الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                                        نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية

                                                                                                        الزيلعي - جمال الدين عبد الله بن يوسف الزيلعي

                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 249 ] قال : ( وإذا قتل المحرم صيدا أو دل عليه من قتله فعليه الجزاء ) أما القتل فلقوله تعالى : { لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم ومن قتله منكم متعمدا فجزاء }الآية نص على إيجاب الجزاء ، وأما الدلالة ففيها خلاف الشافعي رحمه الله . [ ص: 250 ] هو يقول : الجزاء تعلق بالقتل والدلالة ليست بقتل فأشبه دلالة الحلال حلالا . [ ص: 251 ] ولنا ما روينا من حديث أبي قتادة رضي الله عنه . وقال عطاء رحمه الله : أجمع الناس على أن على الدال الجزاء ، ولأن الدلالة من محظورات الإحرام ، ولأنه تفويت الأمن على الصيد إذ هو آمن بتوحشه وتواريه فصار كالإتلاف ولأن المحرم بإحرامه التزم الامتناع عن التعرض فيضمن بترك ما التزمه كالمودع ، بخلاف الحلال ; لأنه لا التزام من جهته ، على أن فيه الجزاء على ما روي عن أبي يوسف وزفر رحمهما الله ، والدلالة الموجبة للجزاء أن لا يكون المدلول عالما بمكان الصيد وأن يصدقه في الدلالة حتى لو كذبه وصدق غيره لا ضمان على المكذب ( ولو كان الدال حلالا في الحرم لم يكن عليه شيء ) لما قلنا ( وسواء في ذلك العامد والناسي ) ; لأنه ضمان يعتمد وجوبه الإتلاف فأشبه غرامات الأموال ( والمبتدئ والعائد سواء ) ; لأن الموجب لا يختلف ( والجزاء عند أبي حنيفة وأبي يوسف أن يقوم الصيد في المكان الذي قتل فيه أن في أقرب المواضع منه إذا كان في برية فيقومه ذوا عدل ، ثم هو مخير في الفداء إن شاء ابتاع بها هديا وذبحه إن بلغت هديا ، وإن شاء اشترى بها طعاما وتصدق على كل مسكين نصف صاع من بر أو صاعا من تمر وشعير وإن شاء صام ) [ ص: 252 ] على ما نذكر . وقال محمد والشافعي : يجب في الصيد النظير فيما له نظير ففي الظبي شاة وفي الضبع شاة وفي الأرنب عناق وفي اليربوع جفرة وفي النعامة بدنة وفي حمار الوحش بقرة لقوله تعالى: { فجزاء مثل ما قتل من النعم } ، ومثله من النعم ما يشبه المقتول صورة ; لأن القيمة لا تكون نعما والصحابة [ ص: 253 ] رضي الله عنهم أوجبوا النظير من حيث الخلقة والمنظر في النعامة والظبي وحمار [ ص: 254 ] الوحش والأرنب على ما بينا . وقال عليه الصلاة والسلام { الضبع صيد وفيه الشاة }وما ليس له نظير عند محمد تجب فيه القيمة مثل العصفور والحمام وأشباههما ، وإذا وجبت القيمة كان قوله كقولهما ، والشافعي رحمه الله تعالىيوجب في الحمامة شاة ويثبت المشابهة بينهما من حيث إن كل واحد منهما يغب ويهدر ، ولأبي حنيفة وأبي يوسف أن المثل المطلق هو المثل صورة ومعنى ولا يمكن الحمل عليه فحمل على المثل معنى لكونه معهودا في الشرع كما في حقوق العباد ، أو لكونه مرادا بالإجماع أو لما فيه من التعميم ، وفي ضده التخصيص ، والمراد بالنص والله أعلم .

