الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                  صفحة جزء
                                                                  ( 150 ) حدثنا عبد الرحمن بن سالم الرازي ، قال : ثنا سهل بن عثمان ، ثنا أبو أسامة ، ثنا هشام بن عروة ، قال : حدثني أبي ، عن عائشة ، قالت : لما ذكر من شأني الذي ذكر وما علمت قام في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خطيبا ، فتشهد فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال : " أما بعد أشيروا علي في أناس أبنوا أهلي ، وأيم الله ما علمت على أهلي من سوء قط ، وأبنوهم بمن والله ما علمت عليه من سوء قط ولا دخل بيتي إلا وأنا حاضر ، ولا غبت في سفر إلا غاب معي " ، فقام سعد بن معاذ ، فقال : نرى يا رسول الله أن نضرب أعناقهم ، فقام رجل من الخزرج وكانت أم حسان بن ثابت من رهط ذلك الرجل ، فقال : كذبت أم والله لو كانوا من الأوس ما أحببت أن تضرب أعناقهم حتى كاد أن يكون بين الأوس والخزرج في المسجد شر وما علمت به ، فلما كان مساء ذلك اليوم خرجت لبعض حاجتي ومعي أم مسطح فعثرت ، فقالت : [ ص: 109 ] تعس مسطح ، فانتهرتها ، فقلت : أو تسبين ابنك ؟ ، فقالت : والله ما أسبه إلا فيك ، فقلت : في أي شأني ، فنقرت الحديث ، فقلت : وقد كان هذا ؟ فقالت : نعم والله ، فرجعت إلى بيتي لكأن الذي خرجت له لم أخرج له ولا أجد منه قليلا ولا كثيرا ووعكت ، فقلت لرسول الله : أرسلني إلى بيت أبي ، فأرسل معي الغلام ، فدخلت الدار فوجدت أم رومان في السفل ، وأبو بكر فوق البيت يقرأ ، فقالت أمي : ما جاء بك يا بنية ؟ ، فأخبرتها وذكرت لها الحديث ، وإذا هي لم يبلغ منها ما بلغ مني ، فقالت : أي بنية خففي عليك الشأن فإنه والله لقل ما كانت امرأة حسناء عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا حسدنها وقيل فيها ، قلت : وقد علم بها أبي ؟ ، قالت : نعم ، قلت : ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ ، قالت : نعم ، قالت : واستعبرت ، فبكيت فسمع أبو بكر صوتي وهو فوق البيت يقرأ ، فنزل فقال لأمي : ما شأنها ؟ ، قالت : بلغها الذي ذكر من شأنها ، ففاضت عيناه ، فقال : أقسمت عليك يا بنية إلا رجعت إلى بيتك ، قالت : فرجعت ، قالت : ولقد جاء رسول الله بيتي فسأل عني خادمتي ، فقالت : والله ما علمت عليها عيبا إلا أنها كانت ترقد حتى تدخل الشاة فتأكل خميرها أو عجينها ، قالت : فانتهرها بعض أصحابه ، فقال : أصدقي رسول الله ، فقالت سبحان الله ، ما علمت عليها إلا ما يعلم الصائغ من الذهب الأحمر ، فبلغ الأمر ذاك الرجل الذي كان قيل له فيها ، فقال : سبحان الله ، ما كشفت أنثى قط ، قالت عائشة : وقتل شهيدا في سبيل الله ، قالت : وأصبح أبواي عندي فلم يزالا عندي حتى دخل علي رسول الله وقد صلى العصر وقد اكتنفني أبواي عن يميني وشمالي ، فتشهد النبي - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 110 ] فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال : " أما بعد ، يا عائشة فإن كنت قارفت سوءا أو ظلمت فتوبي إلى الله ، فإن الله هو يقبل التوبة عن عباده " ، قالت : وقد جاءت امرأة من الأنصار فهي جالسة بالباب ، فقلت : ألا تستحي من هذه المرأة أن تذكر شيئا ، فوعظ رسول الله فالتفت إلى أبي ، فقلت : أجبه ، فقال : أقول ماذا ؟ ، فالتفت إلى أمي ، فقلت : أجيبيه ، فقالت : أقول ماذا ؟ ، قالت : فلما لم يجيباه تشهدت فحمدت الله وأثنيت عليه بما هو أهله ، ثم قلت : أما بعد ، فوالله لئن قلت لكم إني لم أفعل والله يشهد أني لصادقة ما ذاك بنافعي عندكم ، لقد تكلمتم به وأشربتموه قلوبكم ، ولئن قلت إني قد فعلت والله يشهد أني لم أفعل لتقولن قد بات به على نفسها والله يشهد أني لم أفعل ، وإني والله ما أجد لي ولكم مثلا ، قالت : والتمست اسم يعقوب فلم أقدر عليه ، فقلت : إلا أبا يوسف حين قال : فصبر جميل والله المستعان الآية ، قالت : فأنزل على رسول الله من ساعته فرفع عنه ، وإني لأتبين السرور في وجهه ، وهو يمسح جبينه ويقول : " أبشري يا عائشة فقد أبرأك الله ببراءتك " ، قالت : فكنت أشد ما كنت غضبا ، فقال لي أبواي : قومي إليه ، فقلت : والله لا أقوم إليه ولا أحمده ولا أحمدكما ، ولكني أحمد الله الذي أنزل براءتي لقد سمعتموه فما أنكرتموه ، ولكن أحمد الله الذي أنزل براءتي ، فأما زينب بنت جحش فعصمها الله بدينها ، فلم تقل إلا خيرا ، وأما أختها حمنة فهلكت فيمن هلك ، وكان الذين تكلموا به مسطح بن أثاثة وحسان بن ثابت وحمنة والمنافق عبد الله بن أبي ابن سلول وهو الذي يستوشيه ويجمعهم ، وهو الذي تولى كبره ، فحلف أبو بكر لا ينفع مسطحا أبدا بنافعة ، فأنزل الله ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة [ ص: 111 ] - يعني : أبا بكر - ، أن يؤتوا أولي القربى والمساكين - يعني : مسطحا - ، ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم ، فقال أبو بكر : بلى والله يا رب إنا لنحب أن يغفر لنا فعاد لما كان ينفعه به .

                                                                  التالي السابق


                                                                  الخدمات العلمية