الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 269 ] باب صلاة الكسوف قال : ( إذا انكسفت الشمس صلى الإمام بالناس ركعتين كهيئة النافلة في كل ركعة ركوع واحد ) وقال الشافعي : ركوعان ، له ما روت عائشة رضي الله عنها [ ص: 270 - 271 ] ولنا رواية ابن عمر رضي الله عنه ، والحال أكشف على الرجال لقربهم ، فكان الترجيح لروايته ( ويطول القراءة فيهما ، ويخفي عند أبي حنيفة ، وقالا : يجهر ) وعن محمد مثل قول أبي حنيفة . أما التطويل في القراءة فبيان الأفضل ، ويخفف إن شاء . [ ص: 272 - 276 ] لأن المسنون استيعاب الوقت بالصلاة والدعاء ، فإذا خفف أحدهما طول الآخر .

                                                                                                        وأما الإخفاء والجهر فلهما رواية عائشة أنه صلى الله عليه وسلم جهر فيها . [ ص: 277 ] ولأبي حنيفة رواية ابن عباس . [ ص: 278 ] وسمرة بن جندب رضي الله عنهم ، والترجيح قد مر من قبل ، كيف وأنها صلاة النهار وهي عجماء .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        باب صلاة الكسوف

                                                                                                        الحديث الأول : حديث عائشة : في كل ركعة ركوعان ، قلت : أخرجه الأئمة الستة في " كتبهم " عن عروة عن عائشة ، قالت : { خسفت الشمس في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المسجد ، فقام ، فكبر ، وصف الناس وراءه ، فاقترأ قراءة طويلة ، ثم كبر ، فركع ركوعا طويلا ، ثم رفع رأسه ، فقال : سمع الله لمن حمده ، ربنا ولك الحمد ، ثم قام ، فاقترأ قراءة طويلة ، هي أدنى من القراءة الأولى ، ثم كبر ، فركع ركوعا طويلا ، هو أدنى من الأول ، ثم قال : سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد . ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ذلك ، فاستكمل أربع ركعات وأربع سجدات ، وانجلت الشمس قبل أن ينصرف ، ثم قام فخطب الناس ، فأثنى على الله بما هو أهله ، ثم [ ص: 270 ] قال : إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله ، لا يخسفان لموت أحد ، ولا لحياته ، فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى الصلاة }. انتهى .

                                                                                                        أحاديث الباب { حديث آخر } : أخرجه البخاري ومسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس ، قال : { انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم } ، فذكر نحو حديث عائشة . وأخرجا نحوه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ولفظ مسلم فيه : عن أبي سلمة عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، قال : { لما انكسفت الشمس في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نودي : الصلاة جامعة ، فركع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين في سجدة ، ثم قام ، فركع ركعتين في سجدة ، ثم جلى عن الشمس ، فقالت عائشة : ما ركعت ركوعا ، ولا سجدت سجودا كان أطول منه قط }انتهى .

                                                                                                        وكذلك لفظ البخاري ، وانفرد مسلم بحديث جابر ، أخرجه عن أبي الزبير عنه ، قال : { كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم شديد الحر ، فصلى بأصحابه ، فأطال القيام ، حتى جعلوا يخرون ، ثم ركع ، فأطال ، ثم رفع ، فأطال ، ثم ركع ، فأطال ، ثم رفع ، فأطال ، ثم سجد سجدتين ، ثم قام فصنع نحوا من ذلك ، فكانت أربع ركعات ، وأربع سجدات } ، مختصر ، وانفرد البخاري بحديث أسماء ، مبينا فيه { الصلاة أربع ركعات ، وأربع سجدات } ، ورواه مسلم ، يبين فيه الصلاة .

                                                                                                        وأما حديث : " الثلاث ركعات في كل ركعة " ، فأخرجه مسلم عن عطاء عن جابر ، قال : { كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى ست ركعات ، بأربع سجدات } ، وأخرجه أيضا عن عائشة . نحوه ، وأخرجه مسلم عن طاوس عن ابن عباس ، { أنه عليه السلام صلى في الكسوف . فقرأ ، ثم ركع ، ثم قرأ ، ثم ركع ، ثم قرأ ، ثم ركع ، ثم سجد ، قال : والأخرى مثلها }. انتهى .

                                                                                                        وفي لفظ : { صلى ثمان ركعات في أربع سجدات }. وعن علي مثل ذلك . انتهى . لم يذكر لفظ حديث علي ، ولكنه أحال على ما قبله .

