الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
        صفحة جزء
        [ ص: 440 ] الرابع : إذا نسخ السامع أو المسمع حال القراءة . فقال إبراهيم الحربي وابن عدي والأستاذ أبو إسحاق الإسفرايني الشافعي : لا يصح السماع . وصححه الحافظ موسى بن هارون الحمال وآخرون وقال أبو بكر الصبغي الشافعي : يقول حضرت ولا يقول أخبرنا ، والصحيح التفصيل ، فإن فهم المقروء صح وإلا لم يصح .

        ويجري هذا الخلاف فيما إذا تحدث الشيخ أو السامع أو أفرط القارئ في الإسراع أو هينم القارئ أو بعد بحيث لا يفهم ، والظاهر أنه يعفى عن نحو الكلمتين ، ويستحب للشيخ أن يجيز للسامعين رواية ذلك الكتاب وإن كتب لأحدهم : كتب ، سمعه مني وأجزت له روايته ، كذا فعل بعضهم ولو عظم مجلس المملي فبلغ عنه المستملي فذهب جماعة من المتقدمين وغيرهم إلى أنه يجوز لمن سمع المستملي أن يروي ذلك عن المملي ، والصواب الذي قاله المحققون أنه لا يجوز ذلك .

        وقال أحمد في الحرف يدغمه الشيخ فلا يفهم وهو معروف : أرجو أن لا تضيق روايته عنه ، وقال في الكلمة تستفهم من المستملي : إن كـانت مجتمعا عليها فلا بأس ، وعن خلف بن سالم منع ذلك .

        التالي السابق


        ( الرابع إذا نسخ السامع أو المسمع حال القراءة فقال إبراهيم ) بن إسحاق بن بشير ( الحربي الشافعي و ) الحافظ أبو أحمد ( ابن عدي والأستاذ أبو إسحاق الإسفرايني الشافعي ) وغير واحد من الأئمة ( لا يصح السماع ) مطلقا .

        نقله الخطيب في " الكفاية " عنه ، وزاد عن أبي الحسين بن سمعون ، ( وصححه ) أي السماع ( الحافظ موسى بن هارون الحمال وآخرون ) مطلقا ، [ ص: 441 ] وقد كتب أبو حاتم السماع عند عارم وكتب عبد الله بن المبارك وهو يقرأ عليه .

        ( وقال أبو بكر ) أحمد بن إسحاق ( الصبغي الشافعي يقول ) في الأداء ( حضرت ولا يقول ) حدثنا ولا ( أخبرنا والصحيح التفصيل فإن فهم ) الناسخ ( المقروء صح ) السماع ( وإلا ) أي وإن لم يفهمه ( لم يصح ) ، وقد حضر الدارقطني بمجلس إسماعيل الصفار فجلس ينسخ جزءا كان معه وإسماعيل يملي ، فقال له بعض الحاضرين لا يصح سماعك وأنت تنسخ ، فقال فهمي للإملاء خلاف فهمك ، ثم قال : تحفظ كم أملى الشيخ من حديث إلى الآن ؟ فقال : لا ، فقال الدارقطني أملى ثمانية عشر حديثا ، فعددت الأحاديث فوجدت كما قال ، ثم قال : الحديث الأول عن فلان عن فلان ومتنه كذا . والحديث الثاني عن فلان عن فلان ومتنه كذا ، ولم يزل يذكر أسانيد الأحاديث ومتونها على ترتيبها في الإملاء حتى أتى على آخرها ، فتعجب الناس منه .

        [ ص: 442 ] قلت ويشبه هذا ما روي عنه أيضا أنه كان يصلي والقارئ يقرأ عليه ، فمر حديث فيه نسير بن ذعلوق فقال القارئ بشير ، فسبح ، فقال يسير فتلا الدارقطني : ( ن والقلم ) ، وقال حمزة بن محمد بن طاهر : كنت عند الدارقطني ، وهو قائم يتنفل ، فقرأ عليه القارئ عمرو بن شعيب ، فقال عمرو بن سعيد فسبح الدارقطني ، فأعاده ووقف ، فتلا الدارقطني : ( ياشعيب أصلاتك تأمرك )

        ( ويجري هذا الخلاف ) والتفصيل ( فيما إذا تحدث الشيخ أو السامع أو أفرط القارئ في الإسراع ) بحيث يخفى بعض الكلام ( أو هينم القارئ ) أي أخفى صوته ( أو بعد ) السامع ( بحيث لا يفهم ) المقروء ( والظاهر أنه يعفى ) في ذلك ( عن ) القدر اليسير الذي لا يخل عدم سماعه بفهم الباقي ( نحو ) الكلمة و ( الكلمتين .

