الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
39 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : كنا قعودا حول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعنا أبو بكر وعمر - رضي الله عنهما - في نفر ، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بين أظهرنا ، فأبطأ علينا ، وخشينا أن يقتطع دوننا ، وفزعنا فقمنا ، فكنت أول من فزع ، فخرجت أبتغي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أتيت حائطا للأنصار لبني النجار ، فدرت به هل أجد له بابا فلم أجد ، فإذا ربيع يدخل في جوف حائط من بئر خارجة - والربيع الجدول - قال : فاحتفزت فدخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " أبو هريرة ؟ " فقلت : نعم يا رسول الله . قال : " ما شأنك ؟ " قلت : كنت بين أظهرنا فقمت فأبطأت علينا ، فخشينا أن تقتطع دوننا ، ففزعنا ، فكنت أول من فزع ، فأتيت هذا الحائط فاحتفزت كما يحتفز الثعلب ، وهؤلاء الناس وراء الحائط ، فقال : " يا أبا هريرة " ، وأعطاني نعليه ، فقال : " اذهب بنعلي هاتين ، من لقيت يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة ، فكان أول من لقيت عمر ، فقال : ما هاتان النعلان يا أبا هريرة ؟ قلت هاتان نعلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثني بهما ؛ من لقيت يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه بشرته بالجنة ، فضرب عمر بين ثديي ، فخررت لاستي . فقال : ارجع يا أبا هريرة ، فرجعت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأجهشت بالبكاء ، وركبني عمر وإذا هو على أثري ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما لك يا أبا هريرة ؟ " ، فقلت : لقيت عمر فأخبرته بالذي بعثتني به ، فضرب بين ثديي ضربة خررت لاستي فقال : ارجع . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " يا عمر ! ما حملك على ما فعلت ؟ " قال : يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي ، أبعثت أبا هريرة بنعليك من لقي يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه بشره بالجنة ؟ قال : " نعم " . قال : فلا تفعل ، فإني أخشى أن يتكل الناس عليها ، فخلهم يعملون . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " فخلهم " رواه مسلم .

التالي السابق


39 - ( وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : كنا قعودا ) أي ذوي قعود ، أو قاعدين ( حول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعنا أبو بكر وعمر ) بالرفع ( في نفر ) أي مع جماعة ، أو في جملة نفر من الصحابة - رضي الله عنهم - ( فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بين أظهرنا ) : أظهر زائد للتأكيد ، أي من بيننا ( فأبطأ ) : بالهمزة ( علينا ) أي مكث وتوقف عنا كثيرا ( وخشينا ) : الخشية خوف من تعظيم ( أن يقتطع ) : على البناء للمفعول ، أي من أن يقتطع ، وقوله : ( دوننا ) حال من الضمير المستتر في " يقتطع " أي خشينا أن يصاب بمكروه من عدو أو غيره متجاوزا عنا وبعيدا منا ، وفي الكشاف معنى " دون " أدنى مكان الشيء ، ومنه الشيء الدون ، واستعير للتفاوت في الأحوال والرتب . يقال : زيد دون عمرو في الشرف والعلم ، ثم اتسع فيه واستعمل في كل تجاوز حد إلى حد ( وفزعنا ) أي اضطربنا . قال الطيبي : عطف أحد المترادفين على الآخر لإرادة الاستمرار كما في قوله تعالى : ( كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا ) أي كذبوه تكذيبا غب تكذيب اهـ .

