الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 179 ] قال : ( ويكره اللعب بالشطرنج والنرد والأربعة عشر وكل لهو ) ; لأنه إن قامر بها فالميسر حرام بالنص ، وهو اسم لكل قمار ، وإن لم يقامر بها فهو عبث ولهو ; وقال عليه الصلاة والسلام : " { لهو المؤمن باطل إلا الثلاث تأديبه لفرسه ومناضلته عن قوسه وملاعبته مع أهله }" وقال بعض الناس : يباح اللعب بالشطرنج لما فيه من تشحيذ الخواطر وتذكية الأفهام ، وهو محكي عن الشافعي رحمه الله . [ ص: 180 - 181 ] لنا : قوله عليه الصلاة والسلام : " { من لعب بالشطرنج والنردشير فكأنما غمس يده في دم الخنزير }" . [ ص: 182 ] ولأنه نوع لعب يصد عن ذكر الله وعن الجمع والجماعات فيكون حراما لقوله عليه الصلاة والسلام : " { ما ألهاك عن ذكر الله فهو ميسر }" ثم إن قامر به تسقط عدالته ، وإن لم يقامر لا تسقط ; لأنه متأول فيه ، وكره أبو يوسف ومحمد التسليم عليهم تحذيرا لهم ، ولم ير أبو حنيفة رحمه الله به بأسا ليشغلهم عما هم فيه .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث الثالث والأربعون : قال عليه السلام : " { لهو المؤمن باطل ، إلا ثلاثا : تأديبه لفرسه ، ومناضلته عن قوسه ، وملاعبته مع أهله }" قلت : روي من حديث عقبة بن عامر الجهني ; ومن حديث جابر بن عبد الله ; ومن حديث أبي هريرة ; ومن حديث عمر بن الخطاب . فحديث عقبة : رواه أصحاب السنن الأربعة في " الجهاد " ، فأبو داود ، والنسائي عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر حدثني أبو سلام عن خالد بن زيد عن عقبة بن عامر ، والترمذي ، وابن ماجه عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلام عن عبد الله بن الأزرق عن عقبة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " { إن الله ليدخل بالسهم الواحد الثلاثة الجنة : صانعه يحتسب في صنعته الخير ، والرامي به ، ومنبله ، وارموا واركبوا ، وأن ترموا أحب إلي [ ص: 180 ] من أن تركبوا ، ليس من اللهو ثلاث : تأديب الرجل فرسه ، وملاعبته أهله ، ورميه بقوسه ونبله ، ومن ترك الرمي بعدما علمه ، فإنها نعمة تركها ، أو قال : كفرها }" انتهى . ولم يعزه المنذري في " مختصره " إلا للنسائي فقط ، وهذا مما يقوي أنه كان يقلد أصحاب " الأطراف " ، فإنه إذا كان يعزو مع الاختلاف في الصحابي ، فبالأولى أن يعزو مع الاختلاف في التابعي ، والله أعلم . وأما حديث جابر : فأخرجه النسائي في " عشرة النساء " من ثلاث طرق دائرة على عطاء بن أبي رباح ، قال : رأيت جابر بن عبد الله ، وجابر بن عمير الأنصاريين يرميان ، فمل أحدهما ، فقال الآخر : أكسلت ؟ قال : نعم ، فقال أحدهما للآخر : أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { كل شيء ليس من ذكر الله فهو لهو ، ولعب } ، وفي لفظ : { وهو سهو ولغو ، إلا أربعة : ملاعبة الرجل امرأته ، وتأديب الرجل فرسه ، ومشي الرجل بين الغرضين ، وتعلم الرجل السباحة }انتهى .

                                                                                                        ورواه إسحاق بن راهويه في " مسنده " حدثنا محمد بن سلمة الجزري عن أبي عبد الرحمن خالد بن أبي يزيد عن عبد الوهاب بن بخت المكي عن عطاء بن أبي رباح به ; ومن طريق إسحاق رواه الطبراني في " معجمه " ، وكذلك رواه البزار في " مسنده " ، وجعله من مسند جابر بن عمير ، وكذلك ابن عساكر . وأما حديث أبي هريرة : فرواه الحاكم في " المستدرك في الجهاد " عن سويد بن عبد العزيز ثنا محمد بن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : كل شيء من لهو الدنيا باطل ، إلا ثلاثة : انتضالك بقوسك ، وتأديبك فرسك ، وملاعبتك أهلك ، فإنهن من الحق } ، مختصر . وقال : حديث صحيح على شرط مسلم انتهى .

                                                                                                        وتعقبه الذهبي في " مختصره " ، فقال : سويد بن عبد العزيز متروك ، انتهى .

