الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                            صفحة جزء
                                                                                            9812 وعن عروة بن الزبير ، عن عبد الله بن عمرو قال : قلت له : ما أكثر ما رأيت قريشا أصابت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما كانت تظهر من عداوته ؟ . قال : حضرتهم ، وقد اجتمع أشرافهم يوما في الحجر فذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من هذا الرجل قط ، سفه أحلامنا ، وشتم آباءنا ، وعاب ديننا ، وفرق جماعتنا ، وسب آلهتنا ، لقد صبرنا منه على أمر عظيم . أو كما قالوا .

                                                                                            قال : فبينما هم في ذلك إذ طلع عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأقبل يمشي حتى استلم الركن ، ثم مر بهم طائفا بالبيت ، فلما مر بهم غمزوه ببعض ما يقول قال : فعرفت ذلك في وجهه . ثم مضى ، فلما مر بهم الثانية غمزوه بمثلها ، فعرفت ذلك في وجهه ، ثم مضى ، فلما مر بهم الثالثة ، فغمزوه بمثلها فقال : " أتسمعون يا معشر قريش ، أما والذي نفس محمد بيده ، لقد جئتكم بالذبح " . فأخذت القوم كلمته ، حتى ما منهم رجل إلا على رأسه طائر واقع ، حتى إن أشدهم فيه وصاة قبل ذلك ، ليرفؤه بأحسن ما يجد من القول ، حتى إنه ليقول : انصرف يا أبا القاسم ، [ ص: 16 ] انصرف راشدا ، فوالله ما كنت جهولا . فانصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا كان الغد اجتمعوا في الحجر ، وأنا معهم ، فقال بعضهم لبعض : ذكرتم ما بلغ منكم ، وما بلغكم عنه ، حتى إذا بادأكم بما تكرهون تركتموه ، فبينما هم في ذلك ، إذ طلع عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوثبوا إليه وثبة رجل واحد ، فأطافوا به يقولون : أنت الذي تقول كذا وكذا ؟ لما كان يبلغهم من عيب آلهتهم ودينهم قال : فيقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " نعم ، أنا الذي أقول ذلك " . قال : فلقد رأيت رجلا منهم أخذ بمجمع ردائه ، وقام أبو بكر دونه ، يقول : وهو يبكي : أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ثم انصرفوا عنه ، فإن ذلك لأشد ما رأيت قريشا بلغت منه قط .
                                                                                            قلت : في الصحيح طرف منه . رواه أحمد ، وقد صرح ابن إسحاق بالسماع ، وبقية رجاله رجال الصحيح .

                                                                                            التالي السابق


                                                                                            الخدمات العلمية