الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
4034 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : حدثني عمر رضي الله عنه قال : " لما كان يوم خيبر أقبل نفر من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : فلان شهيد ، وفلان شهيد ، حتى مروا على رجل ، فقالوا : فلان شهيد . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كلا إني رأيته في النار في بردة غلها ، أو عباءة ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا ابن الخطاب اذهب فناد في الناس : أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون " ثلاثا . قال : فخرجت فناديت : ألا إنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون ، ثلاثا . رواه مسلم .

التالي السابق


4034 - ( وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : حدثني عمر ) : ليس رضي الله عنه في الأصول ( قال : لما كان يوم خيبر ) : بالرفع وفي نسخة بالنصب ( أقبل نفر من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم ) : بالفتح جمع صاحب ولم يجمع فاعل على فعالة إلا هذا ذكره ابن الأثير في النهاية ( فقالوا ) أي : بعضهم ( فلان ) أي : ممن قتل ذلك اليوم ( شهيد ، وفلان شهيد ) أي : وهكذا ( حتى مروا على رجل ، فقالوا : فلان ) أي : الممرور عليه ( شهيد . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كلا " ) : ردع لما فهم من قولهم فلان شهيد أن روحه في الجنة ( " إني رأيته في النار في بردة " ) أي : لأجل قطعة ثوب مخطط ( غلها " ) أي : خانها من الغنيمة ( " ، أو عباءة " ) : بفتح أولها ممدودا ويقصر كساء لبسها الأعراب وهي ذات خطوط أي : ، أو في عباءة غلها والشك لأحد من الرواة ( ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا ابن الخطاب ! اذهب فناد في الناس : أنه " ) : بفتح الهمزة ويكسر والضمير للشأن ( " لا يدخل الجنة " ) أي : ابتداء ( " إلا المؤمنون " ) أي : الكاملون ( ثلاثا ) : متعلق بناد ( وقال ) أي : عمر ( فخرجت فناديت : ألا إنه ) : للتنبيه ( لا يدخل الجنة إلا المؤمنون ، ثلاثا ) .

[ ص: 2604 ] قال ابن الملك : المؤمن في العرف من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وبما جاء به ، ومن غل كأنه لم يصدقه لعدم جريه على موجب تصديقه ، ولم يجعله النبي صلى الله عليه وسلم من المؤمنين زجرا لهم عن ذلك ، أو يقال المراد بالمؤمنين المتقون من الذنوب ، وبالدخول بلا عذاب ، وقوله : " إني رأيته في النار " يدل على أن بعض من يعذب في النار يدخلها ، ويعذب فيها قبل القيامة ، وفيه تأمل ; لأن النصوص شاهدة على أن دخول النار حقيقة يكون بعد الحشر ، فتحمل هذه الرؤية على وجه التمثيل إشارة إلى أنه سيكون كذلك ، كما مثل له صلى الله عليه وسلم دخول بلال في الجنة قبل موته ، نعم عذاب القبر حق ، لكنه نوع آخر لا بهذا الوجه .

قلت : يحتمل أن يكون في الكلام مجاز أي : علمته في المعصية الموجبة للنار ، كما قال تعالى : ( إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم يصلونها يوم الدين ) ويمكن أن يراد بالنار نار البرزخ ، كما في حديث : " القبر روضة من رياض الجنة ، أو حفرة من حفر النيران " ، أو الرؤية محمولة على الكشف والمشاهدة ، والمعنى أن مآله إلى النار .

قال الطيبي : فإن قلت : الكلام في الشهادة لا في الإيمان فما معنى هذا القول ؟ قلت : هو تغليظ وارد على سبيل المبالغة يعني جزمتم أنه من الشهداء ، وأنه من أهل الجنة ، وقد رأيته في النار فدعوا هذا الكلام ; لأن الكلام في إيمانه زجرا وردعا عن الغلول اهـ . ويمكن أنه انكشف له صلى الله عليه وسلم أنه في النار ، وما انكشف له أنه من أهل الإيمان ، وحقيقة الشهادة متوقفة على الإيمان ، كما أن دخول الجنة متفرع عليه ، فلا ينبغي الجزم بالشهادة . لا سيما وقد ظهر منه بعض أسباب الشقاوة ، وإن كان حصل منه بعض أحوال السعادة ، والله أعلم . ( رواه مسلم ) .




الخدمات العلمية