الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
4618 - وعن أبي موسى - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل ، فذهب وهلي إلى أنها اليمامة أو هجر ، فإذا هي المدينة يثرب . ورأيت في رؤياي هذه : أني هززت سيفا ، فانقطع صدره ، فإذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أحد . ثم هززته أخرى فعاد أحسن ما كان ، فإذا هو ما جاء الله به من الفتح واجتماع المؤمنين " . متفق عليه .

التالي السابق


4618 - ( وعن أبي موسى - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها ) ، أي : في تلك الأرض ( نخل ) ، اسم جنس بمعنى نخيل ! ( فذهب وهلي ) : بسكون الهاء ويفتح أي : وهمي . قال شارح : هو بسكون الهاء يقال : وهلت إليه بالفتح أهل بالكسر وهلا إذا ذهب وهمك إليه وأنت تريد غيره ، والوهل بالتحريك الفزع . وفي القاموس : وهل كفرح ضعف وفزع فهو وهل ككتف وعنه غلط فيه ونسيه ، ووهل إلى الشيء يوهل بفتحهما ، ويهل وهلا إذا ذهب وهمه إليه ، والوهل الفزع ، ولقيته أول وهلة ، ويحرك أو شيء . وقال العسقلاني : قال ابن التين : رويناه بفتح الهاء ، والذي ذكره أهل اللغة سكونها ، وضبطه الجزري بالتحريك بمعنى الوهم ، وأما صاحب النهاية فجزم بالتسكين ، والمعنى : فمال خاطري بأول وهلة . ( إلى أنها اليمامة ) ففي القاموس : أن اليمامة القصد كاليمام وجارية زرقاء كانت تبصر الراكب من مسيرة ثلاثة أيام وبلاد الجو منسوبة إليها ، وسميت باسمها ، وهي أكثر نخيلا من سائر الحجاز وبها تنبأ مسيلمة الكذاب ، وهي دون المدينة في وسط الشرق عن مكة على ست عشرة مرحلة من البصرة ، وعن الكوفة نحوها والنسبة يمامي ( أو هجر ) ، بفتح الهاء والجيم وهو غير منصرف ، وقد ينصرف باعتبار البقعة والمكان والعلمية . ففي القاموس هجر محركة بلد

[ ص: 2923 ] باليمن مذكر مصروف ، وقد يؤنث ويمنع ، واسم لجميع أرض البحرين ، ومنه المثل كبضع تمر إلى هجر ، وقول عمر - رضي الله تعالى عنه : عجبت لتاجر هجر كأنه أراد لكثرة وبائه ، أو لركوب البحر قال : وقرية كانت قرب المدينة ينسب إليها القلال ( فإذا هي ) أي : تلك الأرض ( المدينة ) أي : طيبة السكينة ( يثرب ) . بدل أو عطف بيان .

قال النووي : يثرب اسمها في الجاهلية فسماها الله تعالى المدينة ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - طيبة وطابة ، فقد جاء في الحديث النهي عن تسميتها بيثرب لكراهة لفظ التثريب ، وسماها له في هذا الحديث فقيل : يحتمل أن هذا قبل النهي ، وقيل : إنه لبيان الجواز ، وأن النهي للتنزيه ، وقيل خوطب بها من يعرفها به ، ولهذا جمع بينه وبين اسمها الشرعي . قلت : وهذا هو الأظهر كما يدل عليه عطف البيان فتدبر ، وفي الجامع الصغير ناقلا عن مسند الإمام أحمد بروايته ، عن البراء مرفوعا " من سمى المدينة يثرب ، فليستغفر الله هي طابة هي طابة " . قلت : في تكراره مبالغة للرد على النهي لكونه من شعار اليهود والمنافقين ، حيث قالوا في الأحزاب : " ياأهل يثرب لا مقام لكم فارجعوا " . وفي الحديث دلالة على أن رؤيا الأنبياء عليهم السلام أيضا قد تحتاج إلى تأويل . ( ورأيت في رؤياي هذه : أني هززت ) بالزاءين ، أي : حركت ( سيفا ، فانقطع صدره ) أي : وسط السيف ( فإذا هو ) أي : تأويله ( ما أصيب من المؤمنين ) أي : بعضهم وهم من أوساطهم أو لكون المؤمنين أمة وسطا . قال الطيبي قوله : فإذا هو أصله ، فإذا تأويله فحذف المضاف الذي هو التأويل ، وأقيم المضاف إليه مقامه ، فانقلب الضمير المجرور مرفوعا ( يوم أحد ) . ظرف أصيب ( ثم هززته أخرى فعاد ) أي : السيف حال كونه ( أحسن ما كان ) ، بنزع الخافض ، أي : مما كان ، وما موصولة أو مصدرية ، فالتقدير رجع إلى أحسن أكوانه ( فإذا هو ) أي : تعبيره ( ما جاء الله به من الفتح ) أي : فتح مكة أو صلح الحديبية ; لأنها مفتاح الفتح ، وهو أنسب لعطف قوله : ( واجتماع المؤمنين ) . فإنه وقع حين فتح مكة ، كما أشار إليه سبحانه بقوله : إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا .

قال النووي : وأما تفسيره - صلى الله عليه وسلم - السيف فمطابق لما فسروا أن سيف الرجل أنصاره الذين يصول بهم ، كما يصول بسيفه ، وقد يفسر في غير هذا بالولد أو بالعم أو الأخ أو الزوج . قلت : كل واحد منهم داخل تحت الأنصار . قال : وقد يدل على الولاية والوديعة وعلى لسان الرجل وحجته . قلت : هذه كلها من النصرة المعنوية . قال : وقد يدل على سلطان جائر ، وكل ذلك بحسب القرائن . قلت : وقد يدل على سلطان عادل ; لأن السيف ذو جهتين ، ولذا قال الغزالي : العلم كالسيف يمكن أن يستعان به على الدين وعلى الدنيا ، كما يقتل بالسيف المؤمن والكافر . ( متفق عليه ) .




الخدمات العلمية