                                                                                                        وأما حديث : " الخمس ركعات في كل ركعة " ، فأخرجه أبو داود في " سننه " عن أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب { أن النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 271 ] صلى بهم في كسوف الشمس ، فقرأ سورة من الطوال ، وركع خمس ركعات ، وسجد سجدتين ، وفعل في الثانية مثل ذلك ، ثم جلس يدعو حتى تجلى كسوفها } ، وأبو جعفر الرازي عيسى بن عبد الله بن ماهان ، فيه مقال ، قال النووي في " الخلاصة " : لم يضعفه أبو داود ، وهو حديث في إسناده ضعف . انتهى كلامه .

                                                                                                        الحديث الثاني : حديث ابن عمر " في كل ركعة ركوع " ، قلت : لم أجده من رواية ابن عمر ، وإنما وجدناه عن ابن عمرو بن العاص ، ولعله تصحف على المصنف ، أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي في " الشمائل " عن عطاء بن السائب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو ، قال : { انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكد يركع ، ثم ركع ، فلم يكد يرفع ، ثم رفع ، فلم يكد يسجد ، ثم سجد ، فلم يكد يرفع ، ثم رفع ، فلم يكد يسجد ، ثم سجد ، فلم يكد يرفع ، ثم رفع ، وفعل في الركعة الأخرى مثل ذلك }. زاد النسائي : { من القيام والركوع والسجود والجلوس } ، وساق الحديث ، ورواه الحاكم في " المستدرك " وقال : صحيح ، ولم يخرجاه من أجل عطاء بن السائب انتهى .

                                                                                                        وكان ينبغي للمنذري حين قال : أخرجه الترمذي أن يقيده " بالشمائل " ، بل أطلق ، وليس بجيد ، قال المنذري : وقد أخرج البخاري لعطاء حديثا مقرونا بأبي بشر .

                                                                                                        وقال أيوب : هو ثقة ، وقال ابن معين : لا يحتج بحديثه ، وفرق الإمام أحمد وغيره بين من سمع منه قديما وحديثا . انتهى .

                                                                                                        قال الشيخ تقي الدين في " الإمام " : كل من روى عن عطاء بن السائب ، روى عنه في الاختلاط ، إلا شعبة وسفيان انتهى . قلت : وأصحاب السنن أخرجوه عن حماد عن عطاء . خلا النسائي ، فإنه أخرجه في رواية عن شعبة عن عطاء به ، وليس متنه بصريح في [ ص: 272 ] الركعتين ، ولفظه : قال : { كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى ، فأطال القيام ، ثم ركع ، فأطال الركوع ، ثم رفع ، فأطال ، قال سمعته ، وأحسبه قال في السجود نحو ذلك } ، وساق الحديث .

                                                                                                        أحاديث الباب : أخرج أبو داود والنسائي عن ثعلبة بن عباد عن { سمرة بن جندب ، قال : بينا أنا وغلام من الأنصار نرمي غرضين لنا ، حتى إذا كانت الشمس ، قيد رمحين ، أو ثلاثة في عين الناظر من الأفق ، اسودت ، حتى آضت كأنها تنومة ، فقال أحدنا لصاحبه : انطلق بنا إلى المسجد ، فوالله ليحدثن شأن هذه الشمس لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته حدثا ، قال : فدفعنا ، فإذا هو بارز ، فاستقدم ، فصلى بنا ، فقام ، كأطول ما قام بنا في صلاة قط ، لا نسمع له صوتا ، قال : ثم ركع ، كأطول ما ركع بنا في صلاة قط ، لا نسمع له صوتا ، ثم سجد بنا ، كأطول ما سجد بنا في صلاة قط ، لا نسمع له صوتا ، ثم فعل في الركعة الأخرى مثل ذلك ، قال : فوافق تجلي الشمس جلوسه في الركعة الثانية ، ثم سلم ، فحمد الله وأثنى عليه ، وشهد أن لا إله إلا الله ، وأنه عبده ورسوله }. انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه النسائي عن أبي قلابة عن النعمان بن بشير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إذا خسفت الشمس والقمر ، فصلوا كأحدث صلاة صليتموها من المكتوبة }انتهى .

                                                                                                        ورواه أحمد في " مسنده " . والحاكم في " المستدرك " ، وقال : على شرطهما ، وينظر لفظهما ، وتكلموا في سماع أبي قلابة من النعمان ، قال ابن أبي حاتم في " علله " : قال أبي : قال يحيى بن معين : أبو قلابة عن النعمان بن بشير مرسل ، قال أبي : قد أدرك أبو قلابة النعمان بن بشير ، ولا أعلم أسمع منه ، أو لا .

