الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        ( فإن ظهر عليها المسلمون فوجدها المالكون قبل القسمة فهي لهم بغير شيء ، وإن وجدوها بعد القسمة أخذوها بالقيمة إن أحبوا ) لقوله عليه الصلاة والسلام فيه : { إن [ ص: 304 ] وجدته قبل القسمة فهو لك بغير شيء ، وإن وجدته بعد القسمة فهو لك بالقيمة } ، ولأن المالك القديم زال ملكه بغير رضاه فكان له حق الأخذ نظرا له إلا أن في الأخذ بعد القسمة ضررا بالمأخوذ منه بإزالة ملكه الخاص فيأخذه بالقيمة ليعتدل النظر من الجانبين ، والشركة قبل القسمة عامة فيقل الضرر فيأخذه بغير قيمة .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث الأول : قال عليه السلام : { إن وجدته قبل القسمة فهو لك بغير شيء ، وإن وجدته بعد القسمة فهو لك بالقيمة }; قلت : أخرج الدارقطني ، ثم البيهقي في " سننيهما " عن الحسن بن عمارة عن عبد الملك بن ميسرة عن طاوس عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { فيما أحرز العدو فاستنقذه المسلمون منهم ، إن وجده صاحبه قبل أن يقسم فهو أحق به ، وإن وجده قد قسم ، فإن شاء أخذه بالثمن }انتهى . قال : والحسن بن عمارة متروك ، انتهى .

                                                                                                        [ ص: 304 ] حديث آخر } : أخرج الطبراني في " معجمه " عن ياسين الزيات عن سماك بن حرب عن تميم بن طرفة عن جابر بن سمرة ، قال : { أصاب العدو ناقة رجل من بني سليم ، ثم اشتراها رجل من المسلمين ، فعرفها صاحبها ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره ، فأمره عليه السلام أن يأخذها بالثمن الذي اشتراها به صاحبها من العدو ، وإلا يخلي بينه وبينها }انتهى .

                                                                                                        ورواه أبو داود في " مراسيله " عن تميم بن طرفة ، قال : { وجد رجل مع رجل ناقة له ، فارتفعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأقام البينة أنها ناقته ، وأقام الآخر البينة أنه اشتراها من العدو ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن شئت أن تأخذها بالثمن الذي اشتراها به ، فأنت أحق بها ، وإلا فخل عن ناقته }انتهى .

                                                                                                        وذكره عبد الحق في " أحكامه " من جهة أبي داود ، ثم قال : وقد أسند هذا الحديث من رواية ياسين الزيات عن سماك بن حرب عن تميم بن طرفة عن جابر بن سمرة ، وياسين ضعيف ، انتهى . قال ابن القطان في " كتابه " : وهكذا قال ابن حزم ، ولست أعرف هذا السند ، والله أعلم انتهى .

                                                                                                        [ ص: 305 ] حديث آخر } : أخرجه الدارقطني في " سننه " عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه عبد الله بن عمر ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { من وجد ماله في الفيء قبل أن يقسم فهو له ، ومن وجده بعدما قسم فليس له شيء }انتهى .

                                                                                                        قال الدارقطني : وإسحاق هذا متروك انتهى . ثم أخرجه عن رشدين عن يونس عن الزهري عن سالم عن أبيه مرفوعا ، نحوه ; وقال : رشدين ضعيف ، وأخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " عن ياسين الزيات عن الزهري عن سالم عن أبيه مرفوعا : { من أدرك ماله في الفيء قبل أن يقسم ، فهو له ، وإن أدركه بعد أن يقسم ، فهو [ ص: 306 ] أحق بالثمن }انتهى .

                                                                                                        ورواه ابن عدي في " كتاب الكامل " ، وضعف ياسين الزيات عن البخاري ، والنسائي ، وابن معين ، ووافقهم ، وقال : عامة أحاديثه غير محفوظة انتهى .

                                                                                                        واعلم أن شطر الحديث في " البخاري " أخرجه عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر ، قال : { ذهب فرس له ، فأخذه العدو ، فظهر عليهم المسلمون ، فرده عليه في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبق عبد له ، فلحق بالروم ، فظهر عليهم المسلمون فرده عليه خالد بن الوليد بعد النبي صلى الله عليه وسلم }انتهى .

                                                                                                        ورواه مالك في " الموطإ " عن نافع به ، وزاد فيه : { وذلك قبل أن يصيبهما المقاسم }انتهى .

