الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
4061 - وعنه قال : قرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين ) ، حتى بلغ ( عليم حكيم ) فقال هذه لهؤلاء ، ثم قرأ ( واعلموا أن ما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ) حتى بلغ ( ابن السبيل ) ، ثم قال هذه لهؤلاء ، ثم قرأ ( ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى 4 ) حتى بلغ ( للفقراء ) ، ثم قرأ ( والذين جاءوا من بعدهم ) . ثم قال هذه استوعبت المسلمين عامة ، فلئن عشت فليأتين الراعي وهو بسرو حمير نصيبه منها ، لم يعرق فيها جبينه . رواه في " شرح السنة " .

التالي السابق


4061 - ( وعنه ) أي : عن مالك بن أوس رضي الله عنه ( قال : قرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ( إنما الصدقات للفقراء والمساكين ) حتى بلغ ( عليم حكيم ) يعني : ( والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم ) ( فقال : هذه ) أي الآية ( لهؤلاء ) أي : لأهل الزكاة وهم مصارفها ، ثم قرأ ( واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ) حتى بلغ ( وابن السبيل ) : يعني ( ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ) ( ثم قال : هذه لهؤلاء ) أي : لأهل الخمس ( ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى ) " حتى بلغ ( للفقراء ) : كان الظاهر أنه يقرأ من قوله : ( وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم ) الآية فإنها نص في الفيء الذي لا يقسم ، وأما هذه الآية فتمامها ( فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ) ، وهي ظاهرة في التخميس ، ويمكن أن يكون المراد منها أنه لله حقيقة وللرسول خاصة يصرف في المذكورين ، ثم أبدل عنهم بقوله : ( للفقراء ) الآيات ( والذين جاءوا ) : كان الظاهر أن يقول : ( للفقراء المهاجرين الذين تبوءوا الدار والذين جاءوا ) فطوى الأنصار فيما بينهما وفي نسخة ، ثم قرأ ( والذين جاءوا ) فالتقدير حتى بلغ " للفقراء " الآيتين ، ثم قرأ ( والذين جاءوا ) ، ( من بعدهم ) أي : بعد المهاجرين والأنصار إلى يوم القيامة يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا أي : في الإسلام الذين سبقونا في الهجرة والنصرة بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا أي : حقدا وعداوة للذين آمنوا أي : لهم وضع الظاهر موضع المضمر إشارة إلى العلة لتسري في غيرهم من المؤمنين واحترازا عن المرتدين ، ولا خفاء في أن الخوارج والروافض محرومون عن الدخول في هذه الآية الشريفة ، فينبغي أن لا يكون لهم حظ في الفيء ، والله أعلم .

[ ص: 2639 ] ( ثم قال ) أي : عمر رضي الله عنه ( هذه ) أي : الآيات ( استوعبت المسلمين عامة ) : يعني بخلاف الآيتين السابقتين حيث خصت إحداهما بأهل الزكاة والأخرى بأهل الخمس ، وقيل : الإشارة إلى أموال الفيء الدالة عليهما الآية المذكورة من قوله ( ما أفاء الله على رسوله ) أي : هي معدة لمصالحهم ونوائبهم ، وكان رأي عمر أن الفيء لا يخمس كما تخمس الغنيمة ، بل تكون بجملته معدة لمصالح المسلمين ومجعولة لنوائبهم على تفاوت درجاتهم وتفاوت طبقاتهم . وإليه ذهب عامة أهل الفتوى ، غير الشافعي فإنه كان يرى أن يخمس الفيء ويصرف أربعة أخماس إلى المقاتلة والمصالح . وفي شرح السنة ذهب عمر رضي الله عنه إلى أن هذه الآيات منسوخ بعضها مع بعض ، وأن جلة الفيء لجميع المسلمين يصرفها الإمام على ما يراه من الترتيب وهو قوله عامة أهل الفتوى واختلفوا في التفصيل على السابقة والنسب ، فذهب أبو بكر رضي الله عنه إلى التسوية بين الناس ، ولم يفضل بالسابقة حتى قال له عمر رضي الله عنه : أتجعل الذين جاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم وهاجروا من ديارهم كمن دخل في الإسلام كرها ؟ فقال : إنما عملوا لله وإنما أجورهم على الله ، وإنما الدنيا بلاغ ، وكان عمر رضي الله عنه يفضل بالسابقة والنسب ، فكان يفضل عائشة على حفصة ويقول : إنها كانت أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك وأبوها كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبيك . وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال : فرض عمر لأسامة بن زيد أكثر مما فرض لي ، فقلت : إنما هجرتي وهجرته واحدة . قال إن أباه كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبيك ، وإنه كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك وإنما هاجر بك أبوك . ومال الشافعي إلى التسوية وشبهه بالميراث يسوى فيه بين الولد البار والعاق ، وسهم الغنيمة يسوى فيه بين الشجاع الذي حصل الفتح على يديه ، وبين الجبان إذا شهدا جميعا الواقعة ( فلئن عشت ) أي : حييت إلى فتح بلاد الكفر وكثرة الفيء لأوصلن جميع المحتاجين إلى ما يحتاجون إليه ( فليأتين الراعي ) بالنصب على المفعولية ( وهو بسرو حمير ) بفتح السين وسكون الراء المهملتين اسم موضع بناحية اليمن وحمير بكسر المهملة وسكون الميم وفتح التحتية ، وهو أبو قبيلة من اليمن أضيفت إليهم ; لأنه محلتهم ، وقيل : سرو حمير موضع من بلاد اليمن وأصل السرو ما ارتفع من منحدر ، أو ما انحدر من مرتفع ، وإنما ذكر سرو حمير لما بينه وبين المدينة من المسافة الشاقة وذاك الراعي مبالغة في الأمر الذي أراده من معنى التعميم في إيصال القسم إلى الطالب وغيره والقريب والبعيد والفقير والحقير وذلك لأن الراعي يشغله عن طلب حقه ، أو لحقارته يظن أنه لا يعطى له شيء ، بل قل أن يعلم أنه له حقا في ذلك ، ثم الجملة حال من المفعول معترضة بينه وبين فاعله وهو قوله ( نصيبه ) أي : حصته ، أو المقدار المقدر له ( منها ) أي : من أموال الفيء ( لم يعرق فيها ) أي : حال كونه لم يتعب في تحصيلها وأخذها ( جبينه . رواه ) أي : صاحب المصابيح ( في شرح السنة ) أي : بإسناده .




الخدمات العلمية