الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
4010 - وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه ، قال : قدمنا فوافقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر ، فأسهم لنا ، أو قال : فأعطانا منها وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر منها شيئا ، إلا أصحاب سفينتنا جعفرا وأصحابه ، أسهم لهم معهم . رواه أبو داود .

التالي السابق


4010 - ( وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قدمنا ) أي : من الحبشة ( فوافقنا ) : بالفاء والقاف ، وفي رواية بالتحتية أي : صادفنا . ( رسول الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر ) ، تنازع فيه الفعلان السابقان عليه ( فأسهم لنا ، أو قال : فأعطانا منها ) أي : من غنائم خيبر ( وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر منها شيئا إلا لمن شهد معه ) ، استثناء منقطع للتأكيد وقوله : ( إلا أصحاب سفينتنا ) : استثناء متصل من قوله لأحد ، ذكره الطيبي ، وقيل : جعله بدلا أظهر ، ويرده أن الرواية بالنصب ، ووهم بعضهم وزعم أن المراد بمن شهد معه أصحابالحديبية ، فيكون الاستثناء متصلا ، وليس بذلك ; لأن من حضر فتح خيبر هم أصحاب الحديبية لا غير ( جعفرا وأصحابه ) ، عطف بيان لأصحاب السفينة ، والمراد بهم جعفر بن أبي طالب مع جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا هاجروا إلى الحبشة حين كان النبي صلى الله عليه وسلم بمكة فلما علموا بهجرة النبي صلى الله عليه وسلم وقوة دينه رجعوا ، وكانوا راكبين في السفينة ، فلما وافق قدومهم فتح خيبر ، وفرح رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدومهم ( أسهم لهم ) أي : لجعفر وأصحابه ( معهم ) . أي : مع من شهدوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الحديبية وحضروا معه في فتح خيبر . قال القاضي : وإنما أسهم لهم ; لأنهم وردوا عليه قبل حيازة الغنيمة ولذلك قال الشافعي في أحد قوليه : من حضر بعد انقضاء القتال وقبل حيازة الغنيمة شارك فيها الغانمين ، ومن لم ير ذلك حمله على أنه أسهم لهم بعد استئذان أهل الحديبية ورضاهم به .

[ ص: 2590 ] قال الطيبي : وهذا التأويل أظهر مما ذهب إليه بعضهم من أنه إنما أعطاهم صلى الله عليه وسلم من الخمس الذي هو حقه دون حقوق من شهد الوقعة ; لأن في قوله : فأسهم يقتضي القسمة من نفس الغنيمة ، وما يعطى من الخمس ليس بسهم . قلت : يمكن أن يقال المراد بالسهم المعنى اللغوي وهو النصيب فيطابق قوله : أو قال : فأعطانا منها أي : من الغنيمة ، وهي شاملة للخمس وغيره ، و ( أو ) للشك من الراوي ، ولو أعطاهم برضا الغزاة لشاع فيهم ، ونقل إلينا والله أعلم . قال : وأيضا الاستثناء في قوله : إلا أصحاب سفينتنا يقتضي إثبات القسمة لهم ، والقسمة لا تكون من الخمس . قلت : القسمة لغوية بمعنى إعطاء شيء في الجملة . قال : ولأن سياق كلام أبي موسى وارد على الافتخار والمباهاة ، فيستدعى اختصاصهم بما ليس لأحد غيرهم . قلت : المباهاة إذا كانت من خمس خمسه أظهر وأطهر . قال : والرضخ والخمس مشترك فيه اليتامى والمساكين وغيرهما ، فلا مزية لهم فيه . قلت : هؤلاء من الحاضرين ، والكلام في الغائبين ، فحصل اختصاصهم ليس لأحد غيرهم . قال : وإذا تقرر هذا ظهر أن قسمة خيبر ثمانية عشر سهما . قلت : وكذا نزيد على تسعة عشر سهما على ما سبق . قال : وهذا وهم آخر في حديث مجمع . قلت : ثبت العرش ، ثم انقش . قال : فلا ينتهي دليلا على أن سهما الفارس سهمان . قلت : سبق إثباته به وبأدلة أخرى مبسوطة فتدبر . ( رواه أبو داود ) .