        ويستحب للشيخ أن يجيز للسامعين رواية ذلك الكتاب ) أو الجزء الذي سمعوه وإن شمله السماع ، لاحتمال وقوع شيء مما تقدم من الحديث ، والعجلة والهينمة ، فينجبر بذلك .

        [ ص: 443 ] ( وإن كتب ) الشيخ ( لأحدهم كتب سمعه مني وأجزت له روايته كذا فعل بعضهم ) قال ابن عتاب الأندلسي : لا غنى في السماع عن الإجازة ، لأنه قد يغلط القارئ ويغفل الشيخ أو السامعون فينجبر ذلك بالإجازة ، وينبغي لكاتب الطباق أن يكتب إجازة الشيخ عقب كتابة السماع .

        قال العراقي : ويقال إن أول من فعل ذلك أبو طاهر إسماعيل بن عبد المحسن الأنماطي ، فجزاه الله خيرا في سنه ذلك لأهل الحديث ، فلقد حصل به نفع كبير ، ولقد انقطع بسبب ترك ذلك وإهماله اتصال بعض الكتب في بعض البلاد ، بسبب كون بعضهم كان له فوت ولم يذكر في طبقة السماع إجازة الشيخ لهم ، فاتفق أن كان بعض المفوتين آخر من بقي ممن سمع بعض ذلك الكتاب ، فتعذر قراءة جميع الكتاب عليه ، كأبي الحسن بن الصواف الشاطبي راوي غالب النسائي عن ابن باقا .

        ( ولو عظم مجلس المملي فبلغ عنه المستملي فذهب جماعة من المتقدمين وغيرهم إلى أنه يجوز لمن سمع المستملي أن يروي ذلك عن المملي ) [ ص: 444 ] فعن ابن عيينة أنه قال له أبو مسلم المستملي : إن الناس كثير لا يسمعون ، قال أسمعهم أنت ، وقال الأعمش : كنا نجلس إلى إبراهيم النخعي . مع الحلقة فربما يحدث بالحديث فلا يسمعه من تنحى عنه . فيسأل بعضهم بعضا عما قال . ثم يروونه وما سمعوه منه .

        وعن حماد بن زيد أنه قال لمن استفهمه كيف قلت ؟ قال : استفهم من يليك ، قال ابن الصلاح : وهذا تساهل ممن فعله ( والصواب الذي قاله المحققون أنه لا يجوز ذلك ) .

        وقال العراقي : الأول هو الذي عليه العمل ، لأن المستملي في حكم من يقرأ على الشيخ ، ويعرض حديثه عليه ، ولكن يشترط أن يسمع الشيخ المملي لفظ المستملي ، كالقارئ عليه ، والأحوط أن يبين حالة الأداء أن سماعه لذلك أو لبعض الألفاظ من المستملي ، كما فعله ابن خزيمة وغيره ، بأن يقول أنا بتبليغ فلان .

        وقد ثبت في الصحيحين عن جابر بن سمرة : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " يكون [ ص: 445 ] اثنا عشر أميرا " فقال كلمة لم أسمعها ، فسألت أبي فقال : " كلهم من قريش " ، وقد أخرجه مسلم عنه كاملا من غير أن يفصل جابر الكلمة التي استفهمها من أبيه .

        ( وقال أحمد ) بن حنبل ( في الحرف الذي يدغمه الشيخ فلا يفهم ) عنه ( وهو معروف : أرجو أن لا تضيق روايته عنه .

        وقال في الكلمة تستفهم من المستملي إن كانت مجتمعا عليها فلا بأس ) بروايتها عنه ( وعن خلف بن سالم ) المخرمي ( منع ذلك ) فإنه قال : سمعت ابن عيينة يقول : نا عمرو بن دينار ، يريد حدثنا ، فإذا قيل له : قل حدثنا ، قال : لا أقول ، لأني لم أسمع من قوله حدثنا ثلاثة أحرف لكثرة الزحام وهي " ح د ث " .

        [ ص: 446 ] وقال خلف بن تميم : سمعت من الثوري عشرة آلاف حديث أو نحوها ، فكنت أستفهم جليسي ، فقلت لزائدة ، فقال : لا تحدث منها إلا بما حفظ قلبك وسمع أذنك .

        [ قال ] : فألقيتها .




        الخدمات العلمية