الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
4397 - وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكره عشر خلال : الصفرة - يعني : الخلوق - وتغيير الشيب ، وجر الإزار ، والتختم بالذهب ، والتبرج بالزينة لغير محلها ، والضرب بالكعاب ، والرقى إلا بالمعوذات ، وعقد التمائم وعزل الماء لغير محله ، وفساد الصبي غير محرمه . رواه أبو داود والنسائي .

التالي السابق


4397 - ( وعن ابن مسعود قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكره عشر خلال ) : بكسر أوله جمع خلة بمعنى خصلة ( الصفرة ) : بالنصب وجوز رفعه وجره ونهيه مختص بالرجال كما صرح به في حديث رواه الشيخان ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، هي أن يتزعفر الرجل ( يعني : الخلوق ) : وهو تفسير من ابن مسعود أو من بعده من الرواة . قال الطيبي : أي استعماله وهو طيب مركب يتخذ من الزعفران وغيره من أنواع الطيب ، وتغلب عليه الحمرة والصفرة . وقد ورد تارة بإباحته ، وتارة بالنهي عنه والنهي أكثر وأثبت ، وإنما نهي عنه لأنه من طيب النساء وكن أكثر استعمالا له منهم ، والظاهر أن أحاديث النهي ناسخة ( وتغيير الشيب ) : عطف على الصفرة وهو ثاني العشرة ، وقال بعض علمائنا من الشراح : يعني خضاب الشيب بحيث يبلغ به إلى السواد فيتشبه بالشباب إخفاء لشيبه وتعمية على أعين الناظرين دون الخضاب بالحناء ، فإنه تغيير لا يلتبس معه حقيقة الشيب اهـ .

وقال الإمام محمد في موطئه : لا نرى بالخضاب بالوشمة والحناء والصفرة بأسا ، وإن تركه أبيض فلا بأس ، وكل ذلك حسن اهـ . وقيل : أراد تغييره بالنتف . وقال الطيبي : المراد بتغيير الشيب التسويد الملبس دون الخضاب بالحناء ، وما يضاهيه إذ ورد الأمر به اهـ . وفي الجامع الصغير : " غيروا الشيب ولا تشبهوا باليهود " رواه أحمد والنسائي عن الزبير ، والترمذي عن أبي هريرة ، ورواه أحمد عن أنس ولفظه : " غيروا الشيب ولا تقربوا السواد " . ( وجر الإزار ) ، أي إسباله وغيره خيلاء كما سبق ( والتختم بالذهب ) : أي للرجال ( والتبرج بالزينة ) : أي إظهار المرأة زينتها ومحاسنها للرجال ( لغير محلها ) : بكسر الحاء ويفتح أي لغير زوجها ومحارمها ، والمحل حيث يحل لها إظهار الزينة وبينها قوله تعالى : ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن الآية ، ( والضرب بالكعاب ) : بكسر الكاف جمع كعب ، وهو فصوص النرد ، ويضرب بها على عادتهم ، والمراد النهي عن اللعب بالنرد وهو حرام كرهه - عليه الصلاة والسلام - والصحابة . وقيل : كان ابن مغفل يلعب مع امرأته ، ورخص فيه ابن المسيب على غير قمار ، وفي الجامع الصغير برواية أحمد وأبي داود وابن ماجه والحاكم ، عن أبي موسى مرفوعا " من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله " . وفي معناه اللعب بالشطرنج ، وهو مكروه عندنا ، مباح عند الشافعية بشروط معتبرة لهم . ( والرقى ) : بضم الراء وفتح القاف جمع رقية ( إلا بالمعوذات ) : بكسر الواو المشددة ويفتح وهي المعوذتان ، وما في معناها من الأدعية المأثورة والتعوذ بأسمائه سبحانه . وقيل : المعوذتان والإخلاص والكافرون . ( وعقد التمائم ) : جمع تميمة ، والمراد بها التعاويذ التي تحتوي على رقى الجاهلية من أسماء الشياطين وألفاظ لا يعرف .

[ ص: 2804 ] معناها ، وقيل : التمائم خرزات كانت العرب في الجاهلية تعلقها على أولادهم يتقون بها العين في زعمهم ، فأبطله الإسلام لأنه لا ينفع ولا يدفع إلا الله تعالى ( وعزل الماء لغير محله ) : اللام بمعنى " عن " أي إخراج المني عن الفرج وإراقته خارجه ، ويجوز أن يكون معنى لغير محله بغير الإماء ، فإن محل العزل الإماء دون الحرائر ، وهو في الحرة محمول على عدم إذنها ، وقيل فيه تعريض بإتيان الدبر أي صبه في غير الموضع الذي يحل أن يصب فيه ، إذ محل الماء فرج المرأة . قال الخطابي : سمعت في غير هذا الحديث عزل الماء عن محله ، وهو أن يعزل ماءه عن فرج المرأة ، وهو محل الماء ، وإنما كره ذلك لأن فيه قطع النسل ، والمكروه منه ما كان من ذلك في الحرائر بغير إذنهن ، فأما المماليك فلا بأس بالعزل عنهن ، ولا إذن لهن مع أربابهن .

قال الطيبي : يرجع معنى الروايتين أعني إثبات لفظ عن وغيره إلى معنى واحد ; لأن الضمير المجرور في محله يرجع إلى لفظ الماء ، وإذا روي بغير محله يرجع إلى لفظ العزل ( وفساد الصبي ) : وهو أن يطأ المرأة المرضع ، فإذا حملت فسد لبنها ، وكان في ذلك فساد الصبي ، ذكره الخطابي وزاد غيره ، فإنه ربما تحمل المرأة فيخل بالرضيع وبقوة اللبن . ( غير محرمه ) : بتشديد الراء المكسورة قال القاضي : ( غير ) منصوب على الحال من فاعل يكره أي يكرهه غير محرم إياه ، والضمير المجرور لفساد الصبي ، فإنه أقرب . وقال في جامع الأصول : يعني كره جميع هذه الخصال ولم يبلغ حد التحريم . قال الأشرف : ( غير محرمه ) عائد إلى فساد الصبي فقط ; فإنه أقرب ، وإلا فالتختم بالذهب حرام ، وأيضا لو كان عائدا إلى الجميع لقال محرمها اهـ .

واختاره بعض الشراح من علمائنا ، وقال الطيبي : قد تقرر أن الحال قيد للفعل فما أمكن تعلقه به يجب المصير إليه ، إلا أن خصه الدليل الخارجي . قالالإمام الرازي : في مثل هذا ترك العمل فيه لدليل الإجماع ، ولم يترك في الباقي ، وأما امتناعه بقوله : لو كان عائدا إلى الجميع لقال ( محرمها ) ، فجوابه أن الضمير المفرد وضع موضع اسم الإشارة اهـ . ومآله أنه يرجع إلى المذكور ، وهو الذي اختاره ابن الملك والله أعلم . ( رواه أبو داود ، والنسائي ) : وروى أحمد عن معاوية : أنه - صلى الله عليه وسلم - نهى عن النوح والشعر والتصاوير وجلود السباع والتبرج والغناء والذهب والخز والحرير .




الخدمات العلمية