الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 218 ] باب قطع الطريق

                                                                                                        قال : ( وإذا خرج جماعة ممتنعين أو واحد يقدر على الامتناع فقصدوا قطع الطريق فأخذوا قبل أن يأخذوا مالا ويقتلوا نفسا حبسهم الإمام حتى يحدثوا توبة ، وإن أخذوا مال مسلم أو ذمي ، والمأخوذ إذا قسم على جماعتهم أصاب كل واحد منهم عشرة دراهم فصاعدا أو ما تبلغ قيمته ذلك قطع الإمام أيديهم وأرجلهم من خلاف ; وإن قتلوا ولم يأخذوا مالا قتلهم الإمام حدا ) والأصل فيه قوله تعالى: { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله }الآية .

                                                                                                        والمراد منه والله أعلم : التوزيع على الأحوال ، وهي أربعة : هذه الثلاثة المذكورة ، والرابعة نذكرها إن شاء الله تعالى ولأن الجنايات تتفاوت على الأحوال فاللائق تغلظ الحكم بتغلظها .

                                                                                                        أما الحبس في الأولى فلأنه المراد بالنفي المذكور لأنه نفي عن وجه الأرض بدفع شرهم عن أهلها ويعزرون أيضا لمباشرتهم منكرا لإخافة ، وشرط القدرة على الامتناع لأن المحاربة لا تتحقق إلا بالمنعة ، والحالة الثانية كما بيناها لما تلوناه ، وشرط أن يكون المأخوذ مال مسلم أو ذمي لتكون العصمة مؤبدة ، ولهذا لو قطع الطريق على المستأمن لا يجب القطع ، وشرط كمال النصاب في حق كل واحد كي لا يستباح طرفه إلا بتناوله ما له خطر ، والمراد قطع اليد اليمنى والرجل اليسرى كي لا يؤدي إلى تفويت جنس المنفعة .

                                                                                                        والحالة الثالثة كما بيناها لما تلوناه ( ويقتلون حدا حتى لو عفا الأولياء عنهم لا يلتفت إلى عفوهم ) لأنه حق الشرع ( و ) الرابعة ( إذا قتلوا وأخذوا المال فالإمام بالخيار إن شاء قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وقتلهم وصلبهم وإن شاء قتلهم وإن شاء صلبهم . وقال محمد رحمه الله : يقتل أو يصلب ولا يقطع )

                                                                                                        لأنه جناية واحدة فلا توجب حدين ، ولأن ما دون النفس يدخل في النفس في باب الحد كحد السرقة والرجم ولهما : أن هذه عقوبة واحدة تغلظت لغلظ سببها وهو تفويت الأمن على التناهي بالقتل وأخذ المال ، ولهذا كان قطع اليد والرجل معا في الكبرى حدا واحدا وإن كانا في الصغرى حدين والتداخل في الحدود لا في حد واحد ، ثم ذكر في الكتاب التخيير بين الصلب وتركه وهو ظاهر الرواية .

                                                                                                        وعن أبي يوسف [ ص: 219 ] رحمه الله أنه لا يتركه لأنه منصوص عليه والمقصود التشهير ليعتبر به غيره ، ونحن نقول : أصل التشهير بالقتل والمبالغة بالصلب فيخير فيه .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الخدمات العلمية