ويمكن أن يغاير بينهما بحمل الخشية على خوف الباطن ، والفزع على اضطراب الظاهر ، وهو الظاهر ؛ لأن التأسيس أولى من التأكيد لاسيما مع تغاير اللفظين ، وهو بكسر الزاي ، وفي نسخة : ففزعنا ، ووجه العطف بالفاء أن الثاني مترتب على الأول ، فهو سبب له ( فقمنا ) أي للتجسس والتفحص ( فكنت ) أي لكثرة خشيتي عليه ( أول من فزع ) وقام للطلب ( فخرجت ) أي من المجلس ( أبتغي ) أي أطلب ( رسول الله ) : أتتبع أثره وخبره ؛ لأعلم حقيقة إبطائه ( صلى الله عليه وسلم - حتى أتيت حائطا ) أي بستانا له حيطان أي جدران ( للأنصار لبني النجار ) : تخصيص بعد عام ، أو بدل بعض أي وظننت أنه - عليه الصلاة والسلام - فيه ( فدرت به ) أي بحول الحائط قائلا في نفسي : ( هل أجد له بابا ؟ ) أدخل منه ( فلم أجد ) له بابا ( فإذا ) : إذا للمفاجأة أي فاجأ عدم وجودي للباب رؤية ( ربيع ) : نهر صغير ( يدخل في جوف حائط ) أي بستان آخر إلى ذلك الحائط ، أو في جوف جدار من جدران ذلك الحائط ، مبتدأ ، أو مستمد ذلك النهر ( من بئر ) بالهمز ويبدل ( خارجة ) ضبطناه بالتنوين في بئر وخارجة ، وعلى أن " خارجة " صفة لبئر ، هكذا نقله الشيخ أبو عمرو بن الصلاح ، وذكر الحافظ أبو موسى الأصفهاني وغيره أنه روي على ثلاثة أوجه ، الأول : ما ذكرناه ، والثاني : بتنوين في بئر وهاء مضمومة في خارجه ، وهي هاء ضمير للحائط أي البئر في موضع خارج عن الحائط ، والثالث : بإضافة بئر إلى خارجة ، آخره تاء الثاني ، وهو اسم رجل . والوجه الأول هو المشهور الظاهر ، كذا ذكره الشيخ محيي الدين النووي ، وقيل : البئر هنا البستان ، سميت بما فيها من الآبار ، يقولون : بئر بضاعة ، وبئر خارجة ، وهما بستانان [ ص: 112 ] والحائط هنا البستان من النخل إذا كان عليه جدار . ( والربيع : الجدول ) : هذا تفسير من بعض الرواة ( قال ) أبو هريرة ( فاحتفزت ) قال النووي : روي بالزاء المعجمة ، والراء المهملة ، والصواب الأول ، ومعناه تضاممت ليسعني المدخل ( فدخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( أبو هريرة ) أي فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : لأنت أبو هريرة ؟ والاستفهام إما على حقيقته لأنه - عليه الصلاة والسلام - كان غائبا عن بشريته بسبب إيحاء هذه البشارة فلم يشعر بأنه هو ، وإما للتقرير وهو ظاهر ، وإما للتعجب لاستغرابه أنه من أين دخل عليه والطرق مسدودة ( قلت : نعم يا رسول الله ) أنا أبو هريرة ( قال : ما شأنك ؟ ) بالهمز ، ويعدل ، أي : أي شيء حالك ، وما سبب مأتاك واضطرابك ؟ ( قلت : كنت ) أي أنت ( بين أظهرنا ) أي كان ظهورنا مستندة إليك ، وقلوبنا معتمدة عليك ، وصدورنا منشرحة لديك ( فقمت ) أي عنا ( فأبطأت علينا ) وفتحت باب الاضطراب لدينا ( فخشينا ) : عليك أولا ، وعلينا ثانيا ( أن تقتطع ) أي يقطعك أعداؤك عن أحبابك وتهلك ( دوننا ) أي من غير اطلاعنا ، أو دون أن نهلك بين يديك لأجلك ( ففزعنا ) أي لذلك ، وتسارعنا إلى تعرف خبرك ( فكنت أول من فزع ) من المشتاقين ، وأول من قام من الخائفين ( فأتيت هذا الحائط ) بناء على ظني أنك فيه ( فاحتفزت ) لما لم أجد له بابا ( كما يحتفز الثعلب ) في تحصيل المطلب ( وهؤلاء الناس ورائي ) أي ينتظرون علم ما وقع لك ، وهو اقتباس من قوله تعالى حكاية عن موسى : ( هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى ) ( قال : يا أبا هريرة ) يقرأ بالهمز ولا يكتب ( وأعطاني نعليه ) الجملة حال ، وهو إشارة إلى البشارة للمحبين ( قال ) تأكيد للأول ( اذهب بنعلي ) الباء للتعدية ( هاتين ) تأكيد للتنبيه ، ولعله - عليه الصلاة والسلام - حصل له التجلي الطوري في ذلك المقام النوري فخلع النعلين ، وأعطى لأصحابه الكونين ، أو إيماء إلى ثباتهم على دينهم ، وبذلهم الجهد في السعي إليه بأقدامهم ، وقال الطيبي : لعل فائدة بعثة النعلين الدلالة على صدقه ، وإن كان خبره مقبولا بدون ذلك ، وتخصيصها بالإرسال إما لأنه لم يكن عنده غيرهما ، وإما للإشارة إلى أن بعثته وقدومه لم يكن إلا تبشيرا وتسهيلا على الأمة ، ورفعا للآصار التي كانت في الأمم السابقة ، وإما للإشارة إلى ثبات القدم والاستقامة بعد الإقرار كقوله - عليه