الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
4619 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : ( بينا أنا نائم أتيت بخزائن الأرض ، فوضع في كفي سواران من ذهب ، فكبرا علي ، فأوحي إلي أن انفخهما ، نفختهما ، فذهبا ، فأولتهما الكذابين اللذين أنا بينهما : صاحب صنعاء وصاحب اليمامة " . متفق عليه

وفي رواية : " يقال لأحدهما مسيلمة صاحب اليمامة ، والعنسي صاحب صنعاء " لم أجد هذه الرواية في " الصحيحين " ، وذكرها صاحب " الجامع " عن الترمذي .

التالي السابق


4619 - ( وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : بينا أنا نائم أتيت بخزائن الأرض ) ، أي : أتاني ملك بمفاتيح خزائن الأرض . وقال بعض الشراح أي : عرض علي الكنوز وأنواع الأموال ، وقيل : أتي بالخزائن حقيقة إشارة إلى تملكه عليها بفتح البلاد عنوة ودعوة . قال النووي أي : ملكها وفتح بلادها وأخذ خزائن أموالها ، وقد وقع ذلك كله ولله الحمد . ( فوضع في كفي ) بتشديد الفاء والياء المفتوحتين ، وفي نسخة بكسر الفاء وسكون الياء . قال الطيبي : الظاهر التثنية ، ويدل عليه الرواية الأخرى في يداي . قال الشيخ محيي الدين : بتشديد الياء على التثنية . ( سواران ) بكسر السين ، أي : قلبان ( من ذهب ، فكبرا ) بضم الموحدة ، أي : ثقلا ( علي ) ، أي : لكراهة نفسي إليهما ( فأوحي إلي ) بصيغة المجهول ، أي : فألهمني الله في النوم ( أن انفخهما ) ، بضم الفاء وسكون الخاء المعجمة ، وأن : هي مفسرة لما في الوحي من معنى القول ، وعليه كلام القاضي وغيره ، وجوز الطيبي .

[ ص: 2924 ] أن تكون ناصبة ، والجار محذوف ، والنفخ بالخاء المعجمة على ما صححه النووي ، يقال : نفخته ونفخت فيه ( فنفختهما ، فذهبا ، فأولتهما الكذابين اللذين أنا بينهما ) ، يعني : باعتبار المكان ( صاحب صنعاء وصاحب اليمامة ) بنصبهما على البدلية أو بتقدير أعني ، وجوز رفعهما على أنهما خبر مبتدأ محذوف هو هما . قال التوربشتي : نبه بالنفخ على استحقار شأن الكذابين ، وعلى أنهما يمحقان بأدنى ما يصيبهما من بأس الله حتى يصيرا كالشيء الذي ينفخ فيطير في الهواء يجز ، قال :


ألم يخز التفرق آل كسرى ونفخوا في مدائنهم فطاروا

أراد وأنفخوا فخفف ، وفي شرح السنة : من رأى عليه سوارين من ذهب أصابه ضيق في ذات يده ، فإن كان من فضة فهو خير من الذهب ، وليس يصلح للرجال في المنام من الحلي شيء إلا القلادة والتاج والعقد والقرط والخاتم ، وأما النساء فالحلي كله زينة لهن ، والدراهم خير في الجملة من الدنانير ، أي : لأن الفضة بعضها حلال على الرجال بخلاف الذهب . قال القاضي : وجه تأويل السوارين بالكذابين المذكورين - والعلم عند الله تعالى - أن السوار يشبه قيد اليد ، والقيد فيها يمنعها من البطش ويكفها عن الاعتمال والتصرف على ما ينبني ، فيشابه من يقوم بمعارضته ، ويأخذ بيده فيصده عن أمره ، وصنعاء بلدة باليمن وصاحبها الأسود العنسي تنبأ بها في آخر عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقتله فيروز الديلمي في مرض وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقال صلوات الله عليه وسلامه : فاز فيروز ، واليمامة تقدمت ، وصاحبها مسيلمة قتله الوحشي قاتل حمزة في خلافة الصديق - رضي الله عنه - اهـ . وقيل لما قتله وحشي قال : قتلت خير الناس في الجاهلية وشر الناس في الإسلام .

( وفي رواية ) أي : للترمذي ( يقال أحدهما مسيلمة صاحب اليمامة ، والعنسي ) أي : وثانيهما الأسود العنسي ( صاحب صنعاء ) وفي القاموس : عنس لقب زيد بن مالك بن داود أبو قبيلة من اليمن اهـ . هكذا ذكره صاحب المصابيح بإطلاق رواية وهي موهمة أنها من رواية الشيخين ، أو أحدهما . والحال أنها ليست كذلك ، ولذا قال المصنف معترضا عليه : ( لم أجد هذه الرواية في الصحيحين ، وذكرها صاحب الجامع ) أي : جامع الأصول ( عن الترمذي ) وقد تقدم الاعتذار عن هذا الاعتراض بأن التزامه في الصحاح أن يكون حديث الشيخين ، أو أحدهما ، إنما هو في أصول الباب لا فيما يعتضد به من رواية الكتاب ، والله أعلم بالصواب .




الخدمات العلمية