                                                                                                        فجزاء قيمة ما قتل من النعم الوحشي ، واسم النعم يطلق على الوحشي والأهلي . كذا قاله أبو عبيدة والأصمعي رحمهما الله ، والمراد بما روي التقرير به دون إيجاب المعين ، ثم الخيار إلى القاتل في أن يجعله هديا أو طعاما أو صوما عند أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله ، وقال محمد والشافعي رحمهما الله: الخيار إلى الحكمين في ذلك فإن حكما بالهدي يجب النظير على ما ذكرنا وإن حكما بالطعام أو بالصيام فعلى ما قال أبو حنيفة وأبو يوسف ، لهما أن التخيير شرع رفقا بمن عليه فيكون الخيار إليه كما في كفارة اليمين ، ولمحمد والشافعي قوله تعالى: { يحكم به ذوا عدل منكم هديا }الآية ، ذكر الهدي منصوبا ; لأنه تفسير لقوله { يحكم به }أو مفعول لحكم الحكم ، ثم ذكر الطعام والصيام بكلمة " أو " فيكون الخيار إليهما ، قلنا : الكفارة عطفت على الجزاء لا على [ ص: 255 ] الهدي بدليل أنه مرفوع ، وكذا قوله تعالى: { أو عدل ذلك صياما }مرفوع فلم يكن فيها دلالة اختيار الحكمين ، وإنما يرجع إليهما في تقديم المتلف ثم الاختيار بعد ذلك إلى من عليه ( ويقومان في المكان الذي أصابه ) لاختلاف القيم باختلاف الأماكن ، فإن كان الموضع برا لا يباع فيه الصيد يعتبر أقرب المواضع إليه مما يباع فيه ويشترى . قالوا : الواحد يكفي والمثنى أولى ; لأنه أحوط وأبعد عن الغلط كما في حقوق العباد ، وقيل يعتبر المثنى هاهنا بالنص

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث التاسع : حديث أبي قتادة ، هل أشرتم ، هل دللتم ، تقدم في " الإحرام " . قوله : وقال عطاء : أجمع الناس على أن على الدال الجزاء ; قلت : غريب ، وعطاء هذا كأن ابن أبي رباح صرح به في " المبسوط " وغيره ; وذكره ابن قدامة في " المغني " [ ص: 252 ] عن علي ، وابن عباس ; وقال الطحاوي : هو مروي عن عدة من الصحابة رضي الله عنهم ، ولم يرو عنهم خلافه ، فكان إجماعا انتهى .

                                                                                                        قوله : والصحابة أوجبوا النظير من حيث الخلفة ; قلت : روى مالك في " الموطأ " أخبرنا أبو الزبير عن جابر أن عمر قضى في الضبع بكبش ، وفي الغزال بعنز ، وفي الأرنب بعناق ، وفي اليربوع بجفرة انتهى . وعن مالك رواه الشافعي في " مسنده " ، وعبد الرزاق في " مصنفه " .

                                                                                                        أثر آخر : رواه الشافعي ، وفي جهته البيهقي في " سننه " عن سعيد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء الخراساني أن عمر ، وعثمان ، وعليا ، وزيد بن ثابت ، وابن عباس ، ومعاوية رضي الله عنهم قالوا في النعامة يقتلها المحرم : بدنة من الإبل انتهى .

                                                                                                        قال الشافعي : وإنما نقول : إن في النعامة بدنة بالقياس لا بهذا الأثر ، فإن هذا الأثر غير ثابت عند أهل العلم بالحديث ; قال البيهقي : وسبب عدم ثبوته أن فيه ضعفا وانقطاعا ، وذلك ; لأن عطاء الخراساني ولد سنة خمسين ، قاله ابن معين ، وغيره ، فلم يدرك عمر ، ولا عثمان ، ولا عليا ، ولا زيدا ، وكان في زمن معاوية صبيا ، ولم يثبت له سماع من ابن عباس مع احتماله ، فإن ابن عباس توفي في سنة ثمان وستين ، وعطاء الخراساني مع انقطاع حديثه هذا متكلم فيه انتهى .

                                                                                                        ورواه عبد الرزاق ، وابن أبي شيبة في " مصنفيهما " أخبرنا ابن جريج به .

                                                                                                        أثر آخر : روى الشافعي في " مسنده " ، وعبد الرزاق في " مصنفه " قالا : أخبرنا ابن عيينة عن عبد الكريم الجزري عن أبي عبيدة عن أبيه عبد الله بن مسعود أنه قضى في اليربوع بجفرة انتهى . [ ص: 253 ]

                                                                                                        أثر آخر : رواه عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا إسرائيل ، أو غيره عن أبي إسحاق عن الضحاك بن مزاحم عن ابن مسعود ، قال : في بقرة الوحش ، بقرة انتهى .

                                                                                                        أثر آخر : روى عبد الرزاق ثنا هشيم عن منصور عن ابن سيرين أن عمر أمر محرما أصاب ظبيا بذبح شاة عفراء انتهى .

                                                                                                        أثر آخر : روى إبراهيم الحربي في " كتاب غريب الحديث " حدثنا عبد الله بن صالح ثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، قال : في اليربوع حمل انتهى . ثم نقل عن الأصمعي أن الحمل ولد الضأن الذكر انتهى .

