الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5007 - وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : " أن رجلا زار أخا له في قرية أخرى ، فأرصد الله له على مدرجته ملكا قال أين تريد ؟ قال : أريد أخا لي في هذه القرية . قال : هل لك عليه من نعمة تربها ؟ قال : لا غير أني أحببته في الله ، قال : فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه " . رواه مسلم .

التالي السابق


5007 - ( وعنه ) أي : عن أبي هريرة ( عن النبي صلى الله عليه وسلم : أن رجلا زار أخا له ) أي : أراد زيارة أخيه المسلم أو متواخيه في الله وهو أعم من أن يكون أخاه حقيقة أو مجازا ( في قرية أخرى ) أي : غير مكان الزائر ( فأرصد الله له على مدرجته ) أي : أعد وهيأ أو أقعد في طريقه ( ملكا ) : وفي النهاية أي : وكله بحفظ مدرجته يقال : رصدته إذ قعدت له على طريقه تترقبه اهـ . فقوله تعالى : إن ربك لبالمرصاد فيه تجريد ، والمعنى أنه مراقب للعباد ، قال : المدرجة بفتح الميم والراء هي الطريق سمي بذلك ; لأن الناس يدرجون عليها أي : يمضون ويمشون اهـ . والأظهر أن المدرجة من الطريق مكان مرتفع يمشي فيه درجة درجة في الطلوع والنزول ، ومنه مدرجة منى التي هي وصلة إلى منى يعرفها من ذهب في طريق المعرفة إلى عرفات الهنا من هنا . ( قال ) : استئناف جواب لمن قال وما بعد ذلك قال أي : الملك للزائر . ( أين تريد ؟ ) : الظاهر أن هذا من باب تجاهل العارف مع ما فيه من النورية حيث إن مقصوده الأصلي من تريد ، ولما كان من القواعد المقررة أن من أحب شيئا أكثر ذكره والإناء يترشح بما فيه . ( قال ) : أي : الزائر ( أريد أخا ) أي : زيارة أخ ( لي ) أي : مختصا لي ( في هذه القرية ) : ولعل تعيينها علم بالإشارة . وأطنب في الكلام ; ليتضمن المرام على نوع من أسلوب الحكيم ، فكأنه قال له : لا تسأل عن المحل واكتف بالسؤال عن الحال ، فإن هذا طريق أرباب الحال بلا محال .

قال الطيبي ، فإن قلت : كيف طابق هذا سؤاله بقوله أين تريد ؟ قلت : من حيث إن السؤال متضمن لقوله أين تتوجه ومن تقصد ، ولما كان قصده الأولى الزيارة ذكره وترك ما لا يهمه . قلت : هذا إنما يتم لو لم يقل في هذه القرية ونظيره قوله : " وما أعجلك عن قومك ياموسى قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى " لما كان الغرض من السؤال في استعجاله إنكار تركه القوم وراءه وتقدمه عليهم قدمه في الجواب ، وأخر ما وقع السؤال عنه . قلت : في كونه نظيرا له نظر ، بل مثال له بحسب المعنى ، وتوضيحه ما ذكره البيضاوي من أن قوله تعالى : ( وما أعجلك عن قومك ياموسى ) سؤال عن سبب العجلة يتضمن إنكارها من حيث إنها نقيصة في نفسها انضم إليها إغفال القوم وإبهام التعظيم عليهم ، فلذلك أجاب موسى عن الأمرين ، وقدم جواب الإنكار ; لأنه أهم ( قال هم أولاء على أثري ) أي : ما تقدم عنهم إلا بخطا يسيرة لا يعتد بها عادة ، وليس بيني وبينهم إلا مسافة قريبة يتقدم بها الرفقة بعضهم بعضا ( وعجلت إليك رب لترضى ) ، فإن المسارعة إلى امتثال أمرك والوفاء بوعدك يوجب مرضاتك اهـ .

[ ص: 3135 ] ( قال ) أي : الملك للزائر ( هل لك عليه ) أي : على المزور ( من نعمة تربها ؟ ) : بضم الراء والموحدة المشددة أي : تقوم بإصلاحها وإتمامها أي : هل هو مملوكك أو ولدك أو غيرهما ممن هو في نفقتك وشفقتك ; لتحسن إليه من رب فلان الضيعة أي : أصلحها وأتمها . وفي بعض النسخ : هل له عليك من نعمة تربها أي : تقوم لشكرها ؟ ثم قيل : نعمة : مبتدأ ، ومن زائدة ، ولك خبره ، وعليه ، متعلق بحال محذوف أي : هل لك نعمة داعية على زيارته تربها أي : تحفظها وتتزيدها بالقيام على شكرها ؟ وقال الطيبي أي : هل أوجبت عليه شيئا من النعم الدنيوية تذهب إليها فتربها أي : تملكها منه وتستوفيها ؟ ( قال : لا غير أني أحببته في الله ) أي : ليس لي داعية إلى زيارته إلا محبتي إياه في طلب مرضاة الله ( قال ) أي : الملك ( فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه ) : ولعل وجه التشبيه أنه كما أحبه من غير سبب دنيوي ، كذلك الحق أحبه من غير باعث آخر من عمل أخروي ، ويمكن أن تكون الكاف للتعليل ، كقوله تعالى : واذكروه كما هداكم قال النووي : فيه فضل المحبة في الله ، وأنها سبب لحب الله وفضيلة زيارة الصالحين ، وأن الإنسان قد يرى الملائكة . قلت : رؤية غير الأنبياء والرسل من المؤمنين للملائكة على صور البشر أمر واضح ثبت في صدر الكتاب في حديث جبريل وغيره ، وإنما يقال هنا فيه دليل على إرسال الله الملائكة إلى الأولياء ، ومخاطبته إياهم بتبليغ المرام زيادة على مرتبة الإلهام ، والظاهر أن هذا من خصائص الأمم السابقة تحقيقا لختم النبوة ، والله سبحانه أعلم . ( رواه مسلم ) .




الخدمات العلمية