الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
3967 - وعن قتادة قال ذكر لنا أنس بن مالك عن أبي طلحة ، أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلا من صناديد قريش فقذفوا في طوي من أطواء بدر خبيث مخبث وكان إذا أظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال فلما كان ببدر اليوم الثالث أمر براحلته فشد عليها رحلها ، ثم مشى واتبعه أصحابه حتى قام على شفة الركي فجعل يناديهم بأسمائهم يا فلان بن فلان ; أيسركم أنكم أطعتم الله ورسوله فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا فقال عمر يا رسول الله ما تكلم من أجساد لا أرواح لها قال النبي - صلى الله عليه وسلم - والذي نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم وفي رواية ما أنتم بأسمع منهم ولكن لا يجيبون . متفق عليه وزاد البخاري قال قتادة أحياهم الله حتى أسمعهم قوله توبيخا وتصغيرا ونقمة وحسرة وندما .

التالي السابق


3967 - ( وعن قتادة رضي الله عنه قال ذكر لنا أنس بن مالك عن أبي طلحة رضي الله عنه أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلا ) : أي من الكفار ( من صناديد قريش ) : أي أشرافهم وعظمائهم ورؤسائهم الواحد صنديد وكل عظيم غالب صنديد كذا في النهاية وقال الجوهري هو الشجاع والمراد هنا أكابرهم ( فقذفوا ) بصيغة المجهول ; أي طرحوا ورموا ( في طوي ) ; أي بئر مطوية بالحجارة محكمة بها ( من أطواء بدر ) في النهاية هو في الأصل صفة فعيل بمعنى مفعول وذلك جمعوه على الأطواء كشريف وأشراف وإن كان قد انتقل إلى الاسمية ( خبيث مخبث ) بكسر الموحدة ; أي فاسد مفسد لما يقع فيه ، قال التوربشتي : فإن قيل كيف التوفيق بين الطوي والقليب البئر الذي لم تطو قلت يحتمل أن الراوي رواه بالمعنى ولم يدر أن بينهما فرقا ويحتمل أن الصحابي حسب أن البئر كانت مطوية وكانت قليبا ويحتمل أن بعضهم ألقي في طوي وبعضهم في قليب قلت الأظهر أن هذا أصلهما حالة الوصف ، ثم نقلا إلى اسم البئر مطلقا ولذا قال صاحب القاموس القليب البئر ، أو العادية القديمة منها وطوي كغني بئر بمكة اهـ . ويمكن أن يكون مجازا على التجريد فإن المرسن اسم لأنف فيه رسن وقد يطلق على أنف الإنسان ، وكذا المشفر والجحفلة اسم لشفرة البعير والفرس وقد يراد بهما شفة الإنسان وعليه قوله تعالى في وجه طلعها كأنه رءوس الشياطين ( وكان ) ; أي النبي - صلى الله عليه وسلم - ( إذا ظهر على قوم ) ; أي غلب ( أقام بالعرصة ) ; أي عرصة القتال وساحته من أرضه قال الطيبي : العرصة كل موضع واسع لا بناء فيه ( ثلاث ليال فلما كان ببدر ) ; أي مقيما بها ( اليوم الثالث ) بالنصب وفي نسخة بالرفع ; أي فلما وقع ، أو مضى ، أو وجد ، أو تم ببدر اليوم الثالث ( أمر براحلته ) ; أي بشدها ( فشد عليها رحلها ) ; أي قتبها ( ثم مشى واتبعه ) بالتخفيف ويشدد ; أي وتبعه ولحقه ( أصحابه حتى قام على شفة الركي ) بفتح الشين المعجمة ويكسر على ما في القاموس ; أي حافة البئر التي فيها صناديد قريش ( فجعل ) ; أي شرع وطفق ( يناديهم بأسمائهم وأسماء آبائهم ) ; أي للتمييز ( يا فلان بن فلان ) بفتح نون فلان وضمها وبنصب ابن كما سبق ( ويا فلان بن فلان ) ; أي نادى كل واحد منهم على حدة ، ثم قال خطابا للجميع ( أيسركم ) بضم السين ; أي يوقعكم في السرور ويعجبكم ( أنكم أطعتم الله ورسوله فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا ) ; أي ثابتا من غلبتنا عليكم ( فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا ) ; أي من العذاب فهذا سؤال توبيخ وتقريع لهم قال المظهر : أي هل تتمنون أن تكونوا مسلمين بعد ما وصلتم إلى عذاب الله قلت فالهمزة للتقرير