الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
436 - وعن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : قالت ميمونة : وضعت للنبي صلى الله عليه وسلم غسلا فسترته بثوب وصب على يديه فغسلهما ، ثم صب بيمينه على شماله ، فغسل فرجه ، فضرب بيده الأرض فمسحها ، ثم غسلها ، فمضمض واستنشق ، وغسل وجهه وذراعيه ، ثم صب على رأسه ، وأفاض على جسده ، ثم تنحى فغسل قدميه فناولته ثوبا فلم يأخذه ، فانطلق وهو ينفض يديه . متفق عليه . ولفظه للبخاري .

التالي السابق


436 - ( وعن ابن عباس ) رضي الله عنهما ( قال : قالت ميمونة ) خالة ابن عباس من أمهات المؤمنين ( وضعت للنبي صلى الله عليه وسلم غسلا ) بضم المعجمة وسكون المهملة وتضم ، وقيل : بكسر الغين وسكون السين . قال بعضهم : الغسل بالضم كالغسول والمغتسل ، وهو الماء الذي يغتسل به كالأكل لما يؤكل به ، والغسل أيضا اسم من غسلت الشيء غسلا بالفتح ، ويجوز في الغسل الذي هو اسم تسكين السين وضمه ، والغسل بالكسر ما يغسل به الرأس من الخطمي وغيره ، فاستعير للماء اهـ .

ورواية الكسر كما زعمه الخلخالي خطأ عند أهل الحديث كما صرح به في تهذيب الأسماء ، ( فسترته بثوب ) : أي : ضربت له سترا يغتسل وراءه لئلا يراه أحد . قال ميرك : الضمير راجع إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، ووقع في رواية البخاري عن ميمونة : سترت النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وهو يغتسل ، فذكرت الحديث . فما قيل من أن الضمير راجع إلى الماء ليس بسديد ، ( وصب ) وفي نسخة : فصب ( على يديه ، فغسلهما ) : أي : إلى رسغيه ، وفي نسخة زيادة جملة : ( ثم صب على يديه فغسلهما ) : قال ميرك : ليست هذه الجملة في البخاري . ( ثم صب بيمينه على شماله ، فغسل فرجه ) : أي : بيساره ( فضرب بيده ) : أي : اليسرى ( الأرض ، ثم مسحها فغسلها ) لإزالة الرائحة الكريهة ، ( فمضمض ) وفي نسخة : فتمضمض ( واستنشق ) : وهما واجبان في الغسل عندنا ، سنتان في الوضوء . ( وغسل وجهه وذراعيه ، ثم صب على رأسه ) : اكتفاء بالغسل المفروض عن المسح المسنون ( وأفاض على جسده ) : أي : يمينا ويسارا ( ثم تنحى ) : أي : تبعد عن المستنقع ( فغسل قدميه ) : أي : إذا كان لم يغسلهما حين توضأ ; لأنه لم يكن على لوح أو حجر أو مكان مرتفع ، ( فناولته ) أي : أعطيته ( ثوبا ) : أي : أردت إعطاءه ; لينشف أعضاءه ، ( فلم يأخذه ) : أي : الثوب ; إما لأنه فضل ، أو لكونه مستعجلا ، أو لأن الوقت كان حرا والبلل مطلوب ، أو لشبهة في الثوب ، ومع هذه الاحتمالات في الحديث لا يصح أن يكون دليلا على سنية ترك التنشيف أو كراهة فعله ، والله أعلم . ( فانطلق ) : أي : ذهب ومشى ( وهو ينفض يديه ) : أي : يحركهما كما هو عادة من له رجولية ، وقيل : ينفضهما لإزالة الماء المستعمل ، وهو منهي عنه في الوضوء والغسل ; لما فيه من إماطة أثر العبادة ، مع أن الماء ما دام على العضو لا يسمى مستعملا ، فالأول أولى ; كذا قاله بعض علمائنا . وقال القاضي : من فوائد حديث ابن عباس أن الأولى تقديم الاستنجاء ، وإن جاز تأخيره ; لأنهما طهارتان تختلفان ، فلا يجب الترتيب بينهما ، واستعمال اليسرى ودلكها على الأرض مبالغة في إنقائها وإزالة ما عبق بها ، والوضوء قبل الغسل اختلف فيه ، فأوجبه داود مطلقا وقوم إذا كان محدثا ، أو كان الفعل مما يوجب الجنابة والحدث ، ومنصوص الشافعي أن الوضوء يدخل في الغسل فيجزئه لهما ، وهو قول مالك .

قلت : وقول أبي حنيفة كذلك ، وفيه دليل الجمهور أن مقتضى الطهرين واحد ، فكفى لهما غسل واحد ، كما في الحيض والجنابة ، وتأخير غسل الرجلين إلى آخر الغسل هو مذهب أبي حنيفة ، وقول للشافعي والمذهب - أي : مذهبه - : أن لا يؤخر لرواية عائشة يعني : لظاهرها ، وإلا فليس فيها تصريح بغسل الرجلين أولا . ومذهب أبي حنيفة ليس على إطلاقه بل على التفصيل الذي ذكرناه ، والتنحي أي التباعد عن مكانه لغسل الرجلين وترك التنشيف ; لأنه عليه الصلاة والسلام لم يأخذه ، وفيه ما تقدم وجواز النفض ، والأولى تركه ; لقوله عليه الصلاة والسلام : ( " إذا توضأتم فلا تنفضوا أيديكم " ) . ومنهم من حمل النفض على تحريك اليدين في المشي ، وهو تأويل بعيد اهـ .

قلت : وإن كان التأويل بعيدا ، فالحمل عليه جمعا بين الحديثين أولى من الحمل على ترك الأولى ( متفق عليه ، ولفظه للبخاري ) .

[ ص: 426 ]



الخدمات العلمية