                                                                                                        أثر آخر : روى ابن سعد في " الطبقات " أخبرنا عبيد الله بن موسى ثنا إسرائيل عن منصور عن أبي وائل عن جرير البجلي ، قال : خرجنا مهلين فوجدنا أعرابيا معه ظبي ، فابتعته منه ، فذبحته ، وأنا ناس لإهلالي ، فأتيت عمر بن الخطاب ، فأخبرته ، فقال : ائت بعض إخوانك فليحكموا عليك ، فأتيت عبد الرحمن بن عوف ، وسعيد بن مالك ، فحكما علي تيسا أعفر انتهى .

                                                                                                        أثر آخر : رواه مالك في " الموطأ " أخبرنا مالك عن عبد الملك بن قرير البصري عن محمد بن سيرين أن رجلا جاء إلى عمر بن الخطاب ، فقال له : إني أصبت ظبيا ، وأنا محرم ، فما ترى في ذلك ؟ فقال عمر لرجل إلى جنبه : تعالى حتى أحكم أنا وأنت . قال : فحكما عليه بعنز ، فولى الرجل وهو يقول : هذا أمير المؤمنين لا يستطيع أن يحكم في ظبي ، حتى دعا رجلا ، فحكم معه فلما سمعه عمر دعاه ، فقال له : هل تقرأ " سورة المائدة " ؟ قال : لا ، قال : لو أخبرتني أنك تقرؤها لأوجعتك ضربا ، إن الله يقول في كتابه : { يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة } ، فأنا عمر ، وهذا عبد الرحمن بن عوف انتهى .

                                                                                                        أثر آخر : أخرجه البيهقي عن ابن عباس ، قال : في حمامة الحرم شاة ، وفي بيضتين [ ص: 254 ] درهم ، وفي النعامة جزور ، وفي البقرة ، وفي الحمار بقرة .

                                                                                                        أثر آخر مرفوع : أخرجه الدارقطني في " سننه " عن محمد بن فضيل ، وسعيد بن عثمان عن الأجلح عن أبي الزبير عن جابر عن النبي عليه السلام ، قال { في الضبع إذا أصابه المحرم كبش ، وفي الظبي شاة ، وفي الأرنب عناق . وفي اليربوع جفرة }انتهى .

                                                                                                        الحديث العاشر : قال النبي عليه السلام : " { الضبع صيد ، وفيه شاة }; قلت : أخرجه [ ص: 255 ] أصحاب السنن الأربعة عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن عبد الرحمن بن أبي حماد { عن [ ص: 256 ] جابر بن عبد الله ، قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الضبع أصيد هي ؟ قال : نعم ، ويجعل فيه كبش إذا صاده المحرم }انتهى . بلفظ أبي داود ، وليس عند الباقين : ويجعل فيه كبش ; قال الترمذي : حديث حسن صحيح ، وقال في " علله الكبرى " : قال البخاري : حديث صحيح انتهى .

                                                                                                        أخرجه أبو داود في " الأطعمة " ، والباقون في " الحج " ، ورواه أحمد في " مسنده " ، وابن حبان في " صحيحه " في النوع الخامس والستين ، من القسم الثالث ، والحاكم في " المستدرك " ، وقال : على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه ، ورواه الدارقطني ، ثم البيهقي في " سننيهما " ، وأخرجه الدارقطني أيضا عن عطاء عن جابر ، فذكره ، وزاد فيه : كبش مسن ، وضعف عبد الحق هذه الزيادة ، قال ابن القطان : وإنما ضعفها ; لأن في السند إسحاق بن إسرائيل شيخ شيخ الدارقطني ، وقد ترك حديثه جماعة ، ورفضوه برأي كان فيه انتهى .

                                                                                                        رواه الحاكم في " المستدرك " بهذه الزيادة ، وليس فيه إسحاق بن إسرائيل ، أخرجه عن محمد بن أبي يعقوب ثنا حسان بن إبراهيم ثنا إبراهيم الصائغ عن عطاء عن جابر بن عبد الله ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { الضبع صيد ، فإذا أصابه المحرم ففيه كبش مسن ، ويؤكل }انتهى .

                                                                                                        وقال : حديث صحيح ، ولم يخرجاه ، وينبغي أن لا يعزى هذا الحديث هنا إلا لأبي داود فقط ، ويعزى للباقين في " كتاب الذبائح " فإن في ألفاظهم : قلت : آكلها ؟ قال : نعم ، وليس هذا عند أبي داود ، وتفرد [ ص: 257 ] أبو داود بذكر الكبش : هذا تحريره ، وينبغي أن يراجع ابن حبان ، والحاكم




                                                                                                        الخدمات العلمية