الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        والثالث : أن عينها حرام غير معلول بالسكر ولا موقوف عليه ، ومن الناس من أنكر حرمة عينها وقال : إن السكر منها حرام ; لأن به يحصل [ ص: 221 ] الفساد وهو الصد عن ذكر الله وهذا كفر ; لأنه جحود الكتاب فإنه تعالى سماه [ ص: 222 ] رجسا ، والرجس ما هو محرم العين ، وقد جاءت السنة متواترة أن النبي عليه الصلاة والسلام حرم الخمر وعليه انعقد الإجماع ولأن قليله يدعو إلى كثيره ، وهذا من خواص الخمر ولهذا [ ص: 223 ] تزداد لشاربه اللذة بالاستكثار منه بخلاف سائر المطعومات ، ثم هو غير معلول [ ص: 224 ] عندنا حتى لا يتعدى حكمه إلى سائر المسكرات [ ص: 225 ] والشافعي رحمه الله يعديه إليها ، وهذا بعيد ; لأنه خلاف السنة المشهورة وتعليله لتعدية الاسم ، والتعليل في الأحكام لا في الأسماء .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        قوله : وقد جاءت السنة متواترة أن النبي صلى الله عليه وسلم حرم الخمر ، وعليه انعقد إجماع الأمة ; قلت : الأحاديث في تحريم الخمر : منها ما أخرجه البخاري ، ومسلم عن ثابت { عن أنس بن مالك ، قال : كنت ساقي القوم يوم حرمت الخمر في بيت أبي طلحة ، وما شرابهم إلا الفضيخ : البسر ، والتمر ، فإذا مناد ينادي ، فقال : اخرج ، فانظر ، فخرجت ، فإذا مناد ينادي : ألا إن الخمر قد حرمت ، قال : فجرت في سكك المدينة ، فقال لي أبو طلحة : اخرج فأهرقها ، فخرجت فهرقتها } ، قال ابن عبد البر في " التقصي " : هذا لا خلاف في أنه مرفوع ، وكذلك كل ما كان مثله ، مما شوهد فيه نزول القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم انتهى

                                                                                                        وفي لفظ للبخاري : { فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديا ينادي : ألا إن الخمر قد حرمت }ذكره في حديث آخر ، فأخرجه مسلم عن { عبد الرحمن بن وعلة ، قال : سألت ابن عباس عن بيع الخمر ، فقال : كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم صديق من ثقيف ، أو من دوس ، فلقيه يوم الفتح براوية خمر يهديها إليه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا فلان أما علمت أن الله حرمها ؟ فأقبل الرجل على غلامه ، فقال : اذهب فبعها ، فقال عليه السلام : يا فلان بماذا أمرته ؟ قال : أمرته أن يبيعها ، فقال : إن الذي حرم شربها حرم بيعها ، فأمر بها فأفرغت في البطحاء } ، انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه أحمد في " مسنده " عن عبد الله بن عمرو بن العاص { سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن الله تعالى حرم الخمر ، والميسر ، والكوبة ، والغبيراء }.

                                                                                                        [ ص: 223 ] حديث آخر } : أخرجه أحمد أيضا عن ابن عمر ، قال : { أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن آتيه بمدية ، قال : فأتيته بها ، فخرج بأصحابه إلى أسواق المدينة ، وفيها زقاق الخمر ، فشق ما كان من ذلك الزقاق بحضرته ، ثم أعطانيها ، وأمر أصحابه أن يمضوا معي ، ويعاونوني ، وأمرني أن آتي الأسواق كلها ، فلا أجد فيها زق خمر إلا شققته ، ففعلت ، فلم أترك في أسواقها زقا إلا شققته } ، ورواه البيهقي بقصة فيه ، وقال فيه : { ثم دعا بسكين ، فقال : اشحذوها ، ففعلوا ، ثم أخذها رسول الله فخرق بها الزقاق ، فقال الناس : في هذه الزقاق منفعة يا رسول الله قال : أجل ، ولكني إنما أفعل ذلك غضبا لله ، لما فيها من سخطه } ، وبقية السند حدثنا الحكم بن نافع ثنا أبو بكر بن أبي مريم عن ضمرة بن حبيب عن ابن عمر ، فذكره .

