الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        صفحة جزء
                                        . 65 - الحديث الثالث : عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال { إن بلالا يؤذن بليل ، فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم } .

                                        التالي السابق


                                        في الحديث دليل على جواز اتخاذ مؤذنين في المسجد الواحد . وقد استحبه أصحاب الشافعي . وأما الاقتصار على مؤذن واحد . فغير مكروه . وفرق بين أن يكون الفعل مستحبا ، وبين أن يكون تركه مكروها ، كما تقدم . أما الزيادة على مؤذنين : فليس في الحديث تعرض له . ونقل عن بعض أصحاب الشافعي أنه تكره الزيادة على أربعة . وهو ضعيف .

                                        وفيه دليل على أنه إذا تعدد المؤذن فالمستحب أن يترتبوا واحدا بعد واحد إذا اتسع الوقت لذلك ، كما في أذان بلال وابن أم مكتوم رضي الله عنهما ، فإنهما وقعا مترتبين ; لكن في صلاة يتسع وقت أدائها ، كصلاة الفجر . وأما في صلاة المغرب : فلم ينقل فيها مؤذنان . والفقهاء من أصحاب الشافعي قالوا : يتخيرون بين أن يؤذن كل واحد منهم في زاوية من زوايا المسجد ، وبين أن يجتمعوا ويؤذنوا دفعة واحدة .



                                        وفي الحديث دليل على جواز الأذان للصبح قبل دخول وقتها . ذهب إليه مالك والشافعي . والمنقول عن أبي حنيفة خلافه ; قياسا على سائر الصلوات .

                                        والذين قالوا بجواز الأذان للصبح قبل دخول وقتها اختلفوا في وقته ، وذكر بعض أصحاب الشافعي : أنه يكون في وقت السحر بين الفجر الصادق والكاذب ، قال : ويكره التقديم على ذلك الوقت . وقد يؤخذ من الحديث ما يقرب هذا . وهو [ ص: 210 ] أن قوله صلى الله عليه وسلم " إن بلالا يؤذن بليل " إخبار يتعلق به فائدة للسامعين قطعا . وذلك بأن يكون وقت الأذان مشتبها ، محتملا لأن يكون وقت طلوع الفجر . فبين أن ذلك لا يمنع الأكل والشرب إلا عند طلوع الفجر الصادق وذلك يدل على تقارب وقت أذان بلال من الفجر .



                                        وفي الحديث دليل على جواز أن يكون المؤذن أعمى . فإن ابن أم مكتوم كان أعمى . وفيه دليل على جواز تقليد الأعمى للبصير في الوقت ، أو جواز اجتهاده فيه . فإن ابن أم مكتوم لا بد له من طريق يرجع إليه في طلوع الفجر ، وذلك إما سماع من بصير ، أو اجتهاد وقد جاء في الحديث { وكان لا يؤذن حتى يقال له : أصبحت أصبحت } وهذا يدل على رجوعه إلى البصير ، ولو لم يرد ذلك لم يكن في اللفظ دليل على جواز رجوعه إلى الاجتهاد بعينه ; لأن الدال على أحد الأمرين مبهما لا يدل على واحد منهما معينا .

                                        واسم ابن أم مكتوم فيما قيل عمرو بن قيس ، والله أعلم .




                                        الخدمات العلمية