وقال الطيبي : أي أتحزنون وتتحسرون على ما فاتكم من طاعة الله ورسوله أم لا وتذكرون قولنا لكم إن الله سيظهر دينه على الدين كله وينصر أولياءه ويخذل أعداءه فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا ( فقال عمر يا رسول الله ما تكلم من أجساد لا أرواح لها ) " ما " مبتدأ بمعنى الذين و " من " بيان ما و " لا أرواح لها " خبره ; أي من تكلم معهم أشباح بلا أرواح فكيف يجيبونك وقيل ما استفهامية ومن زائدة قال الطيبي : على الثاني فيه معنى الإنكار ; لأن في الاستفهام معنى النفي وعلى الأول الخبر محذوف ; أي الذين تكلمهم لا يسمعون كلامك ، أو من زائدة على مذهب الأخفش وأجساد خبر له اهـ . ويجوز أن يكون تكلم بمعنى تسأل ومن متعلق به على تقدير كون كلمة ما استفهامية ( قال النبي - صلى الله عليه وسلم - والذي نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ) متعلق بأسمع ( وفي رواية ما أنتم بأسمع منهم ولكن لا يجيبون ) وفي شرح مسلم للنووي قال المازري قيل : إن الميت يسمع عملا بظاهر هذا الحديث وفيه نظر ; لأنه خاص في حق هؤلاء ورد عليه القاضي وقال يحمل سماعهم على ما يحمل عليه سماع الموتى في أحاديث عذاب القبر وفتنته التي لا مدفع لها وذلك بإحيائهم ، أو إحياء أجزاء منهم يعلقون به ويسمعون في الوقت الذي يريده الله قال الشيخ : هذا هو [ ص: 2554 ] المختار قال ابن الهمام في شرح الهداية : أعلم أن أكثر مشايخ الحنفية على أن الميت لا يسمع على ما صرحوا به في كتاب الإيمان لو حلف لا يكلمه فكلمه ميتا لا يحنث ; لأنها تنعقد على ما يجيب بفهم السماع كما قالوا فيمن حلف لا يأكل اللحم فأكل السمك مع أن الله تعالي سماه لحما طريا قال : وأجابوا عن هذا الحديث تارة بأنه مردود عنعائشة رضي الله عنها قالت : كيف يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك ؟ والله تعالى يقول وما أنت بمسمع من في القبور ، إنك لا تسمع الموتى أقول : والحديث المتفق عليه لا يصح أن يكون مردودا لاسيما ولا منافاة بينه وبين القرآن فإن المراد من الموتى الكفار والنفي منصب على نفي النفع لا على مطلق السمع كقوله تعالى صم بكم عمي فهم لا يعقلون ، أو على نفي الجواب المترتب على السمع قال البيضاوي في قوله تعالى لا تسمع الموتى وهم مثلهم لما سدوا عن الحق مشاعرهم أن الله يسمع من يشاء ; أي هدايته فيوفقه لفهم ; آياته والاتعاظ بعظاته وما أنت بمسمع من في القبور ترشيح لتمثيل المصرين على الكفر بالأموات ومبالغة في إقناطه عنهم اهـ . فالآية من قبيل : إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ، ثم قال وتارة بأن تلك خصوصية له - صلى الله عليه وسلم - معجزة وزيادة حسرة على الكافرين أقول وهذا قول قتادة الآتي ويرده أن الاختصاص لا يصح إلا بدليل وهو مفقود هنا بل السؤال والجواب ينافيانه قال وتارة بأنه من ضرب المثل أقول ويدفعه جوابه - صلى الله عليه وسلم - ، ثم قال ويشكل عليهم خبر مسلم إن الميت ليسمع قرع نعالهم إذا انصرفوا اللهم إلا أن يخصوا ذلك بأول الوضع في القبر مقدمة للسؤال جمعا بينه وبين الآيتين فإنهما يفيدان تحقق عدم سماعهم فإنه تعالى شبه الكفار بالموتى لإفادة بعد سماعهم وهو نوع عدم سماع الموتى اهـ . وهو كما ترى فيه نوع نقض لا يحصل به جمع مع أن ما ورد من السلام على الموتى يرد على التخصيص بأول أحوال الدفن والله أعلم ( متفق عليه وزاد البخاري قال قتادة أحياهم الله حتى أسمعهم قوله توبيخا وتصغيرا ) ; أي تحقيرا ( ونقمة ) ; أي انتقاما ( وحسرة وندما ) ; أي تحسيرا وتنديما وكان المازري أخذ الاختصاص من هذا القول وهو خلاف قول الجمهور كما هو مبين في شرح الصدور في أحوال القبور .




الخدمات العلمية