الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                  صفحة جزء
                                                                  ( 147 ) حدثنا العباس بن محمد المجاشعي ، ثنا محمد بن أبي يعقوب الكرماني ، ثنا سهل بن يوسف ، ثنا صالح بن أبي الأخضر ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة ، وأبي سلمة بن عبد الرحمن ، وعلقمة بن وقاص ، وعروة بن الزبير ، عن حديث عائشة قالت : - لما قال أصحاب الإفك ما قالوا ، فبرأها الله وكلهم حدثني طائفة من حديثها وبعضهم كان أثبت لحديثها وأحسن اقتصاصا - ، قالوا : قالت عائشة : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد سفرا أو وجها أقرع بين أزواجه ، فأيتهن خرج سهمها أخرجها معه ، قالت عائشة : فأقرع بيننا في غزاة غزاها فخرج فيها سهمي ، وذلك بعدما أنزلت آية الحجاب ، فخرجت معه وأنا أحمل في هودجي وأنزل فيه ، والنساء إذ ذاك خفاف ، قالت : فآذن رسول الله ليلة بالرحيل ، فقمت فجاوزت الجيش ، فلما قضيت شأني أقبلت إلى رحلي فلمست صدري فوجدت عقدا من جزع أظفار سقطت ، فرجعت فحبسني ابتغاؤه ، وأقبل الرهط الذين يرحلون [ ص: 103 ] هودجي ، فاحتملوا هودجي وهم يحسبون أني فيه فرحلوني على بعيري الذي كنت أركب ، ثم انطلقوا يقودونه ، فجئت منازلهم ليس بها داع ولا مجيب ، فتيممت منزلي الذي كنت به وعرفت أنهم سيفقدونني ، فيبغوني ، فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت ، فأقبل صفوان بن المعطل ، وكان من وراء الجيش ، فأدلج فأصبح عند منزلي ، فرأى سواد إنسان ، فعرفني ، وكان يراني قبل أن ينزل الحجاب ، فاسترجع فاستيقظت باسترجاعه ، فأناخ لي راحلته ، فوطئ لي فركبتها ، فانطلق يقود بي حتى جئنا الناس في نحر الظهيرة ، وقد هلك من هلك ، فلما قدمنا المدينة اشتكيت شهرا لا أشعر بالشر ، غير أنه يريبني أني لا أرى من رسول الله اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي ، إنما يدخل فيسلم قائما ، ويقول : " كيف تيكم ؟ " ولا أشعر بالشر ، فلما نقهت من مرضي ، خرجت أنا وأم مسطح بن أثاثة إلى المناصع ، وهو متبرزنا ، إنما نخرج ليلا إلى ليل ، إنما نأكل العلقة من الطعام ، وأمرنا أمر العرب الأول ، وكنا نتأذى أن تتخذ الكنف قرب بيوتنا ، فلما قضينا شأننا أقبلت إلى منزلي ، فعثرت أم مسطح في مرطها ، فقالت : تعس مسطح ، قالت : قلت لها : بئس ما قلت ، أتسبين رجلا قد شهد بدرا ؟ ، قالت : أي هنتاه أولم تسمعي ما قال ؟ ، قلت : ماذا قال ؟ ، قالت : كذا وكذا ، قالت : فازددت مرضا على مرضي ، فلما جاء رسول الله قلت : ائذن لي فآتي أبوي ، وأنا أريد حينئذ أن أستيقن الخبر من قبلهما ، قالت : فأذن لي ، فجئت أمي فقلت : يا أمه ماذا يتحدث الناس ؟ ، فقالت : يا بنية هوني عليك ، فإنه قل ما كانت امرأة وضيئة عند رجل يحبها لها كنائن إلا أكثرن عليها ، قالت : قلت : سبحان الله أوقد تحدث الناس بهذا ، فمكثت ليلتي لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ، فلما أبطأ على رسول الله الوحي دعا عليا [ ص: 104 ] وأسامة يستشيرهما في فراق أهله ، فأما أسامة فأشار على رسول الله بما يعلم من براءة أهله ، وما يعلم في نفس رسول الله من الود ، فقال : يا رسول الله أهلك والله ما علمنا إلا خيرا ، وأما علي فقال : لم يضيق الله عليك ، والنساء سواها كثير ، وإن تسأل الخادم تصدقك ، قالت : فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بريرة ، فقال : " أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك ؟ " ، فقالت : لا ، والذي بعثك بالحق ما رأيت عليها من أمر قط أغمصها به إلا أنها جارية حديثة السن ، فتنام فتأتي الداجن فتأكل العجين ، فلما قام رسول الله فرقى ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : " أما بعد يا معشر المسلمين ، من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهلي ، والله ما علمت على أهلي إلا خيرا ، ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا ، وما كان يدخل على أهلي إلا معي " ، فقام سعد بن معاذ فقال : يا رسول الله أنا أعذرك منه إن كان من الأوس ضربت عنقه ، وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا أمرك ، فقام سعد بن عبادة وكان قبل ذلك رجلا صالحا ، ولكن حملته الحمية ، فقال لسعد بن معاذ : كذبت لعمر الله لا تقتله ، ولا تقدر على قتله ، فقال أسيد بن حضير : كذبت لعمر الله ليقتلنه ، قالت : فتثاور الحيان الأوس والخزرج ، فلم يزل رسول الله يخفضهم ويسكتهم حتى سكتوا ، قالت : فبكيت ليلتي لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ، وأصبح عندي أبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي ، فبينما هما عندي وأنا أبكي استأذنت علي امرأة من الأنصار فجلست تبكي معي ، فبينا نحن على ذلك دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم قعد والله ما قعد عندي منذ قيل لي ما قيل قبلها فتشهد ، ثم قال : " أما بعد يا عائشة ، فقد بلغني كذا وكذا ، فإن كنت ألممت بذنب فاعترفي وتوبي إلى الله واستغفري ، فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب [ ص: 105 ] تاب الله عليه " ، فلما قضى رسول الله مقالته ، قلص دمعي ما أحس منه قطرة ، فقلت : يا أمه أجيبي رسول الله ، قالت : والله ما أدري ما أقول لرسول الله ، قالت : قلت : يا أبه أجب رسول الله ، قال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله ، فقلت : وأنا جارية حديثة السن ، لا أقرأ كثيرا من القرآن : والله لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم وصدقتم ، ولئن قلت إني لبريئة والله يعلم أني بريئة لا تصدقوني ، ولا أجد لي ولكم مثلا ، إلا قول أبي يوسف : فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ، ثم وليت وجهي إلى الجدار والله يعلم أني بريئة ، ولنفسي كانت أحقر عندي من أن ينزل الله في وحيا وتلاوة ، ولكن كنت أرى أن يرى رسول الله رؤيا فيبرئني الله بها ، قالت : والله ما قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من مجلسه ، ولا رام أهل البيت حتى أخذته البرحاء التي كانت تأخذه حين ينزل عليه الوحي ، حتى أنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق في اليوم الشاتي من ثقل الوحي ، فسري عن رسول الله وهو يضحك ، فقال : " يا عائشة أما والله فقد برأك الله " ، فقالت لي أمي : قومي إلى رسول الله ، قلت : والله لا أقوم ولا أحمد إلا الله ، قالت : وكان الذي تولى كبره منهم عبد الله بن أبي بن سلول ، قالت : وقد كان أبو بكر ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته ويتمه ، فقال أبو بكر : والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا ، فأنزل الله : ولا يأتل أولو الفضل منكم الآية ، ألا تحبون أن يغفر الله لكم ، فقال أبو بكر : بلى يا رب ، فرد على مسطح نفقته .

                                                                  ( 148 ) حدثنا المفضل بن محمد الجندي ، ثنا أبو حمة محمد بن يوسف الزبيدي ، ثنا أبو قرة موسى بن طارق ، قال : ذكر زمعة بن صالح ، [ ص: 106 ] عن يعقوب بن عطاء ، وزياد بن سعد ، عن ابن شهاب ، عن سعيد بن المسيب ، وعروة بن الزبير ، وعلقمة بن وقاص ، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن حديث عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قال لها أهل الإفك ما قالوا ، فبرأها الله ، وكل حدثني طائفة من حديثها ، وبعض حديثهم يصدق بعضا ، وإن كان بعضهم أوعى لحديثها من بعض وأثبت اقتصاصا ، ذكروا أن عائشة - زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - - قالت : كان رسول الله إذا أراد أن يخرج إلى سفر أقرع بين أزواجه ، وذكر الحديث .

                                                                  التالي السابق


                                                                  الخدمات العلمية