                                                                                                        { حديث آخر } :

                                                                                                        رواه أبو بكر بن أبي الدنيا في كتابه " ذم المسكر " عن محمد بن عبد الله بن بزيع عن الفضل بن سليمان النمري عن عمر بن سعيد عن الزهري حدثني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن أباه قال : سمعت عثمان بن عفان يقول : { سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث ، إنه كان رجل ممن خلا قبلكم يتعبد ، ويعتزل الناس ، فعلقته امرأة غوية ، فأرسلت إليه جاريتها ، فقالت : إنا ندعوك لشهادة ، فدخل معها ، فطفقت كلما دخل بابا أغلقته دونها ، حتى أفضى إلى امرأة وضيئة ، عندها غلام وباطية خمر ، فقالت : إني والله ما دعوتك لشهادة ، ولكن دعوتك لتقع علي ، أو تقتل هذا الغلام ، أو تشرب هذا الخمر . فسقته كأسا ، فقال : زيدوني ، فلم يبرح حتى وقع عليها ، وقتل النفس ، فاجتنبوا الخمر ، فإنها لا تجتمع هي والإيمان أبدا إلا أوشك أحدهما أن يخرج صاحبه }" انتهى

                                                                                                        وهذا الحديث رواه البيهقي في " سننه " موقوفا على عثمان ، وهو أصح

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه أبو يعلى الموصلي في " مسنده " عن جابر بن عبد الله ، قال : { كان رجل يحمل الخمر من خيبر إلى المدينة ، فيبيعها من المسلمين ، فحمل منها بمال ، فقدم المدينة ، فلقيه رجل من المسلمين ، فقال : يا فلان إن الخمر قد حرمت ، فوضعها حيث انتهى على تل ، وسجاها بأكسية ، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول [ ص: 224 ] الله بلغني أن الخمر قد حرمت ، قال : أجل ، قال : هل لي أن أردها على من ابتعتها منه ؟ قال : لا ، قال : أفأهديها إلى من يكافئني منها ؟ قال : لا ، قال : فإن فيها مالا ليتامى في حجري ، قال : إذا أتانا مال البحرين فأتنا ، نعوض أيتامك من مالهم ، ثم نادى بالمدينة ، فقال رجل : يا رسول الله الأوعية ينتفع بها ؟ قال : فحلوا أوكيتها ، فانصبت حتى استقرت في بطن الوادي }انتهى .

                                                                                                        وبقية السند : حدثنا جعفر بن حميد الكوفي ثنا يعقوب العمي عن عيسى بن جارية عن جابر ، فذكره .

                                                                                                        { حديث آخر } :

                                                                                                        حديث : لعن في الخمر عشرة ، تقدم في " الكراهية " بجميع طرقه .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه ابن ماجه في " سننه " عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مدمن خمر كعابد وثن }" انتهى .

                                                                                                        وفي " صحيح ابن حبان " عن ابن عباس نحوه ، وأخرجه البزار في " مسنده " عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا : { شارب الخمر كعابد الوثن }انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه ابن ماجه عن أبي الدرداء ، قال : { أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم لا تشرب الخمر ، فإنها مفتاح كل شر } ، انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } :

                                                                                                        أخرجه ابن ماجه أيضا عن خباب بن الأرت قال : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إياك والخمر ، فإن خطيئتها تفرع الخطايا ، كما أن شجرتها تفرع الشجر }انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } :

                                                                                                        أخرجه الترمذي عن ابن عمر ، قال : { قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من شرب الخمر لم تقبل له صلاة أربعين صباحا ، فإن تاب تاب الله عليه ، فإن عاد لم تقبل له صلاة أربعين صباحا ، فإن تاب تاب الله عليه ، فإن عاد لم تقبل له صلاة أربعين صباحا ، فإن تاب تاب الله عليه ، فإن عاد الرابعة لم تقبل له صلاة أربعين صباحا ، فإن [ ص: 225 ] تاب لم يتب الله عليه ، وسقاه من نهر الخبال . قيل : يا أبا عبد الرحمن ، وما نهر الخبال ؟ قال : نهر من صديد أهل النار }انتهى

                                                                                                        وقال : حديث حسن ، وعند أبي داود نحوه عن ابن عباس ، وعند ابن ماجه نحوه عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، وعند أحمد نحوه عن أسماء بنت يزيد . قوله : والشافعي يعديه إليها ، وهو بعيد ; لأنه خلاف السنة المشهورة ; قلت : كأنه يشير إلى حديث : حرمت الخمر لعينها ، وسيأتي قريبا إن شاء الله تعالى .




                                                                                                        الخدمات العلمية