الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
5012 - وعن عمر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن من عباد الله لأناسا ما هم بأنبياء ولا شهداء ، يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيام بمكانهم من الله " قالوا : يا رسول الله ! تخبرنا من هم ؟ قال : " هم قوم تحابوا بروح الله ، على غير أرحام بينهم ، ولا أموال يتعاطونها ، فوالله إن وجوههم لنور ، وإنهم لعلى نور ، لا يخافون إذا خاف الناس ، ولا يحزنون إذا حزن الناس " وقرأ الآية : ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون . رواه أبو داود .

التالي السابق


5012 - ( وعن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن من عباد الله ) أي : الكاملين في الإيمان العاملين بالإحسان ( لأناسا ) أي : جماعة عظيمة من الأولياء ( ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء ) أي : ممن فاتهم التزاور ، وإلا فالتحابب والتجالس لله بين كل نبي وأمته حاصل بلا شبهة ، اللهم إلا أن يراد بالتحابب ونحوه وجود الفعل بين المتماثلين ( والشهداء ) أي : ممن فاتهم المجالسة ونحوها ( يوم القيامة بمكانهم ) أي : بمنزلة الأولياء المتحابين ومكانتهم ومرتبتهم الزائدة على غير ( من الله ) . أي : من قربه سبحانه ( قالوا : يا رسول الله ! تخبرنا ) : بهمزة مقدرة وهو أقرب إلى الأدب أو خبر معناه الأمر بمعنى الالتماس ، أي : أخبرنا ( من هم ؟ قال : هم قوم تحابوا ) : اقتصر عليه لأن ما سبق من التجالس والتزاور والتبادل فرع التحابب ، والمعنى تحابب بعضهم بعضا ( بروح الله ) ، بضم الراء وهو ما يحيا به الخلق ، ويكون حياة لهم ، وفي بعض النسخ بفتحها ، ففي النهاية : الروح بفتح الراء نسيم الريح ، فالمعنى أنه بإذن الله أو بنفخة من نفخاته ، ومنه ما روي أي : لأجد نفس الرحمن من قبل اليمين ، وإن لله في أيام دهركم نفحات ، ألا فتعرضوا لها ، ففيه إيماء إلى أن هذه النعمة لم تحصل لكل أحد ، ولا توجد في كل وقت ; لأنها تتوقف على جذبة من جذبات الحق توازي عمل الثقلين ، والتحابب سبب التجاذب ، وأما رواية الضم فقال القاضي : الروح بضم الراء ، قيل أراد به هنا القرآن لقوله تعالى : وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا سمي بذلك لأنه يحيا به القلب ، كما يحيا بالروح البدن ، والمعنى أنهم يتحابون بداعية الإسلام ومتابعة القرآن ، وما حثهم عليه من موالاة المسلمين ومصادقتهم اهـ .

وخلاصته أن النسب الداعي إلى تحاببهم هو الوحي المنزل الهادي إلى سواء السبيل لا شيء آخر من الأغراض ، وقيل : المراد من الروح المحبة ; فإنه يقال : أنت روحي أي : محبوبي كالروح أي : تحابوا بما ألقى الله في قلوبهم من المحبة الخالصة لله عز وجل ، أما قول الطيبي . ومنه قوله تعالى : فأرسلنا إليها روحنا فبعيد جدا إذ المراد به جبريل باتفاق المفسرين ، وسمي روحا ; لأن الدين يحيا به ووحيه .

[ ص: 3139 ] ( على غير أرحام ) أي : حال كون تحاببهم على غير أرحام ( بينهم ) أي : بغير نسب صوري ، بل لأجل قرب معنوي ( ولا أموال ) أي : ولا اشتراك أموال ( يتعاطونها ) ، أي : بالمعاملة أو المجاملة ، ولما كانت الأغراض الفاسدة في المحبة منحصرة في أنها إما أن تكون للقرابة على ما هو مركوز في الطبائع ، أو للمال من حيث إنه مطمح الأطماع اقتصر عليهما ، والمقصود تحسين النية تزيين الطوية ( فوالله إن وجوههم لنور ) أي : منورة أو ذات نور ، أو هي نفس النور مبالغة كرجل عدل ( وإنهم لعلى نور ) أي : على منابر من نور كما جاء في حديث آخر . قال القاضي : وهو تمثيل لمنزلتهم ، ومحلهم مثلها بما هو أعلى ما يجلس عليه في المجالس والمحافل على أعز الأوضاع وأشرفها ، من جنس ما هو أبهى وأحسن ما يشاهد ، ليدل على أن رتبتهم في الغاية القصوى من العلاء والشرف والبهاء اهـ . وعبر عنها بالنور مبالغة ، فهم نور على نور في غاية من الظهور ، ولهم سرور على سرور . ( لا يخافون إذا خاف الناس ، ولا يحزنون إذا حزن الناس ) بكسر الزاي ( وقرأ ) أي : النبي - صلى الله عليه وسلم - استشهادا للفقرة الأخيرة من الحديث ، أو قرأ الصحابي اعتضادا ( هذه الآية : ألا ) : للتنبيه ( إن أولياء الله ) أي : المتقون الأعم من المتحابين ( لا خوف عليهم ) أي : يوم القيامة من لحوق عقاب ( ولا هم يحزنون ) : من فوت ثواب . ( رواه أبو داود ) أي : عن عمر بلفظ المشكاة .




الخدمات العلمية