الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ذكر المسلسلات الناقصة ] ثم تارة يكون التسلسل من الابتداء إلى الانتهاء ، وهو الأكثر . (

ومنه ذو نقص بقطع السلسله

) ; إما في أوله أو وسطه أو آخره . وله [ ص: 43 ] أمثلة ( كـ ) حديث عبد الله بن عمرو بن العاص : ( الراحمون يرحمهم الرحمن ) المسلسل بـ ( أولية ) وقعت لجل رواته ; حيث كان أول حديث سمعه كل واحد منهم من شيخه ; فإنه إنما يصح التسلسل فيه إلى ابن عيينة خاصة ، وانقطع فيمن فوقه على المعتمد .

( وبعض ) من الرواة قد ( وصله ) إلى آخره ; إما غلطا كما أشار إليه ابن الصلاح ; حيث أورد الحديث في بعض تخاريجه متصل السلسلة ، وقال عقبه : إنه غريب جدا ، وفي موضع آخر : إنه منكر . وأبو طاهر ، يعني : ابن محمش ، راويه فمن فوقه لا مطعن فيهم ، ومع ذلك فأحسب أو أبت أن هذا سهو أو خطأ صدر من بعضهم عن قلة معرفة بهذه الصناعة ، فليس يصح تسلسله بكماله من وجه ما . وإما كذبا ; كأبي المظفر محمد بن علي الطبري الشيباني ; حيث وصله ، وتواقح فأرخ سماع ابن عيينة له من عمرو في سنة ثلاثين ومائة . وافتضح ; فإن عمرا مات قبل ذلك إجماعا ، وأرخ سماع عمرو أيضا له من أبي قابوس سنة ثمانين ، ولم يتابع على ذلك ، ولا على أشياء انفرد بها فيه غير ذلك ، بحيث جزم غير واحد من الحفاظ باتهامه به ، لا سيما وقد رواه ابن عساكر وغيره عن [ ص: 44 ] شيخه فيه بدون ما أتى به ، بل كالناس . وقد سلسله بعضهم إلى الصحابي فقط ، وبعضهم إلى التابعي فقط . وكل ذلك باطل وقع عمدا من راويه أو سهوا ، كما بينته واضحا في أول المتبائنات التي أفردتها من حديثي .

وقد جمع طرق هذا الحديث الحافظ الذهبي في جزء سمعناه ، سماه ( العذب السلسل في الحديث المسلسل ) ، وكذا التقي السبكي ، ومن قبلهما ابن الصلاح ومنصور بن سليم وأبو القاسم السمرقندي فآخرون .

ومن المسلسلات الناقصة ما اجتمع في روايته ثمانية في نسق اسمهم زيد ، أو سبعة أو ستة من التابعين ، أو ست فواطم ، أو خمسة كنيتهم أبو القاسم ، أو أبو بكر ، أو اسمهم محمد بن عبد الواحد أو أحمد أو خلف ، أو صحابة ، أو أربعة اسمهم إبراهيم أو إسماعيل أو علي أو سليمان ، أو صحابيات ، أو إخوة من التابعين ، أو حنفيون ، أو ثلاثة من الأئمة المتبوعين ، أو اسمهم أبان أو أسامة أو إسحاق أو خالد أو عمران أو خولان ، أو اثنان كل منهما اسمه الحسن بن أحمد بن الحسن بن أحمد ، أو اسمه نصر بن علي أو عثام بن علي ، في أشباه لذلك ، كأن يتوالى في رواته بصريون أو مدنيون أو مغربيون أو مالكيون أو حنبليون أو ظاهريون أو عدة نسوة ; كما وقع في أبي داود من حديث مسلم بن إبراهيم ، عن غيطة ابنة عمرو أم عمرو المجاشية ، عن عمتها أم الحسن ، عن جدتها ، عن عائشة ، أن هند ابنة عتبة قالت : ( يا نبي الله ، بايعني ) الحديث .

أو المزكوم ، عن الزمن ، عن المفلوج ، عن الأثرم ، عن الأحدب ، عن الأصم ، عن الضرير ، عن الأعمش ، [ ص: 45 ] عن الأعور ، عن الأعرج ، عن الأعمى ; كما أورده بخصوصه ابن ناصر الدين والكتاني . وفي نزهة الحفاظ لأبي موسى المديني مما أشرت إليه وأشباهه الكثير ، ولكن جل الغرض هنا إنما هو فيما تسلسل من ابتدائه إلى انتهائه .

