الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                        معلومات الكتاب

                                        إحكام الإحكام شرح عمدة الأحكام

                                        ابن دقيق العيد - محمد بن علي بن وهب بن مطيع

                                        صفحة جزء
                                        122 - الحديث الثالث : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو : اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ، وعذاب النار ، ومن فتنة المحيا والممات ، ومن فتنة المسيح الدجال وفي لفظ لمسلم إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع ، يقول : اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم } .

                                        التالي السابق


                                        - ثم ذكر نحوه " في الحديث إثبات عذاب القبر . وهو متكرر مستفيض في الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . والإيمان به واجب . و " فتنة المحيا " ما يتعرض له الإنسان مدة حياته ، من الافتتان بالدنيا والشهوات والجهالات ، وأشدها وأعظمها - والعياذ بالله تعالى : أمر الخاتمة عند الموت ، و " فتنة الممات " يجوز أن يراد بها الفتنة عند الموت . أضيفت إلى الموت لقربها منه . وتكون فتنة المحيا - على هذا - ما يقع قبل ذلك في مدة حياة الإنسان وتصرفه في الدنيا فإن ما قارب شيئا يعطى حكمه . فحالة الموت تشبه بالموت ، ولا تعد من الدنيا . ويجوز أن يكون المراد بفتنة الممات : فتنة القبر ، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في فتنة القبر " كمثل - أو أعظم - من فتنة الدجال " ولا يكون على هذا متكررا مع قوله " من عذاب القبر " لأن العذاب مرتب على الفتنة : والسبب غير المسبب ، ولا يقال : إن المقصود زوال عذاب القبر لأن الفتنة نفسها أمر عظيم وهو شديد يستعاذ بالله من شره . والحديث الذي ذكره عن مسلم فيه زيادة كون الدعوات مأمورا بها بعد التشهد ، وقد ظهرت العناية بالدعاء بهذه الأمور ، حيث أمرنا بها في كل صلاة . [ ص: 314 ] وهي حقيقة بذلك ، لعظم الأمر فيها ، وشدة البلاء في وقوعها ، ولأن أكثرها - أو كلها - أمور إيمانية غيبية . فتكررها على الأنفس يجعلها ملكة لها . وفي لفظ مسلم أيضا فائدة أخرى .



                                        وهي : تعليم الاستعاذة ، وصيغتها فإنه قد كان يمكن التعبير عنها بغير هذا اللفظ ، ولو عبر بغيره لحصل المقصود وامتثل الأمر . ولكن الأولى قول ما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم . وقد ذهب الظاهرية إلى وجوب هذا الدعاء في هذا المحل . وليعلم أن قوله عليه السلام " إذا تشهد أحدكم فليستعذ " عام في التشهد الأول والأخير معا : وقد اشتهر بين الفقهاء استحباب التخفيف في التشهد الأول . وعدم استحباب الدعاء بعده ، حتى تسامح بعضهم في الصلاة على الآل فيه . ( ومن يكون إذا ورد تخصيصه بالأخير متمسكا لهم ، من باب حمل المطلق على المقيد ، أو من باب حمل العام على الخاص . وفيه بحث أشرنا إليه فيما تقدم ) والعموم الذي ذكرنا يقتضي الطلب بهذا الدعاء . فمن خصه فلا بد له من دليل راجح . وإن كان نصا فلا بد من صحته . والله أعلم .




                                        الخدمات العلمية