الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ حكم القلب للامتحان ] : واختلف في حكمه فممن استعمله بهذا المقصد سوى من حكيناه عنهم حماد بن سلمة ، وشعبة ، وأكثر منه ، ولكن أنكره عليه حرمي لما حدثه بهز أنه قلب أحاديث على أبان بن أبي عياش ، فقال : يا بئس ما [ ص: 340 ] صنع ، وهذا يحل ؟ وقال يحيى القطان - كما سيأتي قريبا - : لا أستحله ، وكأنه لما يترتب عليه من تغليظ من يمتحنه واستمراره على روايته لظنه أنه صواب ، وقد يسمعه من لا خبرة له فيرويه ظنا منه أنه صواب .

واشتد غضب محمد بن عجلان على من فعل به ذلك ، فروينا في المحدث الفاصل للرامهرمزي من طريق يحيى بن سعيد القطان قال : قدمت الكوفة ، وبها ابن عجلان ، وبها ممن يطلب الحديث مليح بن الجراح أخو وكيع ، وحفص بن غياث ، ويوسف بن خالد السمتي ، فكنا نأتي ابن عجلان ، فقال يوسف : هلم نقلب عليه حديثه حتى ننظر فهمه .

قال : ففعلوا ، فما كان عن أبيه جعلوه عن سعيد المقبري ، وما كان عن سعيد جعلوه عن أبيه ، قال يحيى : فقلت لهم : لا أستحل هذا ، فدخلوا عليه فأعطوه الجزء فمر فيه ، فلما كان عند آخر الكتاب انتبه ، فقال أعد ، فعرضت عليه ، فقال : ما كان عن أبي فهو عن سعيد ، وما كان عن سعيد فهو عن أبي .

ثم أقبل على يوسف فقال : إن كنت أردت شيني وعيبي فسلبك الله الإسلام ، وقال لحفص : فابتلاك الله في دينك ودنياك ، وقال لمليح : لا نفعك الله بعلمك .

قال يحيى : فمات مليح قبل أن ينتفع بعلمه ، وابتلي حفص في بدنه بالفالج وفي دينه بالقضاء ، ولم يمت يوسف حتى اتهم بالزندقة .

وكذا اشتد غضب أبي نعيم الفضل بن دكين شيخ البخاري في ذلك أيضا ، قال أحمد بن المنصور الرمادي : خرجت مع أحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين إلى عبد الرزاق أخدمهما ، فلما عدنا إلى الكوفة ، قال يحيى لأحمد : أريد أن أختبر أبا نعيم ، فقال له أحمد : لا تفعل ، الرجل ثقة ، فقال : لا بد لي . فأخذ ورقة فكتب [ ص: 341 ] فيها ثلاثين حديثا من حديث أبي نعيم ، وجعل على كل عشرة منها حديثا ليس من حديثه ، ثم جاءوا إلى أبي نعيم ، فخرج فجلس على دكان ، فأخرج يحيى الطبق فقرأ عليه عشرة ، ثم قرأ الحادي عشر ، فقال أبو نعيم : ليس من حديثي ، اضرب عليه .

ثم قرأ العشر الثاني وأبو نعيم ساكت ، فقرأ الحديث الثاني : فقال : ليس من حديثي ، اضرب عليه . ثم قرأ العشر الثالث ، وقرأ الحديث الثالث ، فانقلبت عيناه وأقبل على يحيى فقال : أما هذا - وذراع أحمد في يده - فأورع من أن يعمل هذا ، وأما هذا ، يريدني ، فأقل من أن يعمل هذا ، ولكن هذا من فعلك يا فاعل ! ثم أخرج رجله فرفسه فرمى به ، وقام فدخل داره .

فقال أحمد ليحيى : ألم أقل لك : إنه ثبت ؟ قال : والله لرفسته أحب إلي من سفرتي .

وقال الشارح : وفي جوازه نظر ، إلا أنه إذا فعله أهل الحديث لا يستقر حديثا .

قلت : إلا في النادر ، وبالجملة فقد قال شيخنا : إن مصلحته - أي : التي منها معرفة رتبته في الضبط في أسرع وقت - أكثر من مفسدته ، قال : وشرطه - أي : الجواز ، ألا يستمر عليه ، بل ينتهي بانتهاء الحاجة .

التالي السابق


الخدمات العلمية