الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
3564 - وعن علي رضي الله عنه ، قال : يا أيها الناس أقيموا على أرقائكم الحد من أحصن منهم ومن لم يحصن ، فإن أمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم زنت فأمرني أن أجلدها ، فإذا هي حديث عهد بنفاس ، فخشيت إن أنا جلدتها أن أقتلها فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ، قال : ( أحسنت ) . رواه مسلم . وفي رواية أبي داود : قال ( دعها حتى ينقطع دمها ثم أقم عليها الحد ، وأقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم ) .

التالي السابق


3564 - ( وعن علي رضي الله عنه قال : يا أيها الناس ) أي المؤمنون ( أقيموا على أرقائكم ) : بتشديد القاف جمع رقيق أي : من عبادكم وإمائكم ( الحد ) : أي ضرب جلد ( من أحصن ) : أي وتزوج ( منهم ) : أي منهن ففيه حذف أو تغليب ( ومن لم يحصن ) ، قال الطيبي : وتقييد الأرقاء بالإحصان ، مع أن الحرية شرط الإحصان يراد به كونهن مزوجات لقوله تعالى : فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب حيث وصفهن بالإحصان ، فقال : فإذا أحصن وحكم ( فإن أمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم زنت ، فأمرني أن أجلدها ) وهذا التعليل يؤيد ما قدمناه من التأويل ( فإذا هي حديث عهد ) : أي جديد زمان ( بنفاس ، فخشيت إن أنا جلدتها أن أقتلها ) . قال الطيبي هو مفعول فخشيت وجلدتها مفسر لعامل أنا المقدر بعد إن الشرطية كقول الحماسي :


وإن هي لم تحمل عن النفس ضيمها فليس إلى حسن الثناء سبيل



وجواب الشرط محذوف دل عليه الكلام المعترض فيه بين الفعل ومفعوله . ( فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( أحسنت ) . فيه : إن جلد ذات النفاس يؤخر حتى تخرج من نفاسها ; لأن نفاسها نوع مرض فتؤخر إلى زمان البرء . قال ابن الهمام : وإذا زنى المريض وحده الرجم بأن كان محصنا حد ; لأن المستحق قتله ورجمه في هذه الحالة أقرب إليه ، وإن كان حده الجلد لا يجلد حتى يبرأ ; لأن جلده في هذه الحالة قد يؤدي إلى هلاكه ، وهو غير المستحق عليه ، ولو كان المرض لا يرجى زواله كالسل ، أو كان خداجا ضعيف الخلقة ، فعندنا وعند الشافعي يضرب بعثكال فيه مائة شمراخ فيضرب به دفعة ، ولا بد من وصول كل شمراخ إلى بدنه ، ولذا قيل : لا بد حينئذ أن تكون مبسوطة ، ولخوف التلف لا يقام الحد في البرد الشديد والحر الشديد ، بل يؤخر إلى اعتدال الزمان ، وإذا زنت الحامل لا تحد حتى تضع حملها ولو جلدا كيلا يؤدي إلى هلاك الولد لأنه نفس محرمة لأنه مسلم لا جريمة منه ( رواه مسلم . وفي رواية أبي داود : قال ( دعها ) : أي اتركها ( حتى ينقطع دمها ) : أي دم نفاسها ( ثم أقم عليها الحد ، وأقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم ) . أي لا تتركوا الحدود عليهم ، فإن منفعتها واصلة إليكم وإليهم ، وليس فيه صراحة دلالة على أن للموالي إقامة حدود مماليكهم ، ونظيره ما ورد من قوله صلى الله عليه وسلم : ( أقيموا حدود الله تعالى في البعيد والقريب ، ولا تأخذكم في الله لومة لائم ) . رواه ابن ماجه ، عن عبادة بن الصامت ، ويدل عليه اتفاق أصحابنا في كتبهم نقلا عن الصحابة موقوفا ومرفوعا : إن ولاية الحد إلى الولاة والله تعالى أعلم .




الخدمات العلمية