وقد اعتنى التاج السبكي في طبقات الشافعية له بإيراد ما لعله يقع له من حديث المترجمين بأسانيده ، وربما يتوالى عنده من ذلك عدة فقهاء . وكذا الصلاح الأقفهسي في مطلق الفقهاء ، وأتى من ذلك بما هو مؤذن بكثرة اطلاعه وسعة روايته ، ولكنه مات قبل تهذيبه وتبييضه . بل أفرد بعض المتأخرين من المسلسلات الناقصة ما اشترك جماعة من رجال سنده في فقه أو بلد أو إقليم أو غيرها بنوع سوى ما يشبهه من توالي عدة من الصحابة أو التابعين مما أفرده أيضا بنوعين ، كما سأذكره في الأقران إن شاء الله ، وكأن من فائدته معرفة مخرج الحديث ، وتعيين ما لعله يقع من الرواة مهملا ، وفي الفقهاء بخصوصهم الترجيح له على ما عارضه من ليس سنده متصفا بذلك . وشيخنا منه ما توالى فيه راويان فأكثر ، اشتركوا في التسمية ، ومثل له بعمران ثلاثة : الأول : القصير ، والثاني : أبو رجاء العطاردي ، والثالث : ابن حصين الصحابي . وبسليمان ثلاثة أيضا : الأول : ابن أحمد الطبراني ، والثاني : ابن أحمد الواسطي ، والثالث : ابن عبد الرحمن الدمشقي المعروف بابن بنت شرحبيل .

وفائدته : دفع توهم الغلط حيث وقع إهمالهم أو بعضهم . وقد يكون بين متفقي الاسم واسطة ; كالبخاري وعبد ، روى كل منهما عن مسلم ، وعن كل [ ص: 46 ] منهما مسلم ، فشيخهما مسلم بن إبراهيم الفراهيدي البصري ، والراوي عنهما مسلم بن الحجاج القشيري صاحب ( الصحيح ) . ويحيى بن أبي كثير روى عن هشام ، وعنه هشام ، فالأول ابن عروة وهو من أقرانه ، والتلميذ ابن أبي عبد الله الدستوائي . وابن جريج عن هشام ، وعنه هشام ، فالأعلى ابن عروة ، والأدنى ابن يوسف الصنعاني . والحكم بن عتيبة عن ابن أبي ليلى ، وعنه ابن أبي ليلى ، فالأعلى عبد الرحمن ، والأدنى محمد بن عبد الرحمن المذكور في أمثلة كثيرة . وفائدته رفع اللبس عمن يظن أن فيه تكرارا أو انقلابا .

ولذا أفرده شيخنا ، بل أفرد من اتفق اسمه واسم أبيه وجده ; كالحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، قال : وقد يقع أكثر من ذلك ، وهو من فروع المسلسل .

قال : وقد يتفق الاسم واسم الأب فصاعدا مع الاسم واسم الأب ; كأبي اليمن الكندي ، هو زيد بن الحسن بن زيد بن الحسن بن زيد بن الحسن . قال : ويتأكد الاشتباه إذا كان كل من الحفيد والجد له رواية ; كنصر بن علي بن نصر بن علي بن صهبان الجهضمي شيخ الأئمة الستة ، فجده أيضا ممن أخرج له أصحاب السنن الأربعة ، ويقال للحفيد : الجهضمي الصغير ، وله هو : الجهضمي الكبير . ومنه عثام بن علي بن عثام بن علي ، كما سيأتي في المؤتلف .

قال : وقد يقع - أي : الاتفاق - بين الراوي وشيخه في الاسم أو اسم الأب ، يعني وكذا الجد وجد الأب ; كأبي العلاء الهمذاني العطار ، مشهور بالرواية عن أبي علي الأصبهاني الحداد ، وكل منهما اسمه الحسن بن أحمد بن الحسن بن أحمد ، فاتفقا في ذلك ، وافترقا في الكنية والنسبة إلى البلد والصناعة . فاجتمع مما أوردته عدة أنواع لم يذكرها ابن الصلاح ، ولا أكثر أتباعه .

التالي السابق


الخدمات العلمية