قال ابن الهمام : وإذا لحقه المدد في دار الحرب قبل أن يخرجوا الغنيمة إلى دار الإسلام شاركهم المدد فيها . وعن الشافعي : فيه قولان ، وما ذكرناه بناء على ما مهدنا من أن الملك لا يتم للغانمين قبل إحراز الغنيمة بدار الحرب ، فجاز أن يشاركهم المدد إذا قام به الدليل ، ولا ينقطع حق المدد إلا بثلاثة أمور : الإحراز بدار الإسلام ، والقسمة بدار الحرب ، وبيع الغنيمة قبل لحاق المدد ، هذا وعلى ما حققناه المبني تأكد الحق وعدمه ، وما استدل به الشافعي من صحيح البخاري ، عن أبي هريرة : بعث عليه الصلاة والسلام أبانا على سرية قبل نجد ، فقدم أبان وأصحابه على رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر بعدما افتتحها إلى أن قال : ولم يقسم لهم لا دليل فيه ; لأن وصول المدد في دار الإسلام لا يوجب شركة ، وخيبر صارت دار إسلام بمجرد فتحها ، فكان قدومهم والغنيمة في دار الإسلام ، وأما إسهامه لأبي موسى الأشعري على ما في الصحيحين عنه قال : بلغنا خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن باليمن ، فخرجنا مهاجرين إليه أنا وأخوان لي أنا أصغرهم أحدهما أبو بردة والآخر أبو رهم أكبرهم في بضع وخمسين رجلا من قومي ، فركبنا سفينة ، فألقتنا إلى النجاشي ، فوافقنا جعفر بن أبي طالب وأصحابه عنده ، فقال جعفر : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثنا هاهنا ، وأمرنا بالإقامة فأقيموا معنا فأقمنا حتى قدما ، فوافينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين افتتح خيبر ، فأسهم لنا ولم يسهم لأحد غاب عن خيبر إلا أصحاب سفينتنا . قال ابن حبان : إنما أعطاهم من خمس الخمس ليستميل قلوبهم ، لا من الغنيمة فهو حسن . ألا ترى أنه لم يعط غيرهم ممن لم يشهدها ، وحمل بعض الشافعية على أنهم شهدوا قبل حوز الغنائم خلاف مذهبهم ، فإنه لا فرق عندهم في عدم الاستحقاق بين كون الوصول قبل الحوز وبعد كونه بعد الفتح ، ثم لا حق لأهل سوق العسكر في الغنيمة لا سهم ولا رضخ إلا أن يقاتلوا ، فحينئذ يستحقون السهم وبه قال مالك وأحمد . وللشافعي قولان أحدهما : كقولنا ، والآخر يسهم له ، واستدل الشافعي بما روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : " الغنيمة لمن شهد الوقعة " . والصحيح : أنه موقوف على عمر ذكره ابن أبي شيبة في مصنفه : حدثنا وكيع ، أنبأنا شعبة ، عن قيس بن مسلم ، عن طارق ، عن ابن شهاب : أن أهل البصرة غزوا نهاوند ، فأمدهم أهل الكوفة وعليهم عمار بن ياسر ، فظهروا ، فأراد أهل البصرة أن لا يقسموا لأهل الكوفة ، فقال رجل من بني تميم : أيها العبد الأجدع ! تريد أن تشاركنا من غنائمنا ، وكانت أذنه جدعت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : خير أذن سببت ، ثم كتب إلى عمر فقال : إن الغنيمة لمن شهد الوقعة . ورواه الطبراني والبيهقي قال : وهو صحيح من قول عمر ، وأخرج ابن عدي عن علي : الغنيمة لمن شهد الوقعة ، وهذا قول صحابي ، وهو لا يرى تقليد المجتهد إياه ، وكذا عند الكرخي من أصحابنا ، وعلى قول الآخرين ، تأويله أن يشهد على قصد القتال ، والوقعة هي القتال ، وهو معنى قول صاحب المجمل : الوقعة صدمة الحرب وشهوده على قصد القتال إنما يعرف بأحد أمرين : بإظهار خروجه للجهاد ، والتجهيز له لا لغيره ، ثم المحافظة على ذلك القصد الظاهر ، وهذا هو السبب الظاهر الذي يبتنى عليه الحكم ، وأما تحقيقه قتاله بأن كان خروجه ظاهرا لغيره ، كالسوقي وسائس الدواب ، فإن خروجه ظاهر لغيره ، فلا يستحق بمجرد شهوده ، إذ لا دليل على قصد القتال ، فإذا قاتل ظهر أنه قصده غير أنه ضم إليه شيئا آخر كالتجارة في الحج لا ينقص به ثواب حجه .

[ ص: 2591 ]



الخدمات العلمية