الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
بل ذكر الحافظ أبو طاهر السلفي اتفاق علماء المشرق والمغرب على صحة الكتب الخمسة ( فقد أتى تساهلا صريحا ) ; لأن فيها ما صرحوا بكونه ضعيفا أو منكرا ، أو نحو ذلك من أوصاف الضعيف ، قال ابن الصلاح : وقد صرح أبو داود فيما قدمناه بانقسام ما في كتابه إلى صحيح وغيره ، والترمذي مصرح فيما في كتابه بالتمييز بين الصحيح والحسن .

وأما حمل ابن سيد الناس في شرحه للترمذي قول السلفي على ما لم يقع التصريح فيه من مخرجها وغيره بالضعف - فيقتضي كما قال الشارح في الكبير - أن ما كان في الكتب الخمسة مسكوتا عنه ، ولم يصرح بضعفه أن يكون صحيحا ، وليس هذا الإطلاق صحيحا ، بل في كتب السنن أحاديث لم يتكلم فيها الترمذي أو أبو داود ، ولم نجد لغيرهم فيها كلاما ، ومع ذلك فهي ضعيفة .

وأحسن من هذا قول النووي : مراد السلفي : أن معظم الكتب الثلاثة يحتج به ، أي : صالح لأن يحتج به ; لئلا يرد على إطلاق عبارته المنسوخ أو المرجوح عند المعارضة .

ويجوز أن يقال : إنه لم يعتبر الضعيف الذي فيها ; لقلته بالنسبة إلى النوعين .

وبالجملة فكتاب النسائي أقلها بعد الصحيحين حديثا ضعيفا ; ولذلك قال ابن رشيد : إنه أبدع الكتب المصنفة في السنن تصنيفا ، وأحسنها ترصيفا ، وهو جامع بين طريقتي البخاري ومسلم ، مع حظ كبير من بيان العلل .

[ ص: 115 ] بل قال بعض المكيين من شيوخ ابن الأحمر : إنه أشرف المصنفات كلها ، وما وضع في الإسلام مثله . انتهى .

ويقاربه كتاب أبي داود ، بل قال الخطابي : إنه لم يصنف في علم الدين مثله ، وهو أحسن وصفا ، وأكثر فقها من الصحيحين .

ويقاربه كتاب الترمذي ، بل كان أبو إسماعيل الهروي قال : هو عندي أنفع من كتابي البخاري ومسلم ; لأنهما لا يقف على الفائدة منها إلا المتبحر العالم ، وهو يصل إلى الفائدة منه كل أحد من الناس .

فأما كتاب ابن ماجه فإنه تفرد بأحاديث عن رجال متهمين بالكذب وسرقة الأحاديث ، مما حكم عليها بالبطلان أو السقوط أو النكارة ، حتى كان العلائي يقول : ينبغي أن يكون كتاب الدارمي سادسا للخمسة بدله ، فإنه قليل الرجال الضعفاء ، نادر الأحاديث المنكرة والشاذة ، وإن كانت فيه مرسلة وموقوفة ، فهو مع ذلك أولى منه .

على أن بعض العلماء كرزين السرقسطي وتبعه المجد بن الأثير في جامع الأصول وكذا غيره جعلوا السادس الموطأ .

ولكن أول من أضاف ابن ماجه إلى خمسة أبو الفضل بن طاهر ; حيث أدرجه معها في الأطراف ، وكذا في شروط الأئمة الستة ، ثم الحافظ عبد الغني في كتاب ( الكمال في أسماء الرجال ) الذي هذبه الحافظ المزي ، وقدموه على الموطأ ; لكثرة زوائده على الخمسة ، بخلاف [ ص: 116 ] الموطأ .

( ودونها ) أي : كتب السنن ( في رتبة ) أي : رتبة الاحتجاج الذي هو أصل بقية المبوبين ( ما جعلا على المسانيد ) التي موضوعها جعل حديث كل صحابي على حدة من غير تقيد بالمحتج به ، ( فـ ) بهذا السبب ( يدعى ) فيه الحديث الدعوة ( الجفلا ) بفتح الجيم والفاء مقصورا ، أي : العامة للمحتج به وغيره وهو استعارة ، يقال : دعا فلان الجفلا ، إذا عم بدعوته ، ولم يخص قوما دون قوم ، والنقرى وزنه أيضا هي الخاصة .

وكان الركون لأجل هذا لما يورد في تلك أكثر ، لا سيما واستخراج الحاجة منها أيسر ، وإن جلت مرتبة هذه بجلالة مؤلفيها ، وتقدم تأريخ من سأسميه منهم ، لا سيما وقد نقل البيهقي في المدخل عن شيخه الحاكم الفرق بين التصنيف على الأبواب والتراجم .

فقال : التراجم يذكر فيها ما روى الصحابي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيقول المصنف : ذكر ما روي عن أبي بكر الصديق عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم يترجم على ذلك المسند ، فيقول : ذكر ما روى قيس بن أبي حازم عن أبي بكر ، فيورد جميع ما وقع له من ذلك صحيحا كان أو سقيما .

وأما الأبواب فإن مصنفها يقول : كتاب الطهارة مثلا ، فكأنه يقول : ذكر ما صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في أبواب الطهارة ثم يوردها . انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية