الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        [ ص: 204 ] فروع : أحدها : قول الصحابي : كنا نقول أو نفعل كذا . إن لم يضفه إلى زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو موقوف ، وإن أضافه فالصحيح أنه مرفوع .

        وقال الإمام الإسماعيلي : موقوف . والصواب الأول .

        وكذا قوله : كنا لا نرى بأسا بكذا في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو وهو فينا ، أو بين أظهرنا أو كانوا يقولون ، أو يفعلون ، أو لا يرون بأسا بكذا في حياته - صلى الله عليه وسلم - فكله مرفوع ، ومن المرفوع قول المغيرة : كان أصحاب رسول الله يقرعون بابه بالأظافير .

        [ ص: 204 ]

        التالي السابق


        [ ص: 204 ] فروع

        ذكرها ابن الصلاح بعد النوع الثامن ، وذكرها هنا أليق . ( أحدها : قول الصحابي كنا نقول ) كذا ، ( أو نفعل كذا ) ، أو نرى كذا ، ( إن لم يضفه إلى زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو موقوف ) .

        كذا قال ابن الصلاح تبعا للخطيب ، وحكاه المصنف في شرح مسلم ، عن الجمهور من المحدثين ، وأصحاب الفقه ، والأصول ، وأطلق الحاكم والرازي والآمدي أنه مرفوع .

        وقال ابن الصباغ : إنه الظاهر ، ومثله بقول عائشة - رضي الله عنها - ( كانت اليد لا تقطع في الشيء التافه ) .

        [ ص: 205 ] وحكاه المصنف في شرح المهذب ، عن كثير من الفقهاء ، قال : وهو قوي من حيث المعنى ، وصححه العراقي وشيخ الإسلام .

        ومن أمثلته : ما رواه البخاري ، عن جابر بن عبد الله ، قال : كنا إذا صعدنا كبرنا ، وإذا نزلنا سبحنا .

        ( وإن أضافه فالصحيح ) الذي قطع به الجمهور من أهل الحديث والأصول ( أنه مرفوع )

        قال ابن الصلاح : لأن ظاهر ذلك مشعر بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اطلع على ذلك ، وقررهم عليه ، لتوفر دواعيهم على سؤالهم عن أمور دينهم ، وتقريره أحد وجوه السنن المرفوعة .

        ومن أمثلة ذلك ، قول جابر : " كنا نعزل على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أخرجه الشيخان .

        وقوله : " كنا نأكل لحوم الخيل على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - " ، رواه النسائي وابن ماجه .

        ( وقال الإمام ) أبو بكر ( الإسماعيلي ) إنه ( موقوف ) ( ق 61 \ أ ) ، وهو بعيد جدا . ( والصواب الأول ) .

        [ ص: 206 ] قال المصنف في شرح مسلم : وقال آخرون : إن كان ذلك الفعل مما لا يخفى غالبا كان مرفوعا ، وإلا كان موقوفا ، وبهذا قطع الشيخ أبو إسحاق الشيرازي .

        فإن كان في القصة تصريح باطلاعه - صلى الله عليه وسلم - فمرفوع إجماعا ، كقول ابن عمر : كنا نقول ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - حي : أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، ويسمع ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا ينكره ، رواه الطبراني في الكبير ، والحديث في الصحيح بدون التصريح المذكور .

        ( وكذا قوله ) أي في الصحابي ( كنا لا نرى بأسا بكذا في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو وهو فينا ، أو ) وهو ( بين أظهرنا ، أو كانوا يقولون ، أو يفعلون ، أو لا يرون بأسا بكذا في حياته - صلى الله عليه وسلم - فكله مرفوع ) ، مخرج في كتب المسانيد .

        ( ومن المرفوع : قول المغيرة بن شعبة كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرعون بابه بالأظافير ) .

        قال ابن الصلاح بل هو أحرى باطلاعه صلى الله عليه وسلم .

        قال : وقال الحاكم : هذا يتوهمه من ليس من أهل الصنعة مسندا لذكر [ ص: 207 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه ، وليس بمسند بل هو موقوف ، ووافقه الخطيب ، وليس كذلك .

        قال : وقد كنا أخذناه عليه ، ثم تأولناه على أنه ليس بمسند لفظا ، وإنما جعلناه مرفوعا من حيث المعنى قال : وكذا سائر ما سبق موقوف لفظا ، وإنما جعلناه مرفوعا من حيث المعنى . انتهى .

        والحديث المذكور أخرجه البخاري في الأدب من حديث أنس ، وعن شيخ الإسلام ، تعب الناس في التفتيش عليه من حديث المغيرة فلم يظفروا به .

        قلت : قد ظفرت به بلا تعب ولله الحمد .

        فأخرجه البيهقي في " المدخل " ، قال : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ( ق 62 \ أ ) في علوم الحديث ، وحدثني الزبير بن عبد الواحد ، حدثنا محمد بن أحمد الزيبقي ، ثنا زكريا بن يحيى المنقري ، ثنا الأصمعي ، ثنا كيسان مولى هشام بن حسان ، عن محمد بن حسان ، عن محمد ابن سيرين ، عن المغيرة بن شعبة فذكره ، ثم أشار بعده إلى حديث أنس .

        ومن المرفوع أيضا اتفاقا ، الأحاديث التي فيها ذكر صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - ونحو ذلك .

        أما قول التابعي ما تقدم ، فليس بمرفوع قطعا ، ثم إن لم يضفه إلى زمن الصحابة ، فمقطوع لا موقوف ، وإن أضافه فاحتمالان للعراقي ، وجه المنع أن تقرير الصحابي قد لا ينسب إليه ، بخلاف تقرير النبي صلى الله عليه وسلم .

        [ ص: 208 ] ولو قال : كانوا يفعلون ، فقال المصنف في شرح مسلم : لا يدل على فعل جميع الأمة ، بل البعض فلا حجة فيه إلا أن يصرح بنقله ، عن أهل الإجماع فيكون نقلا له ، وفي ثبوته بخبر الواحد خلاف .




        الخدمات العلمية