الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                  صفحة جزء
                                                  9108 حدثنا مسعدة بن سعد ، قال : حدثنا إبراهيم بن المنذر ، قال : حدثنا محمد بن طلحة التيمي ، قال : حدثنا عبد الحكيم بن سفيان بن أبي نمر ، عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر . عن جابر بن عبد الله ، قال : خرجنا في غزوة ذات الرقاع ، حتى إذا كنا بحرة واقم عرضت امرأة بدوية بابن لها ، فجاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقالت : يا رسول الله ، هذا ابني قد غلبني عليه الشيطان ، فقال : " أدنيه مني " ، فأدنته منه ، فقال : " افتحي فمه " ، ففتحته ، فبصق فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم قال : " اخسأ عدو الله ، وأنا رسول الله " - قال ها ثلاث مرات - ، ثم قال : " شأنك بابنك ، ليس عليه بأس ، فلن يعود إليه شئ مما كان يصيبه " ، ثم خرجنا فنزلنا منزلا ، ضحوا ديمومة ليس فيها شجرة ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لجابر : " يا جابر ، انطلق فانظر لي مكانا " - يعني [ ص: 49 ] للوضوء - ، فخرجت أنطلق ، فلم أجد إلا شجرتين مفترقتين ، لو أنهما اجتمعتا سترتاه ، فرجعت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقلت : يا رسول الله ، ما رأيت شيئا يسترك إلا شجرتين متفرقتين لو أنهما اجتمعتا سترتاك ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " انطلق إليهما ، فقل لهما : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لكما : اجتمعا " قال : فخرجت ، فقلت لهما ، فاجتمعتا حتى كأنهما في أصل واحد ، ثم رجعت فأخبرت النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى قضى حاجته ، ثم رجع ، فقال : " ائتهما ، فقل لهما : إن رسول الله يقول : ارجعا كما كنتما ، كل واحدة إلى مكانها " ، فرجعت ، فقلت لهما : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لكما : " ارجعا كما كنتما " ، فرجعتا ثم خرجنا فنزلنا في واد من أودية بني محارب ، فعرض له رجل من بني محارب يقال له : غورث بن الحارث ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - متقلد سيفه ، فقال : يا محمد ، أعطني سيفك هذا ، فسله ، وناوله إياه ، فهزه ونظر إليه ساعة ، ثم أقبل على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : يا محمد ، ما يمنعك مني ؟ قال : " الله يمنعني منك " ، فارتعدت يده ، حتى سقط السيف من يده ، فتناوله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم قال : " يا غورث ، من يمنعك مني ؟ " قال : لا أحد ، بأبي أنت ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " اللهم اكفنا غورثا وقومه " ثم أقبلنا راجعين ، فجاء رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعش طير يحمله فيه فراخ ، وأبواه يتبعانه ، ويقعان على يد الرجل ، فأقبل النبي - صلى الله عليه وسلم - على من كان معه ، فقال : " أتعجبون بفعل هذين الطيرين بفراخهما ؟ والذي بعثني بالحق ، لله أرحم بعباده من هذين الطيرين بفراخهما " ، ثم أقبلنا راجعين ، [ ص: 50 ] حتى إذا كنا بحرة واقم عرضت لنا الأعرابية التي جاءت بابنها بوطب من لبن وشاة ، وأهدته له ، فقال : " ما فعل ابنك ؟ هل أصابه شيء مما كان يصيبه ؟ " قالت : والذي بعثك بالحق ما أصابه شيء مما كان يصيبه ، وقبل هديتها ، ثم أقبلنا حتى إذا كنا بمهبط من الحرة أقبل جمل يرقل ، فقال : " أتدرون ما قال هذا الجمل ؟ " قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : " هذا جمل جاءني يستعديني على سيده ، يزعم أنه كان يحرث عليه منذ سنين حتى إذا أجربه وأعجفه وكبر سنه أراد أن ينحره ، اذهب معه يا جابر إلى صاحبه فائت به " ، فقلت : يا رسول الله ما أعرف صاحبه ، قال : " إنه سيدلك عليه " ، قال : فخرج بين يدي معتقا حتى وقف بي في مجلس بني خطمة ، فقلت : أين رب هذا الجمل ؟ قالوا : فلان بن فلان ، فجئته ، فقلت : أجب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فخرج معي حتى جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن جملك هذا يستعديني عليك ، يزعم أنك حرثت [ ص: 51 ] عليه زمانا حتى أجربته وأعجفته وكبر سنه ثم أردت أن تنحره ؟ " قال : والذي بعثك بالحق إن ذلك كذلك ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " بعنيه " ، قال : نعم يا رسول الله ، فابتاعه منه ، ثم سيبه في الشجرة حتى نصب سناما ، وكان إذا اعتل على بعض المهاجرين أو الأنصار من نواضحهم شيء أعطاه إياه ، فمكث بذلك زمانا . قال إبراهيم بن المنذر : قال لي محمد بن طلحة : كانت غزوة ذات الرقاع تسمى غزوة الأعاجيب .

                                                  لم يرو هذا الحديث عن شريك بن عبد الله إلا عبد الحكيم بن سفيان ، ولا عن عبد الحكيم إلا محمد بن طلحة ، تفرد به إبراهيم بن المنذر .

                                                  التالي السابق


                                                  الخدمات العلمية