الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                  صفحة جزء
                                                  60 حدثنا أبو عبد الملك أحمد بن إبراهيم البسري الدمشقي قال : حدثنا محمد بن عائذ الدمشقي قال : حدثنا [ ص: 70 ] الوليد بن مسلم قال : حدثنا أبو طرفة عباد بن الريان اللخمي قال : سمعت عروة بن رويم اللخمي ، يقول : حدثني عامر بن لدين الأشعري قال : سمعت أبا ليلى الأشعري ، يقول :

                                                  حدثني أبو ذر قال : إن أول ما دعاني إلى الإسلام أنا كنا قوما عربا ، فأصابتنا السنة ، فاحتملت أمي وأخي ـ وكان اسمه : أنيس ـ إلى أصهار لنا بأعلى نجد ، فلما حللنا بهم أكرمونا ، فلما رأى ذلك رجل من الحي مشى إلى خالي ، فقال : تعلم أن أنيسا يخالفك إلى أهلك ؟ فحز في قلبه ، فانصرفت من رعية إبلي ، فوجدته كئيبا يبكي ، فقلت : ما بكاؤك يا خال ؟ فأعلمني الخبر . فقلت : حجز الله ـ تعالى ـ من ذلك ، إنا نعاف الفاحشة ، وإن كان الزمان قد . . . . بنا ، ولقد كدرت علينا صفو ما ابتدأتنا به ، ولا سبيل إلى اجتماع . فاحتملت أمي وأخي حتى نزلنا بحضرة مكة . [ ص: 71 ] فقال أخي : إني مدافع رجلا على الماء بشعر ـ وكان امرأ شاعرا ـ فقلت : لا تفعل . فخرج به اللجاج حتى دافع دريد بن الصمة صرمته إلى صرمته . وايم الله ، لدريد يومئذ أشعر من أخي ، فتقاضيا إلى خنساء ، فقضت لأخي على دريد ، وذلك أن دريدا خطبها إلى أبيها ، فقالت : شيخ كبير ، لا حاجة لي فيه ، فحقدت ذلك عليه ، فضممنا صرمته إلى صرمتنا ، فكانت لنا هجمة . ثم أتيت مكة ، فابتدأت بالصفا ، فإذا عليه رجالات قريش ، وقد بلغني أن بها صابئا أو مجنونا أو شاعرا أو ساحرا . فقلت : أين هذا الذي تزعمونه ؟ فقالوا : هاهو ذلك حيث ترى . فانقلبت إليه . فوالله ما جزت عنهم قيس حجر حتى أكبوا على كل عظم وحجر ومدر ، فضرجوني بدمي ، فأتيت البيت ، فدخلت بين الستور والبناء ، وصرت فيه ثلاثين يوما لا آكل ولا أشرب إلا من ماء زمزم ، حتى إذا كانت ليلة قمراء إضحيان ، أقبلت امرأتان من خزاعة ، فطافتا بالبيت ، ثم ذكرتا إسافا ونائلة ، وهما وثنان كانوا يعبدونهما ، فأخرجت رأسي من تحت الستور ، فقلت : [ ص: 72 ] احملا أحدهما على صاحبه ، فغضبتا ، ثم قالتا : وايم الله لو كانت رجالنا حضورا ما تكلمت بهذا . فخرجتا تقفو آثارهما ، حتى لقيتا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فقال : " من أنتما ؟ وممن أنتما ؟ ومن أين جئتما ؟ وما جاء بكما ؟ " فأخبرتاه الخبر . فقال : " أين تركتما الصابئ ؟ " فقالتا : تركناه بين الستور والبناء . فقال لهما : " هل قال لكما شيئا ؟ " قالتا : نعم ، كلمة تملأ الفم . فتبسم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ثم انسلتا ، وأقبلت حتى جئت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ثم سلمت عليه عند ذلك . فقال : " من أنت ؟ وممن أنت ؟ ومن أين أنت ؟ ومن أين جئت ؟ وما جاء بك ؟ " فأنشأت أعلمه الخبر ، فقال : " من أين كنت تأكل وتشرب ؟ " فقلت : من ماء زمزم ، فقال : " أما إنه طعام طعم " ومعه أبو بكر ، فقال : يا رسول الله ، ائذن لي أن أعشيه قال : " نعم " ثم خرج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يمشي ، وأخذ أبو بكر بيدي حتى وقف رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بباب أبي بكر ، ثم دخل أبو بكر بيته . ثم أتى بزبيب من زبيب الطائف ، فجعل يلقيه لنا قبضا قبضا ، ونحن نأكل منه ، حتى تملأنا منه فقال لي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ " يا أبا ذر " فقلت : لبيك . فقال : " إنه قد رفعت لي [ ص: 73 ] أرض ، وهي ذات نخل ، لا أحسبها إلا تهامة ، فاخرج إلى قومك ، فادعهم إلى ما دخلت فيه " قال : فخرجت حتى أتيت أمي وأخي ، فأعلمتهما الخبر ، فقالا : ما بنا رغبة عن الدين الذي دخلت فيه ، فأسلمنا . ثم خرجنا حتى أتينا المدينة ، فأعلمت قومي ، فقالوا : إنا قد صدقناك ، ولكنا نلقى محمدا ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فلما قدم علينا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لقيناه . فقالت له غفار : يا رسول الله ، إن أبا ذر قد أعلمنا ما أعلمته ، وقد أسلمنا وشهدنا أنك رسول الله ، ثم تقدمت أسلم خزاعة ، فقالوا : يا رسول الله ، إنا قد رغبنا ودخلنا فيما دخل إخواننا وحلفاؤنا ، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " [ أسلم ] سالمها الله ، وغفار غفر الله لها " . ثم أخذ أبو بكر بيدي ، فقال : يا أبا ذر . فقلت : لبيك يا أبا بكر . فقال : قد كنت تأله في جاهليتك ؟ قلت ؟ نعم ، لقد رأيتني أقوم عند الشمس ، فلا أزال أصلي حتى يؤذيني حرها ، فأخر كأني خفاء . فقال لي : فأين كنت توجه ؟ قلت : لا أدري إلا حيث وجهني الله ، حتى أدخل الله علي الإسلام .

                                                  [ ص: 74 ] لم يروه عن عروة بن رويم إلا أبو طرفة عباد بن الريان ، ولا عن عباد إلا الوليد . تفرد به : محمد بن عائذ .

                                                  التالي السابق


                                                  الخدمات العلمية