                                                                                                        وقد رواه عفان عن عبد الوارث عن أيوب عن أبي قلابة عن رجل عن النعمان . وقال ابن القطان في " كتابه " : هذا حديث قد اختلف في إسناده ، فروي عن أبي قلابة عن النعمان بن بشير ، [ ص: 273 ] وروي عنه عن قبيصة بن المخارق الهلالي ، وروي عنه عن هلال بن عامر عن قبيصة بن المخارق انتهى .

                                                                                                        قال النووي في " الخلاصة " : ورواه أبو داود بلفظ { : كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يصلي ركعتين ، ويسأل عنها ، حتى انجلت } ، قال : وإسناده صحيح ، إلا أنه بزيادة رجل بين أبي قلابة والنعمان ثم اختلف في ذلك الرجل . انتهى كلامه .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه البخاري في " صحيحه " عن الحسن عن أبي بكرة قال : { خسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج يجر رداءه ، حتى انتهى إلى المسجد ، وثاب الناس إليه فصلى بهم ركعتين ، فانجلت الشمس ، فقال : إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله ، وأنهما لا يخسفان لموت أحد ، ولا لحياته ، ولكن يخوف الله بهما عباده ، فإذا كان ذلك ، فصلوا حتى ينكشف ما بكم }. انتهى .

                                                                                                        ورواه النسائي ، وقال فيه { : فصلى بهم ركعتين ، كما تصلون } ، ورواه ابن حبان في " صحيحه " ، وقال فيه { : فصلى بهم ركعتين مثل صلاتكم }.

                                                                                                        قال ابن حبان : مثل صلاتكم في الكسوف ، ووهم النووي في " الخلاصة " ، فعزا هذا الحديث " للصحيحين " ، وإنما انفرد به البخاري .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه مسلم عن { عبد الرحمن بن سمرة ، قال : كنت أرمي بأسهم لي بالمدينة ، في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ كسفت الشمس ، فنبذتها ، وقلت : والله لأنظرن إلى ما حدث لرسول الله صلى الله عليه وسلم في كسوف الشمس ، قال : فانتهيت إليه ، وهو رافع يديه ، فجعل يسبح ، ويحمد ويهلل ويكبر ، ويدعو حتى حسر عنها ، فلما حسر عنها ، قرأ سورتين ، وصلى ركعتين ، وفي لفظ : قال : فأتيته ، وهو قائم في الصلاة رافع يديه ، فجعل يسبح ، ويحمد ، ويهلل } ، إلى آخره ، وظاهر هذين الحديثين ، أن الركعتين بركوع واحد ، وقد تكلفوا للجواب عنهما ، فقال النووي : قوله : وصلى ركعتين " يعني في كل ركعة قيامان وركوعان " . انتهى .

                                                                                                        وقال القرطبي : يحتمل أنه إنما أخبر عن حكم ركعة واحدة ، وسكت عن الأخرى ، وفي هذين الجوابين إخراج اللفظ عن ظاهره ، وهو لا يجوز إلا بدليل ، وأيضا فلفظ النسائي : كما تصلون وابن حبان : مثل صلاتكم ، يرد [ ص: 274 ] ذلك ، وتأوله المازري ، على أنها كانت صلاة تطوع لا كسوف . فإنه إنما صلى بعد الانجلاء ، وابتداؤها بعد الانجلاء لا يجوز ، وضعفه النووي بمخالفته للرواية الأخرى ، قال : بل يحمل قوله : فانتهيت إليه ، وهو رافع يديه ، على أنه وجده في الصلاة ، كما في الرواية الأخرى فأتيته ، وهو قائم في الصلاة ، وكانت السورتان بعد الانجلاء وهذا لا بد منه ، جمعا بين الروايتين انتهى .

                                                                                                        وذكر القرطبي ما ذكره المازري أيضا ، ثم قال : لكن ورد في أبي داود عن النعمان بن بشير ، قال : { كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يصلي ركعتين ، ويسأل عنها حتى تجلت الشمس } ، قال : وهو معتمد قوي للكوفيين ، غير أن أحاديث الركعتين في كل ركعة أصح ، وأشهر ويحمل هذا على أنه بين الجواز ، وذلك هو السنة . انتهى .

                                                                                                        وقد غفل القرطبي عن حديث أبي بكرة ، عند البخاري ، كما تقدم ، وفيه : { فصلى بهم ركعتين } ، والله أعلم .

                                                                                                        { حديث آخر } : رواه أبو داود في " سننه " حدثنا موسى بن إسماعيل ثنا وهيب عن أيوب عن أبي قلابة عن قبيصة الهلالي ، قال : { كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج فزعا ، يجر ثوبه ، وأنا معه يومئذ بالمدينة ، فصلى ركعتين ، فأطال فيهما القيام ، ثم انصرف ، وقد انجلت ، فقال : إنما هذه الآيات يخوف الله بها عباده ، فإذا رأيتموها فصلوا ، كأحدث صلاة صليتموها من المكتوبة }. انتهى .

