الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                            صفحة جزء
                                                                                            13894 وعن سعيد بن أبي راشد قال : رأيت التنوخي رسول هرقل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحمص وكان جارا لي ، شيخا كبيرا قد بلغ الفناء أو قرب ، فقلت : ألا تخبرني عن رسالة هرقل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورسالة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى هرقل ؟ قال : بلى ، وقدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تبوك وبعث دحية الكلبي إلى [ ص: 235 ] هرقل ، فلما أن جاء كتاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعا قسيسي الروم وبطارقتها ، ثم غلق عليه وعليهم الدار ، قال : نزل هذا الرجل حيث رأيتم ، وقد أرسل إلي يدعوني إلى ثلاث خصال : يدعوني أن أتبعه على دينه ، أو أن نعطيه ما لنا على أرضنا والأرض أرضنا ، أو نلقي إليه الحرب ، والله لقد عرفتم فيما تقرءون من الكتب لتأخذن ما تحت قدمي ، فهلم نتبعه على دينه أو نعطيه ما لنا على أرضنا ، فنخروا نخرة رجل واحد حتى خرجوا من برانسهم ، وقالوا : تدعونا إلى أن نذر النصرانية أو نكون عبيدا لأعرابي جاء من الحجاز ؟ فلما ظن أنهم إن خرجوا [ من عنده ] أفسدوا عليه رفاقهم وملكه ، قال : إنما قلت ذلك لكم لأعلم صلابتكم على أمركم ، ثم دعا رجلا من عرب تجيب كان على نصارى العرب ، قال : ادع لي رجلا حافظا للحديث عربي اللسان ، أبعثه إلى هذا الرجل بجواب كتابه ، فجاءني ، فدفع إلي هرقل كتابا ، فقال : اذهب بكتابي إلى هذا الرجل ، فما صغيت من حديثه فاحفظ منه ثلاث خصال : انظر هل يذكر صحيفته التي كتب إلي بشيء ؟ وانظر إذا قرأ كتابي هل يذكر الليل ؟ وانظر في ظهره هل به شيء يريبك ؟ فانطلقت بكتابه حتى جئت تبوك ، فإذا هو جالس بين أصحابه محتبيا على الماء ، فقلت : أين صاحبكم ؟ قيل : ها هو ذا ، فأقبلت أمشي حتى جلست بين يديه ، فناولته كتابي فوضعه في حجره ثم قال : " ممن أنت ؟ " ، قلت : أنا أحد تنوخ ، فقال : " هل لك في الحنيفية ملة أبيكم إبراهيم ؟ " ، قلت : إني رسول قوم ، وعلى دين قوم لا أرجع عنه حتى أرجع إليهم ، [ فضحك و ] قال : " ( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين ) يا أخا تنوخ ، إني كتبت بكتاب [ إلى كسرى فمزقه ، والله ممزقه ، وممزق ملكه ، وكتبت ] إلى النجاشي فخرقها ، والله مخرقه ومخرق ملكه ، وكتبت إلى صاحبكم بصحيفة فأمسكها ، فلن يزال الناس يجدون منه بأسا ما دام في العيش خير " ، قلت : هذه إحدى الثلاث التي أوصاني بها [ صاحبي ] ، وأخذت سهما من جعبتي فكتبتها في جلد سيفي ، ثم أنه ناول الصحيفة رجلا عن يساره ، فقلت : من صاحب كتابكم الذي يقرأ لكم ؟ قالوا : معاوية ، فإذا في كتاب صاحبي : يدعوني إلى جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين ، فأين النار ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " سبحان الله [ ص: 236 ] فأين الليل إذا جاء النهار ؟ " ، فأخذت سهما من جعيبتي فكتبته في جلد سيفي ، فلما فرغ من قراءة كتابي قال : إن لك حقا وأنت رسول فلو وجدت عندنا جائزة جوزناك بها ، إنا سفر مرملون ، قال : فناداه رجل من طائفة الناس : أنا أجوزه ، ففتح رحله فإذا هو يأتي بحلة صفورية ، فوضعها في حجري ، فقلت : من صاحب الحلة ؟ قيل : عثمان ، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : " من ينزل هذا الرجل ؟ " ، فقال فتى من الأنصار : أنا ، فقام الأنصاري وقمت معه ، فلما خرجت من طائفة المجلس ناداني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " [ تعال ] يا أخا تنوخ " ، فأقبلت أهوي [ إليه ] حتى كنت قائما في مجلسي الذي كنت فيه بين يديه ، فحل حبوته عن ظهره فقال : " ههنا ، امض لما أمرت به " ، فجلت في ظهره ، فإذا أنا بخاتم في موضع غضروف الكتف مثل الحجمة . رواه عبد الله بن أحمد ، وأبو يعلى ، ورجال أبي يعلى ثقات ، ورجال عبد الله بن أحمد كذلك .

                                                                                            التالي السابق


                                                                                            الخدمات العلمية