الصلاة والسلام - : ( قل آمنت بالله ثم استقم ) والله أعلم بأسراره ، وأسرار أبراره . ( فمن لقيك ) أي رآك أو رأيته ( من وراء هذا الحائط ) : قيد واقعي ، أو المراد إيمان غيبي يتميز به المخلص عن المنافق ( يشهد ) أي حال كونه ( أن لا إله إلا الله ) : ويلزم منه شهادة أن محمدا رسول الله ( مستيقنا بها ) أي بمضمون هذه الكلمة ( قلبه ) أي منشرحا بها صدره غير شاك ومتردد في التوحيد والنبوة اللذين هما الإيمان الإجمالي ( فبشره بالجنة ) معناه أخبر أن من كان هذه صفته فهو من أهل الجنة ، وإلا فأبو هريرة لا يعلم استيقانهم ، وفي هذا دلالة ظاهرة لمذهب أهل الحق أن اعتقاد التوحيد لا ينفع دون النطق عند القدرة أو عند الطلب ، ولا النطق دون الاعتقاد بالإجماع ، بل لا بد منهما ، غايته أن النطق فيه خلاف أنه شرط أو شطر ، وقد يسقط بعذر ، وذكر القلب هنا للتأكيد ونفي توهم المجاز ، وإلا فالاستيقان لا يكون إلا بالقلب كقوله : رأيت بعيني . ( فكان أول من لقيت ) أي من الناس ( عمر ) منصوب على أنه خبر كان ، وقيل : مرفوع على الاسمية و " أول " بالعكس ، قيل : وهو أولى لأنه وصف وهو بالخبرية أحرى ( فقال ) مبادرا ( ما هاتان النعلان ) أي شأنهما وخبرهما ( يا أبا هريرة ؟ قلت : هاتان نعلا رسول - صلى الله عليه وسلم - بعثني بهما ) حال كوني قائلا ، أو مبلغا أو مأمورا بأن ( من لقيت ) أي أنا ( يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه بشرته بالجنة ، فضرب عمر ) لا بد هنا من تقدير يدل عليه السياق من السباق واللحاق ، يعني : فقال عمر : ارجع ؛ قصدا للمراجعة بناء على رأيه الموافق للكتاب ونصه المطابق للصواب ، فأبيت وامتنعت عن حكمه امتثالا لظاهر أمره - عليه الصلاة والسلام - المقدم على كل أمر آمر ، فضرب عمر بيده ( بين ثديي ) بالتثنية أي في صدري ؛ فإنه يبعد كل البعد ضربه ابتداء من غير باعث ( فخررت ) بفتح الراء ( لاستي ) همزة وصل ، أي سقطت على مقعدي من شدة ضربه لي ( فقال : ارجع يا أبا هريرة ) تأكيدا . قال الطيبي : ليس فعل عمر ومراجعته النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتراضا عليه وردا لأمره ؛ إذ ليس ما بعث به أبا هريرة إلا لتطييب قلوب الأمة وبشراهم ، فرأى عمر - رضي الله عنه - أن كتمه هذا أصلح لئلا يتكلوا اهـ .

[ ص: 113 ] والحاصل أنه - عليه الصلاة والسلام - لكونه رحمة للعالمين ، ورحيما بالمؤمنين ، ومظهرا للجمال على وجه الكمال ، وطبيبا لأمته على كل حال لما بلغه خوفهم وفزعهم واضطرابهم أراد معالجتهم بإشارة البشارة ؛ لإزالة الخوف والنذارة ، فإن المعالجة بالأضداد ، ولما كان عمر مظهرا للجلال ، وعلم أن الغالب على الخلق التكاسل والاتكال ، فرأى أن الأصلح لأكثر الخلق المعجون المركب ، بل غلبة الخوف بالنسبة إليهم أنسب فوافقه - صلى الله عليه وسلم - وهذه مرتبة علية ومزية جلية لعمر - رضي الله عنه . وأما قول ابن حجر : وكان وجه استباحة عمر لذلك أنه لأبي هريرة بمنزلة الشيخ والمعلم ، وللشيخ والمعلم أن يؤدب المتعلم بمثل ذلك إذا رأى منه خلاف الأدب ، وهو هنا المبادرة إلى إشاعة هذا الخبر قبل تفهم المراد من النبي - صلى الله عليه وسلم - مع إشكاله ، وما يترتب عليه من اتكال الناس وإعراضهم عن الأعمال ، وكان حقه إذا أمر بتبليغه أن يتفهم المراد به ليورده في موارده دون غيرها ، فاقتضى اجتهاد عمر أن إخلاله بذلك مقتض لتأديبه ، فأدبه بذلك . فتطويل لا طائل تحته ، فإنه مع تسليم ما ذكر كله لا يعقل ضربه ابتداء من الشيخ الحقيقي فضلا عن غيره ، ثم قوله أيضا : ويحتمل أن عمر استبعد صدور هذا العموم منه - عليه الصلاة والسلام - بدليل قوله الآتي : أبعثت إلخ . ونسبه إلى تصرف أبي هريرة فأدبه لذلك - مستبعد غاية البعد ؛ فإنه يؤدي إلى سوء الظن ، وعدم قبول خبر الواحد في الديانات ، ومع هذا كيف يتصور ضربه على ذلك ؟ ثم من الغريب أنه فرع عليه أيضا بأن للأفاضل من الأتباع تأديب من دونهم إذا كانوا لهم بمنزلة التلامذة ، وأن للشيخ أن يؤدب تلميذه ولو بالضرب ، ونقل جواز ذلك عن بعض أئمته اهـ . ولا ريب أن الضرب على عدم فهم المراد أو على سوء الظن من غير بيان مخالف للإجماع ، والله أعلم .

