الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        [ ص: 276 ] النوع الرابع عشر : معرفة المنكر ، قال الحافظ البرديجي : هو الفرد الذي لا يعرف متنه عن غير راويه ، وكذا أطلقه كثيرون ، والصواب فيه التفصيل الذي تقدم في الشاذ .

        التالي السابق


        ( النوع الرابع عشر : معرفة المنكر ، قال الحافظ ) أبو بكر ( البرديجي ) بفتح الموحدة ( ق 82 \ ب ) ، وسكون الراء ، وكسر الدال المهملة بعدها تحتية وجيم ، نسبة إلى برديج قرب بردعة ، بإهمال الدال بلد بأذربيجان ، ويقال له البرذعي أيضا ( هو ) الحديث ( الفرد الذي لا يعرف متنه ، عن غير راويه ، وكذا أطلقه كثيرون ) من أهل الحديث .

        قال ابن الصلاح : ( والصواب فيه التفصيل الذي تقدم في الشاذ ) وأنه بمعناه .

        [ ص: 277 ] قال : وعند هذا نقول : المنكر قسمان على ما ذكرنا في الشاذ ، فإنه بمعناه .

        مثال الأول : وهو المفرد المخالف لما رواه الثقات رواية مالك ، عن الزهري ، عن علي بن حسين ، عن عمر بن عثمان ، عن أسامة بن زيد ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا يرث المسلم الكافر ، ولا الكافر المسلم " .

        فخالف مالك غيره من الثقات في قوله : عمر بن عثمان بضم العين ، وذكر مسلم في التمييز أن كل من رواه من أصحاب الزهري قال : بفتحها ، وأن مالكا وهم في ذلك .

        قال العراقي : وفي هذا التمثيل نظر : لأن الحديث ليس بمنكر ، ولم يطلق عليه أحد اسم النكارة فيما رأيت ، وغايته أن يكون السند منكرا ، أو شاذا لمخالفة الثقات لمالك في ذلك ، ولا يلزم من شذوذ السند ونكارته وجود ذلك الوصف في المتن ، وقد ذكر ابن الصلاح في نوع المعلل ، أن العلة الواقعة في السند قد تقدح في المتن ، وقد لا تقدح ، كما سيأتي .

        قال فالمثال الصحيح لهذا القسم : ما رواه أصحاب السنن الأربعة من رواية همام بن يحيى ، عن ابن جريج ، عن الزهري ، عن أنس ، قال : " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل الخلاء وضع خاتمه " ، قال أبو داود بعد تخريجه : هذا حديث منكر ، وإنما [ ص: 278 ] يعرف ، عن ابن جريج ، عن زياد بن سعد ، عن الزهري ، عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اتخذ خاتما من ورق ، ثم ألقاه .

        قال : والوهم فيه من همام ، ولم يروه إلا همام .

        وقال النسائي بعد تخريجه : هذا حديث غير محفوظ .

        فهمام بن يحيى ثقة احتج به أهل الصحيح ، ولكنه خالف الناس ، فروى عن ابن جريج هذا المتن بهذا السند ، وإنما روى الناس عن ابن جريج الحديث الذي أشار إليه أبو داود ، فلهذا حكم عليه بالنكارة .

        ومثال الثاني : وهو الفرد الذي ليس في رواته من الثقة ، والإتقان ما يحتمل معه تفرده ، ما رواه النسائي وابن ماجه من رواية أبي زكير يحيى بن محمد بن قيس ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، مرفوعا . كلوا البلح بالتمر فإن ابن آدم إذا أكله غضب الشيطان ، الحديث .

        قال النسائي : هذا حديث منكر .

        تفرد به أبو زكير ، وهو شيخ صالح ، أخرج له مسلم في المتابعات غير أنه لم يبلغ مبلغ من يحتمل تفرده ، بل قد أطلق عليه الأئمة القول بالتضعيف ، فقال ابن [ ص: 279 ] معين : ضعيف ، وقال ابن حبان : لا يحتج به ، وقال العقيلي : لا يتابع على حديثه ، وأورد له ابن عدي أربعة أحاديث مناكير .



        تنبيهات

        الأول : قد علم مما تقدم ، بل من صريح كلام ابن الصلاح ، أن الشاذ والمنكر بمعنى .

        وقال شيخ الإسلام : إن الشاذ ، والمنكر يجتمعان في اشتراط المخالفة ، ويفترقان في أن الشاذ رواية ثقة أو صدوق ، والمنكر رواية ضعيف .

        قال : وقد غفل من سوى بينهما .

        ثم مثل المنكر بما رواه ابن أبي حاتم من طريق حبيب - بضم الحاء المهملة ، وتشديد التحتية بين موحدتين ، أولاهما مفتوحة - ابن حبيب - بفتح المهملة بوزن كريم - أخي حمزة الزيات ، عن أبي إسحاق ، عن العيزار بن حريث ، عن ابن [ ص: 280 ] عباس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من أقام الصلاة ، وآتى الزكاة ، وحج ، وصام ، وقرى الضيف دخل الجنة .

        قال أبو حاتم : هو منكر ; لأن غيره من الثقات رواه عن أبي إسحاق موقوفا ، وهو المعروف .

        وحينئذ فالحديث الذي لا مخالفة فيه ، وراويه متهم بالكذب ، بأن لا يروى إلا من جهته ، وهو مخالف للقواعد المعلومة ، أو عرف به في غير الحديث النبوي ، أو كثير الغلط أو الفسق أو الغفلة يسمى المتروك ، وهو نوع مستقل ذكره شيخ الإسلام .

        كحديث صدقة الدقيقي ، عن فرقد ، عن مرة ، عن أبي بكر ، وحديث عمرو بن شمر ، عن جابر الجعفي ، عن الحارث ، عن علي .

        الثاني : عبارة شيخ الإسلام في " النخبة " : فإن خولف الراوي بأرجح ، فالراجح يقال له : المحفوظ ، ومقابله ، يقال له : الشاذ .

        وإن وقعت المخالفة مع الضعف ، فالراجح يقال له : المعروف ، ومقابله يقال له : المنكر ، وقد علمت من ذلك تفسير المحفوظ والمعروف ، وهما من الأنواع التي أهملها ابن الصلاح والمصنف ، وحقهما أن يذكرا ، كما ذكر المتصل مع ما يقابله من المرسل والمنقطع والمعضل .

        [ ص: 281 ] الثالث : وقع في عبارتهم : أنكر ما رواه فلان كذا ، وإن لم يكن ذلك الحديث ضعيفا ، وقال ابن عدي أنكر ما روى يزيد بن عبد الله بن أبي بردة : " إذا أراد الله بأمة خيرا قبض نبيها قبلها " .

        قال : وهذا طريق حسن رواته ثقات ، وقد أدخله قوم في صحاحهم . انتهى . والحديث في " صحيح مسلم " .

        وقال الذهبي : أنكر ما للوليد بن مسلم من الأحاديث حديث حفظ القرآن ، وهو عند الترمذي وحسنه ، وصححه الحاكم على شرط الشيخين .




        الخدمات العلمية