الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
4355 - وعن أبي ريحانة - رضي الله عنه - قال : " نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن عشر : عن الوشر ، والوشم ، والنتف ، وعن مكامعة الرجل الرجل بغير شعار ، ومكامعة المرأة المرأة بغير شعار ، وأن يجعل الرجل في أسفل ثيابه حريرا مثل الأعاجم ، أو يجعل على منكبيه حريرا مثل الأعاجم ، وعن النهبى ، وعن ركوب النمور ، ولبوس الخاتم إلا لذي سلطان " . رواه أبو داود ، والنسائي .

التالي السابق


4355 - ( وعن أبي ريحانة ) : أي سرية النبي - صلى الله عليه وسلم - واختلف في اسمه فقيل : شمعون بالشين المعجمة ، وقيل بالمهملة كذا ذكره بعضهم . وقال المؤلف : هو أبو ريحانة بن سمعون بن يزيد القرظي الأنصاري حليف لهم ، ويقال له مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكانت ابنته ريحانة ، وكان من فضلاء الزاهدين في الدنيا ، نزل الشام ، وروى عنه جماعة . ( قال : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن عشر ) : أي خصال ( عن الوشر ) : بواو مفتوحة فمعجمة ساكنة فراء ، وهو على ما في النهاية تحديد الأسنان وترقيق أطرافها ، تفعله المرأة الكبيرة تتشبه بالشواب .

قال بعضهم : وإنما نهى عنه لما فيه من التغرير وتغيير خلق الله تعالى ، ( والوشم ) : أي وعن الوشم ، وهو أن يغرز الجلد بإبرة ، ثم يحشى بكحل أو نيل فيزرق أثره أو يخضر ( والنتف ) : أي وعن نتف النساء الشعور من وجوههن ، أو نتف اللحية أو الحاجب بأن ينتف البياض منهما ، أو نتف الشعر عند المصيبة ، والنهي عن الوشر والوشم لما فيهما من تغيير خلق الله ، ذكره القاضي وغيره من الشراح ( وعن مكامعة الرجل الرجل بغير شعار ) : بكسر أوله أي ثوب يتصل بشعر البدن ، والنهاية : أي مضاجعة الرجل صاحبه في ثوب واحد لا حاجز بينهما يحث بأن يكونا عاريين ، والظاهر الإطلاق . ويحتمل أن يكون النهي مقيدا بما إذا لم يكونا ساتري العورة ، وكذا قوله ؟ ( ومكامعة المرأة المرأة بغير شعار ، وأن يجعل الرجل في أسفل ثيابه ) : أي في ذيلها وأطرافها ( حريرا ) : أي كثيرا زائدا على قدر أربع أصابع لما مر من جوازه ، ويدل عليه تقييده بقوله : ( مثل الأعاجم ) : أي مثل ثيابهم في تكثير سجافها ، ولعلهم كانوا يفعلون أيضا على ظهارة ثيابهم تكبرا وافتخارا ، قال المظهر : يعني ( لبس الحرير حرام على الرجال ) ، سواء كان تحت الثياب أو فوقها ، : وعادة جهال العجم أن يلبسوا تحت الثياب ثوبا قصيرا من الحرير ليلين أعضاءهم . قال الطيبي : ولعل لفظي " يجعل " و " أسفل " ينبوان عنه ، ولو أريد ذلك لقيل : وأن يلبس تحت الثياب ، وكذا قوله : ( أو يجعل على منكبيه حريرا ) : أي علما من حرير زائدا على قدر أربع أصابع ( مثل الأعاجم ، وعن النهبى ) : بضم فسكون مصدر . بمعنى النهب والغارة ، وقد يكون اسما لما ينهب ، والمراد النهي عن إغارة المسلمين . ( وعن ركوب النمور ) : بضمتين جمع نمر أي جلودها ، قيل : لأنها من زي الأعاجم ، وقال الطيبي : المقتضي للنهي ما فيه من الزينة والخيلاء أو نجاسة ما عليها من الشعور ، فإنها لا تطهر بالدباغ اهـ . والقول الأخير ساقط عن الاعتبار ; لأن كل إهاب دبغ فقد طهر ، إلا جلد الآدمي والخنزير والكلب على قول ، مع أن شعر الميتة عندنا طاهر من أصله . ( ولبوس الخاتم ) : بضم اللام مصدر كالدخول أي وعن لبس الخاتم وهو بكسر التاء ويفتح ، ونهيه عنه لأن فيه زينة وليس لكل أحد في لبسه ضرورة . ( إلا لذي سلطان ) : فإنه محتاج إليه لختم الكتاب ، كما سيأتي في باب الخاتم مقتضيه من الأسباب ، وفي معناه كل محتاج إلى ذلك كالقاضي والأمير ونحوهما ، فيستحصل منه أنه كره التختم للزينة المحضة التي لا يشوبها أمر من باب المصلحة ، وقيل : المراد بالنهي التنزيه وهو الظاهر ، وقيل : مسموح بدليل تختم الصحابة في عصره - عليه الصلاة والسلام - وعصر خلفائه بلا نكير ، قال الخطابي : أباح لبس الخاتم لذي سلطان ; لأنه يحتاج إليه لختم الكتب ، وكرهه لغيره ; لأنه يكون زينة محضة لا حاجة فيه اهـ كلامه . وهو مخالف لظاهر مذهب الشافعي من أنه يستحب لكل أحد . قال الطيبي : واللام في قوله : " لذي سلطان " للتأكيد ، وتقديره نهى عن لبوس الخاتم جميعا إلا ذا سلطان . ( رواه أبو داود ، والنسائي ) : وكذا الإمام أحمد .

[ ص: 2787 ]



الخدمات العلمية