الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
4180 - وعن أنس - رضي الله عنه : " أن خياطا دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - لطعام صنعه فذهبت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فقرب خبز شعير ومرقا فيه دباء وقديد ( قال أنس - رضي الله تعالى عنه - ) : فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يتتبع الدباء من حوالي القصعة ، فلم أزل أحب الدباء بعد يومئذ " . متفق عليه .

التالي السابق


4180 - ( وعن أنس أن خياطا دعا النبي - صلى الله عليه وسلم - لطعام ) : أي إلى طعام أو لأجل طعام ( صنعه ، فذهبت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ) : أي إلى ذلك الطعام ، كما في رواية ، وهو إما بطلب مخصوص أو بالتبعية له - صلى الله عليه وسلم - لكونه خادما له عملا بالرضا العرفي ( فقرب خبز شعير ومرقا ) : بفتحتين ( فيه دباء ) : بضـم الدال وتشديد الموحدة والمد ، وقد يقصر : القرع والواحدة دباءة ، ( وقديد ) : أي لحم مملوح مجفف في الشمس فعيل بمعنى مفعول ، والقد القطع طولا . وفي السنن عن رجل : " دخلت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشاة ونحن مسافرون فقال : " أمالح لحمها " ، فلم أزل أطعمه إلى المدينة " . ( قال أنس - رضي الله تعالى عنه : فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يتتبع الدباء ) : أي يتطلبه ( من حوالي القصعة ) : بفتح اللام وسكون الياء ، وإنما كسرها لالتقاء الساكنين ، يقال : رأيت الناس حوله وحوليه وحواليه ، واللام مفتوحة في الجميع ، ولا يجوز كسرها على ما في الصحاح ، وتقول حوالي الدار . قيل : كأنه في الأصل حوالين كقولك جامين ، فسقطت النون للإضافة ، والصحيح هو الأول ، ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم : اللهم حوالينا ولا علينا " .

قال الطيبي : كله . بمعنى وهو ظرف اهـ ، وهو مفرد اللفظ جمع المعنى أي جوانب القصعة ، وهي بفتح القاف ، وهي ما يشبع عشرة أنفس ، وفي بعض نسخ الشمائل : حوالي الصحفة " ، وهي ما يشبع خمسة أنفس ، وقيل : معناهما واحد ، وهو إما بالنسبة لجانبه - صلى الله عليه وسلم - دون جانب البقية أو مطلقا ، ولا يعارضه نهيه عن ذلك لأنه للتقذر والإيذاء ، وهو منتف في حقه - صلى الله عليه وسلم - لأنهم كانوا يودون ذلك منه لتبركهم بآثاره ، حتى نحو بصاقه ومخاطه يدلكون بها وجوههم ، وقد شرب بعضهم بوله وبعضهم دمه . في شرح السنة : فيه دليل على أن الطعام إذا كان مختلفا يجوز أن يمد يده إلى ما لا يليه إذا لم يعرف من صاحبه كراهيته . وفي رواية عن أنس أنه قال : " فجعلت أتتبعه إليه ولا أطعمه وأضعه بين يديه لما أعلم أنه يحبه " ، ( فلم أزل أحب الدباء ) : أي محبة شرعية لا طبعية شهوية ، أو المراد أحبها محبة زائدة ( بعد ) : بفتح دالها وفي نسخة بضمها ، وقوله : ( يومئذ ) : بفتح الميم وكسرها على الأول وبفتح الميم على الثاني ، وفي الشمائل " من يومئذ " بكسر الميم على أنه معرب مجرور بمن أو بفتحها على اكتساب البناء من المضاف إليه .

قال الطيبي : يحتمل أن يكون " بعد " مضافا إلى ما بعده ، كما جاء في شرح السنة بعد ذلك اليوم ، وأن يكون مقطوعا عن الإضافة ، وقوله : ( يومئذ ) بيان للمضاف إليه المحذوف فيجوز الوجهان حينئذ كما قرئ بهما في قوله تعالى ومن خزي يومئذ وفي الحديث جواز أكل الشريف طعام من دونه من محترف وغيره ، وإجابته دعوته ، ومؤاكلة الخادم ، وبيان ما كان - صلى الله عليه وسلم - عليه من التواضع واللطف بأصحابه ، وأنه يسن محبة الدباء ، وكذا كل شيء كان يحبه ، وأن كسب الخياط ليس بدنيء ، ( متفق عليه ) ، ورواه الترمذي في الشمائل .




الخدمات العلمية