                                                                                                        وعجيب من عبد الحق كيف ذكر هذا الحديث ، وقال : إن البخاري لم يصل سنده به ، والبخاري ذكره منقطعا ، ثم وصله ، وهذا لفظه ، قال : " باب إذا غنم المشركون مال المسلم ، ثم وجده المسلم " . قال ابن نمير : حدثنا عبيد الله عن نافع عن ابن عمر ، قال : ذهب فرس له ، فأخذه العدو ، إلى آخر اللفظ المتقدم ، ثم قال : حدثنا محمد بن بشار ثنا يحيى عن عبيد الله أخبرني نافع أن عبدا لابن عمر أبق ، [ ص: 307 ] فلحق بالروم ، فظهر عليه خالد بن الوليد ، فرده على عبد الله ، وأن فرسا لابن عمر عاد ، فلحق بالروم ، فظهر عليه ، فرده على عبد الله انتهى . فترك الحديث المتصل ، وذكر المنقطع ، وقال : لم يصل البخاري سنده به ، وينبغي أن يراجع فيه نسخة أخرى ، فإني لم أعتمد على النسخة ، وعلقت هنا لأتذكره ; والله أعلم .

                                                                                                        الآثار : أخرج الدارقطني في " سننه " عن قبيصة بن ذؤيب أن عمر بن الخطاب ، قال : ما أصاب المشركون من أموال المسلمين ، فظهر عليهم ، فرأى رجل متاعه بعينه ، فهو أحق به من غيره ، فإذا قسم ، ثم ظهروا عليه ، فلا شيء له إنما هو رجل منهم ، وفي رواية : هو أحق به من غيره بالثمن انتهى . قال الدارقطني : وهذا مرسل .

                                                                                                        أثر آخر : أخرج ابن أبي شيبة في " مصنفه " عن خلاس عن علي نحو ذلك ، ونقل عن ابن حزم أنه قال : رواية خلاس عن علي صحيحة ، قال البيهقي في " المعرفة " : قال الشافعي : وما احتج به عن تميم بن طرفة أن النبي صلى الله عليه وسلم حكم في رجل اشترى بعيرا قد أحرزه العدو أن صاحبه يأخذه بالثمن ، فتميم بن طرفة لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه ، والمرسل لا تثبت به حجة ، لأنه لا يدري عمن أخذه ، قال الشافعي : قال أبو يوسف : حدثنا الحسن بن عمارة عن الحكم بن عتيبة عن مقسم عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 308 ] { في عبد ، وبعير أحرزهما العدو ، ثم ظفر بهما ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحبهما : إن أصبتهما قبل القسمة فهما لك بغير شيء ، وإن أصبتهما بعد القسمة فهما لك بالقيمة }.

                                                                                                        قال البيهقي : هكذا وجدته عن أبي يوسف عن الحسن بن عمارة عن الحكم بن عتيبة ، ورواه غيره عن الحسن بن عمارة عن عبد الملك الزراد عن طاوس عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في بعير وجد ، وهذا حديث يعرف بالحسن بن عمارة ، وهو متروك لا يحتج به ; ورواه مسلمة بن علي عن عبد الملك ، وهو أيضا ضعيف ، وروي بإسناد آخر مجهول عن عبد الملك ، ولا يصح شيء من ذلك ، وروي من وجه آخر عن ابن عمر ، رواه إسحاق بن أبي فروة ، وياسين بن معاذ الزيات على اختلاف بينهما في لفظه ، وكلاهما متروك لا يحتج به ، وقال الشافعي : واحتجوا أيضا بأن عمر بن الخطاب قال : من أدرك ما أحرز العدو قبل أن يقسم فهو له ، وما قسم ، فلا حق له فيه إلا بالقيمة ، قال الشافعي : وهذا إنما روي عن الشعبي عن عمرو عن رجاء بن حيوة عن عمر مرسلا ، وكلاهما لم يدرك عمر ، ولا قارب ذلك ، قال البيهقي : وقد روي أيضا عن رجاء عن قبيصة بن ذؤيب عن عمر ، وهو أيضا مرسل ، وقد روي عن خلاس بن عمر عن علي نحوه ، قال : ورواية خلاس عن علي ضعيفة ، عند أهل العلم بالحديث ، يقولون : هي من كتاب ، وأنها منقطعة ، ويروون فيه عن زيد بن ثابت ، وإنما رواه ابن لهيعة بإسناده ، وابن لهيعة غير محتج به انتهى .




                                                                                                        الخدمات العلمية