الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
3968 - وعن مروان والمسور بن مخرمة ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام حين جاءه وفد هوازن مسلمين فسألوه أن يرد إليهم أموالهم وسبيهم فقال فاختاروا إحدى الطائفتين إما السبي وإما المال قالوا فإنا نختار سبينا فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأثنى على الله بما هو أهله ، ثم قال أما بعد فإن إخوانكم قد جاءوا تائبين وإني قد رأيت أن أرد إليهم سبيهم فمن أحب منكم أن يطيب ذلك فليفعل ومن أحب منكم أن يكون على حظه حتى نعطيه ; إياه من أول من يفيء الله علينا فليفعل فقال الناس قد طيبنا ذلك يا رسول الله فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إنا لا ندري من أذن منكم ممن لم يأذن فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم فرجع الناس فكلمهم عرفاؤهم ، ثم رجعوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبروه أنهم قد طيبوا وأذنوا . رواه البخاري .

التالي السابق


3968 - ( وعن مروان رضي الله عنه ) قال المؤلف في فصل الصحابة هو ابن الحكم القرشي الأموي يكنى أبا عبد الملك جد عمر بن عبد العزيز ولد على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قيل سنة اثنين من الهجرة وقيل عام الخندق وقيل غير ذلك فلم ير النبي - صلى الله عليه وسلم - ; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر أباه إلى الطائف فلم يزل بها حتى ولي عثمان فرده إلى المدينة فقدمها وابنه معه مات بدمشق سنة خمس وستين روى عن نفر من الصحابة منهم عثمان وعلي وعنه عروة بن الزبير وعلي بن الحسين ( والمسور ) بكسر الميم وسكون السين المهملة وفتح الواو ( ابن مخرمة ) بفتح الميم والراء وخاء معجمة بينهما قال المؤلف هو زهري قرشي ابن أخت عبد الرحمن بن عوف ولد بمكة بعد الهجرة بسنتين وقبض النبي - صلى الله عليه وسلم - وله ثمان سنين وجمع منه وحفظ عنه وكان فقيها من أهل الفضل لم يزل بالمدينة إلى أن قتل عثمان فانتقل إلى مكة فلم يزل بها حتى مات معاوية وكره بيعة يزيد فتم مقيما بمكة إلى أن بعث يزيد عسكره وحاصر مكة وبها ابن الزبير فأصاب المسور حجر من حجارة المنجنيق وهو يصلي في الحجر فقتله . وذلك في مستهل ربيع الأول سنة أربع وستين روى عنه خلق كثير ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام ) كذا في كتاب الحميدي وجامع الأصول وشرح السنة على ما ذكره الطيبي فالمعنى قام واعظا وفي بعض نسخ المصابيح قال ( حين جاءه وفد هوازن ) قبيلة مشهورة ( مسلمين ) ; أي بعد أن أغاروا مالهم وأسروا ذريتهم وقسموا فيما بينهم ( فسألوه ) ; أي طلبوا من النبي - صلى الله عليه وسلم - ( أن يرد إليهم أموالهم وسبيهم ) قيل كان السبي سبعة آلاف ( فقال اختاروا ) أمر من الاختيار والفاء جزاء شرط محذوف ; أي إذا جئتم مسلمين فاختاروا ( إحدى الطائفتين إما السبي وإما المال ) قال الطيبي جعل المال طائفة إما على المجاز ، أو على التغليب قلت ، أو على المشاكلة لكن في القاموس الطائفة من الشيء القطعة منه ، أو الواحد فصاعدا ، أو إلى الألف وقال الجوهري الطائفة من الشيء قطعة منه فلا مجاز ويؤيده كلام الراغب الطواف المشي حول الشيء ومنه الطائف لمن يدور حول البيت ومنه استعير الطائف للخيال والحادثة وغيرها والطائفة من الناس جماعة منهم ومن الشيء القطعة منه [ ص: 2555 ] ( قالوا فإنا نختار سبينا ) فإنه أعز من المال مع أن في سبيهم العار ومن أمثالهم النار ولا العار ( فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) ; أي خطيبا واعظا ولعل إعادته لطول الفصل ( فأثنى على الله بما هو أهله ) ; أي بما يليق لجماله وكماله ( ثم قال أما بعد ) ; أي بعد الثناء الجميل والحمد الجزيل ( فإن إخوانكم ) ; أي في الدين ، أو في النسب ( جاءوا تائبين ) ; أي من الشرك راجعين عن المعصية مسلمين منقادين ( وإني قد رأيت ) من الرأي ( أن أرد إليهم سبيهم ) ; أي جميعه إليهم ( فمن أحب منكم أن يطيب ذلك ) ; أي السبي يعني رده قال ميرك ناقلا عن الشيخ هو بفتح الطاء المهملة وتشديد التحتانية المكسورة ; أي يعطيه عن طيب نفسه من غير عوض ( فليفعل ) وقال الطيبي ذلك إشارة إلى ما رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - من الرأي وهو رد السبي والمعنى من يطيب على نفسه الرد اهـ . وظاهره أن يطيب بالتخفيف ( ومن أحب منكم أن يكون على حظه ) ; أي نصيبه وأراد أن يدوم على حظه لأجله فيترقب ( حتى نعطيه ; إياه ) ; أي عوضه ( من أول ما يفيء الله علينا ) من الإفاءة ( فليفعل ) والفيء ما أخذ من الكفار بغير الحرب كالجزية والخراج ( فقال الناس ) ; أي بعضهم مما بينهم ، أو كلهم من غير تمييز ( قد طيبنا ) بتشديد الياء وسكون الباء ( ذلك ) ; أي الرد ( يا رسول الله ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إنا لا ندري ) : أي بطريق الاستغراق ( من أذن منكم ) ; أي رضي ذلك الرد ( ممن لم يأذن ) ; أي لم يرض ، أو من أذن لنا ممن لم يأذن قال المظهر وإنما استأذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصحابة في رد سبيهم ; لأن أموالهم وسبيهم صار ملكا للمجاهدين ولا يجوز رد ما ملكوا إلا بإذنهم ( فارجعوا حتى يرفع عرفاؤكم ) ; أي رؤساؤكم ونقباؤكم ( أمركم ) ; أي تفصيله قال الطيبي : الظاهر أن حتى هاهنا غير حتى السابقة ; لأن الأولى ما بعدها المستقبل وهي بمعنى كي وهذه ما بعدها في معنى الحال فيكون مرفوعا كقولهم شربت الإبل حتى يجيء البعير ( فرجع الناس فكلمهم عرفاؤهم ، ثم رجعوا ) ; أي عرفاؤهم ( إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبروه أنهم ) ; أي الناس كلهم ( قد طيبوا ) ; أي ذلك الرد ( وأذنوا ) ; أي بالرد إليهم ( رواه البخاري ) .




الخدمات العلمية