                                                                                                        قال ابن أبي حاتم في " كتاب العلل " سألت أبي ، وأبا زرعة عن حديث رواه سويد بن عبد العزيز عن [ ص: 181 ] ابن عجلان عن سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ، فذكره ، فقالا : هذا خطأ ، وهم فيه سويد إنما هو عن ابن عجلان عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين ، قال : بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ، فذكره ; هكذا رواه الليث ، وحاتم بن إسماعيل ، وجماعة ، وهو الصحيح مرسلا ، قال أبي : ورواه ابن عيينة عن ابن أبي حسين عن رجل عن أبي الشعثاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو أيضا مرسل ، انتهى كلامه .

                                                                                                        وأما حديث عمر ، فرواه الطبراني في " معجمه الأوسط " من حديث المنذر بن زياد الطائي عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { كل لهو يكره ، إلا ملاعبة الرجل امرأته ، ومشيه بين الهدفين ، وتعليمه فرسه }انتهى .

                                                                                                        ورواه ابن حبان في " كتاب الضعفاء " ، وأعله بالمنذر ، وقال : إنه يقلب الأسانيد ، وينفرد بالمناكير عن المشاهير ، لا يحتج به إذا انفرد انتهى .

                                                                                                        الحديث الرابع والأربعون : قال عليه السلام : " { من لعب بالشطرنج ، والنردشير ، فكأنما غمس يده في دم خنزير }" ; قلت : غريب بهذا اللفظ ، والحديث في " مسلم " وليس فيه ذكر الشطرنج ، أخرجه عن سليمان بن بريدة عن أبيه بريدة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " { من لعب بالنردشير ، فكأنما صبغ يده في لحم خنزير ، ودمه }" ، انتهى . قال شيخنا أبو الحجاج المزي في " أطرافه " : أخرجه مسلم في " الأدب " ، ولم أجده إلا في كتاب الشعر .

                                                                                                        أحاديث الشطرنج : أخرج العقيلي في " ضعفائه " عن مطهر بن الهيثم ثنا شبل المصري عن عبد الرحمن بن معمر عن أبي هريرة ، قال : { مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوم يلعبون بالشطرنج ، فقال : ما هذه الكوبة ؟ ألم أنه عنها ؟ لعن الله من يلعب بها }انتهى .

                                                                                                        وأعله بمطهر بن الهيثم ، وقال : لا يصح حديثه ، وقال : وشبل ، وعبد الرحمن مجهولان انتهى .

                                                                                                        وذكره ابن حبان في " كتاب الضعفاء " ، وأعله بمطهر ، وقال : إنه منكر الحديث ، يروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : رواه ابن حبان في " كتاب الضعفاء " عن محمد بن الحجاج ثنا حزام بن يحيى [ ص: 182 ] عن مكحول عن واثلة بن الأسقع عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إن لله عز وجل في كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة ، لا ينظر فيها إلى صاحب الشاه يعني الشطرنج }انتهى . ثم قال : ومحمد بن الحجاج أبو عبد الله المصغر منكر الحديث جدا ، لا تحل الرواية عنه انتهى .

                                                                                                        ورواه ابن الجوزي في " العلل المتناهية " من طريق الدارقطني عن ابن حبان بسنده المذكور ، ثم قال : ومحمد بن الحجاج يقال له : أبو عبد الله المصغر ، قال الإمام أحمد : تركت حديثه ، وقال يحيى : ليس بثقة ، وقال مسلم ، والنسائي ، والدارقطني : متروك انتهى .

                                                                                                        الحديث الخامس والأربعون : قال عليه السلام : " { ما ألهاك عن ذكر الله فهو ميسر }" ; قلت : غريب مرفوعا ، ورواه أحمد في " كتاب الزهد " من قول القاسم بن محمد ، فقال : حدثنا ابن نمير ثنا حفص عن عبيد الله عن القاسم بن محمد ، قال : { كل ما ألهى عن ذكر الله ، وعن الصلاة فهو ميسر }انتهى .

                                                                                                        ورواه البيهقي في " شعب الإيمان " في الباب الحادي والأربعين ، أخبرنا أبو الحصين بن بشران ثنا الحسين بن صفوان ثنا عبد الله بن أبي الدنيا ثنا علي بن الجعد ثنا أبو معاوية عن عبد الله بن عمر أنه قال للقاسم بن محمد : هذه النرد تكرهونها ، فما بال الشطرنج ؟ قال : كل ما ألهى عن ذكر الله ، وعن الصلاة ، فهو الميسر انتهى




                                                                                                        الخدمات العلمية