة لقوله تعالى : الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة وإنما قدم الزانية مع أن العادة عكسه ; لأنها هي الأصل إذ الداعية منها أكثر ولولا تمكينها لم يزن : قال ابن الهمام : وهذا عام في المحصن وغيره نسخ في حق المحصن قطعا ، ويكفينا في تعيين الناسخ القطع برجم النبي صلى الله عليه وسلم فيكون من نسخ الكتاب بالسنة القطعية وهو أولى من ادعاء كون الناسخ ( الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة نكالا من الله والله عزيز حكيم ) . لعدم القطع بكونها قرآنا ثم انتساخ تلاوتها وإن ذكرها عمر وسكت الناس فإن كون الإجماع السكوتي حجة مختلف فيه وبتقدير حجيته لا يقطع بأن جميع المجتهدين من الصحابة كانوا إذ ذاك حضروا ثم لا شك أن الطريق في ذلك إلى عمر ظني ولهذا والله تعالى أعلم قال علي : إن الرجم سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم ينسبه للقرآن المنسوخ تلاوة وعرف من قوله ذلك أنه قائل بعدم نسخ عموم الآية فيكون رأيه أن الرجم حكم زائد في حق المحصن ثبت بالسنة وهو قول قيل به ويستدل له بقوله عليه الصلاة والسلام : الثيب بالثيب جلد مائة والرجم بالحجارة وفي رواية أبي داود ورمي بالحجارة .




الخدمات العلمية