( فرجعت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأجهشت بالبكاء ) والباء للمصاحبة ، والبكاء إما لشدة الإيلام أو لقلة الاحترام . ويروى " جهشت " بكسر الهاء وغير همز ، وهما صحيحان ، وكلاهما بصيغة الفاعل ، والجهش كالإجهاش أن يفزع الإنسان إلى إنسان ويلجأ إليه ، ومع ذلك يريد البكاء كما يفزع الصبي إلى أمه ( وركبني عمر ) أي أثقلني عدو عمر من بعيد خوفا واستشعارا منه كما يقال : ركبته الديون أي أثقلته يعني تبعني عمر ( وإذا هو ) أي عمر ، وإذا للمفاجأة ، وفي نسخة بالفاء ، بيان لوصوله إليه أي فنظرت فإذا هو ( على أثري ) : فيه لغتان فصيحتان فتحهما وهو الأصح ، وكسر الهمزة ، وسكون الثاء أي عقبي ( فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( ما لك رجعت ) وأي شيء رجع بك على هذه الحالة المنكرة ؟ ( يا أبا هريرة ؟ . قلت ) : وفي نسخة : فقلت ( لقيت عمر فأخبرته بالذي بعثتني به فضرب بين ثديي ضربة خررت لاستي فقال ) أي عمر ( ارجع ، قال ) : وفي نسخة : فقال ، بالفاء ( رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( يا عمر ما حملك على ما فعلت ؟ ) أي من الأمر بالرجوع ، والمنع من التبليغ ( قال ) وفي نسخة : فقال ( يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي ) الباء متعلقة بمحذوف قيل : هو اسم تقديره أنت مفدى بأبي ، وقيل فعل ، أي فديتك بأبي ، وحذف هذا المقدر تخفيفا ؛ لكثرة الاستعمال وعلم المخاطب به ( أبعثت أبا هريرة بنعليك ؟ ) والاستفهام للتقرير والتحقيق ( من لقي يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه بشره ) بصيغة الماضي أي من لقيه بشره ( بالجنة ؟ قال : نعم . قال ) أي عمر ( فلا تفعل فإني أخشى أن يتكل الناس عليها ) أي على هذه البشارة الإجمالية ، ويعتمد العامة على هذه الرحمة الجمالية ، ويتركوا القيام بوظائف العبودية التي تقتضي الصفات الربوبية ، وحينئذ ينخرم نظام الدنيا والعقبى حيث أكثرهم يقعون في الملة الإباحية كما [ ص: 114 ] هو مذهب بعض الجهلة من الصوفية ( فخلهم ) من غير البشارة ( يعملون ) حال . فإن العوام إذا بشروا يتركون العمل ، بخلاف الخواص فإنهم إذا بشروا يزيدون في العمل كما تقدم ( فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( فخلهم ) ( رواه مسلم ) كان المناسب لدأبه أن يقول : روى الأحاديث الأربعة مسلم . قال النووي : في الحديث اهتمام الأتباع بحال متبوعهم ، والاعتناء بتحصيل مصالحه ورفع مفاسده ، وفيه جواز دخول الإنسان ملك غيره بغير إذنه إذا علم أنه يرضى بذلك لمودة بينهما أو غيرها ، فإن أبا هريرة دخل الحائط وأقره النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك ، ولم ينقل أنه أنكر عليه ، وهذا غير مختص بدخول الأرض بل له انتفاع بأدواته ، وأكل طعامه ، والحمل من طعامه إلى بيته ، وركوب دابته ، ونحو ذلك من التصرف الذي يعلم أنه لا يشق عليه ، اتفق على ذلك السلف والخلف . قال ابن عبد البر : وأجمعوا أنه لا يتجاوز الطعام ونحوه إلى الدراهم والدنانير وأشباهها ، ولعل هذا إنما يكون في الدراهم الكثيرة التي يشك في رضاه بها ، وفيه جواز قول الرجل للآخر : بأبي أنت وأمي ، سواء كان المفدى به مسلما أو كافرا ، أو حيا أو ميتا .




الخدمات العلمية