الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
4760 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " لا يقولن أحدكم عبدي وأمتي ، كلكم عبيد الله ، وكل نسائكم إماء الله " . ولكن ليقل غلامي وجاريتي ، وفتاي وفتاتي . ولا يقل العبد : ربي ، ولكن يقل : سيدي " . وفي رواية : " ليقل : سيدي ومولاي " . وفي رواية : " لا يقل العبد لسيده : مولاي ، فإن مولاكم الله " . رواه مسلم .

التالي السابق


4760 - ( وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يقولن أحدكم عبدي " ) أي : يا عبدي أو عبدي فلان ؛ دفعا لتوهم الشركة في العبودية أو في حقيقة العبدية وكذا قوله : ( وأمتي ) في الإعراب ، والمعنى : فإن الأمة هي المملوكة على ما في القاموس ولا ملك في الحقيقة إلا له سبحانه وتعالى ( كلكم ) : استئناف تعليل ، والمعنى : كل رجالكم ( عبيد الله ) بقرينة المقابلة بقوله : ( وكل نسائكم إماء الله ) . ويحتمل أن

[ ص: 3001 ] يكون الأول عاما على وجه التغليب ، والثاني تخصيصا بعد تعميم ، ويؤيد التوجيه السابق قوله تعالى : وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم ، ( ولكن ليقل غلامي وجاريتي ) أي : بدلا عن عبدي وأمتي وكذا قوله : ( وفتاي و فتاتي ) . فالواو بمعنى " أو " وهما بمعنى الشاب أو الشابة بناء على الغالب في الخدم ، أو القوي والقوية ولو باعتبار ما كان ( ولا يقل العبد : ربي ) أي : بالنداء أو الإخبار ؛ لأن الإنسان مربوب متعبد بإخلاص التوحيد ، فكره المضاهاة بالاسم لئلا يدخل في معنى الشرك إذ العبد والحر فيه بمنزلة واحدة . ( ولكن ليقل : سيدي ) ؛ لأن مرجع السيادة إلى معنى الرياسة وحسن التدبير في المعيشة ، ولذلك يسمى الزوج سيدا . ( وفي رواية : ليقل سيدي ) أي : تارة ( ومولاي ) أي : أخرى ، لكن بمعنى متصرف . ( وفي رواية : لا يقل العبد لسيده مولاي ) . أي : بمعنى الناصر والمعين ، فلا ينافي ما سبق ؛ ولذا يطلق المولى على المعتق والمعتق ، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم : " مولى القوم من أنفسهم " . على ما رواه البخاري عن أنس ، " مولى الرجل أخوه وابن عمه " على ما رواه الطبراني ، عن سهل بن حنيف ، والحاصل أن المولى له معان متعددة منها : ما يختص به سبحانه ، فلا يجوز استعماله في حق غيره تعالى ، وهو نعم المولى ؛ ولذا قال : ( فإن مولاكم الله ) أي : المختص بهذا المعنى الخاص ؛ ولذا قيل في كراهة هذه الأسماء هو أن يقول ذلك على طريق التطاول على الرقيق والتحقير لشأنه ، وإلا فقد جاء به القرآن . قال الله تعالى : والصالحين من عبادكم وإمائكم ، وقال : عبدا مملوكا لا يقدر على شيء ، وقال : اذكرني عند ربك ، وقال : وألفيا سيدها لدى الباب ، ومعنى هذا راجع إلى البراءة من الكبر والتزام الذل والخضوع ، فلم يحسن لأحد أن يقول : فلان عبدي ، بل يقول : فتاي ، وإن كان قد ملك فتاه ابتلاء وامتحانا من الله بخلقه ، كما قال تعالى : وجعلنا بعضكم لبعض فتنة ، على هذا امتحان الله تعالى لأنبيائه وأوليائه ابتلي يوسف عليه السلام بالرق ، كذا في شرح السنة ، وفي شرح مسلم للنووي قالوا : إنما يكره للمملوك أن يقول لمالكه : ربي ؛ لأن فيه إيهام المشاركة لله تعالى ، وأما حديث : حتى يلقاها ربها في الضالة فإنما استعمل ؛ لأنها غير مكلفة فهي كالدار والمال ، لا كراهة أن يقول رب المال والدار ، وأما قول يوسف عليه السلام : اذكرني عند ربك ، و إنه ربي أحسن مثواي ، ففيه جوابان أحدهما : أنه خاطبه بما يعرفه وجاز ذلك للضرورة ، وثانيهما : أن هذا منسوخ في شرعنا اهـ .

والأظهر في الجواب عن قوله : إنه ربي أحسن مثواي ، أن الضمير لله تعالى أي : إنه خالقي . أحسن منزلتي ومأواي بأن عطف علي القلوب فلا أعصيه ، وعن قوله : اذكرني عند ربك أي : اذكر حالتي عند الملك كي يخلصني فأنساه الشيطان ذكر ربه ، أي : أنسى يوسف ذكر الله حتى استعان بغيره ، ويؤيده قوله عليه السلام : " رحم الله أخي يوسف لو لم يقل اذكرني عند ربك لما لبث في السجن سبعا بعد الخمس " كذا في تفسير البيضاوي ، وقال أبو سعيد القرشي : لما قال لصاحب السجن : اذكرني عند ربك ، نزل جبريل عليه السلام فقال : الله يقرئك السلام ويقول : من حببك إلى أبيك من بين إخوتك ؟ ومن قيض لك السيارة لتخليصك ، ومن طرح في قلب من اشتراك من مودتك حتى قال : أكرمي مثواه ، ومن صرف عنك وبال المعصية ؟ قال : الله تعالى قال : فإنه يقول : أنا الذي حفظتك في هذه المواضع ، أخشيت أن أنساك في السجن حتى استعنت بغيري ؟ وقلت : اذكرني عند ربك ، أما كان ربك أقرب منك وأقدر على خلاصك من رب صاحب السجن ؟ لتلبثن فيه بضع سنين . قال يوسف : وربي عني براض ؟ قال : نعم . قال : لا أبالي ولو إلى الساعة ، كذا في حقائق السلمي . ( رواه مسلم ) .

[ ص: 3002 ]



الخدمات العلمية