                                                                                                        ثم رواه : حدثنا أحمد بن إبراهيم ثنا ريحان بن سعيد ثنا عباد بن منصور عن أيوب عن أبي قلابة عن هلال بن عامر ، أن قبيصة الهلالي حدثه أن الشمس كسفت ، بمعنى حديث موسى ، ولم يسق المتن ، ورواه الحاكم في " المستدرك " بالسند الأول ، وقال : حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه ، قال : والذي عندي أنهما عللاه بحديث يرويه ريحان بن سعيد عن عباد بن منصور عن أيوب عن أبي قلابة عن هلال بن عامر عن قبيصة ، قال : وهذا لا يعلل حديثا رواه موسى بن إسماعيل عن وهيب عن أيوب عن أبي قلابة عن قبيصة انتهى كلامه .

                                                                                                        ورواه النسائي في " سننه " بسند آخر ، فقال : حدثنا إبراهيم بن يعقوب ثنا عمرو بن عاصم أن جده عبيد الله بن الوازع حدثه حديث أيوب السختياني عن أبي قلابة عن قبيصة بن مخارق الهلالي ، قال : { كسفت الشمس ، ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة } ، [ ص: 275 ] فذكره بلفظ أبي داود سواء ، قال البيهقي : بعد أن رواه بالسند الأول ، سقط بين أبي قلابة وقبيصة رجل ، وهو : هلال بن عامر ، قال النووي في " الخلاصة " : وهذا لا يقدح في صحة الحديث فإن هلالا ثقة . انتهى . قال البيهقي : وسياق هذا الحديث ، وسائر الأحاديث الواردة بركعتين يدل على أن المراد الإخبار عن صلاته عليه الصلاة والسلام يوم الكسوف ، يوم مات إبراهيم ، وقد أثبت جماعة من حفاظ الصحابة عدد ركوعه في كل ركعة ، فهو أولى بالقبول . انتهى .

                                                                                                        وقال ابن الجوزي في " التحقيق " : كل ما ورد أنه صلى ركعتين ، فهو محمول على أنه كان في كل ركعة ركوعان ، وقوله : مثل صلاتنا ، أو مثل صلاتكم ، ظن من الراوي . انتهى .

                                                                                                        أحاديث خسوف القمر : تقدم في " الصحيحين " من قوله عليه الصلاة والسلام : " { إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله ، لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته ، فإذا رأيتم ذلك فصلوا } ، وفي لفظ : { فافزعوا إلى الصلاة } ، أخرجاه من حديث عائشة ، ومن حديث ابن عمر ، وأخرجه مسلم من حديث جابر بن عبد الله ، وأخرجاه أيضا من حديث أبي مسعود الأنصاري ، والحاكم من حديث النعمان بن بشير : { فأيهما انخسف فصلوا حتى ينجلي } ، وللبيهقي من حديث أبي بكرة { : فإذا خسف واحد منهما ، فصلوا }.

                                                                                                        وقد ورد { أنه عليه الصلاة والسلام صلى في خسوف القمر } ، كما أخرجه الدارقطني في " سننه " عن ثابت بن محمد الزاهد ثنا سفيان بن سعيد عن حبيب بن أبي ثابت عن طاوس عن ابن عباس { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في كسوف الشمس . والقمر ثمان ركعات في أربع سجدات }. انتهى .

                                                                                                        وإسناده جيد ، سكت عنه عبد الحق في " أحكامه " ثم ابن القطان بعده ، وقال : إن ثابت بن محمد الزاهد صدوق .

                                                                                                        [ ص: 276 ] { حديث آخر } : أخرجه الدارقطني أيضا عن إسحاق بن راشد عن الزهري عن عروة عن عائشة ، قالت : { إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي في كسوف الشمس والقمر أربع ركعات ، وأربع سجدات } ، قال ابن القطان : فيه سعيد بن حفص ولا أعرف . انتهى .

                                                                                                        قوله : لأن المسنون استيعاب الوقت بالصلاة والدعاء ، قلت : أخرج البخاري ومسلم عن المغيرة بن شعبة ، قال : { انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله فإذا رأيتموهما فادعوا الله وصلوا حتى تنكشف }انتهى . وللبخاري عن أبي بكرة مرفوعا نحوه وقد تقدم ، ولمسلم عن أبي مسعود الأنصاري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكر نحوه ، وله أيضا من حديث عائشة ، { فإذا رأيتم كسوفا فاذكروا الله حتى تنجلي ، }وفي لفظ له : { صلوا حتى يفرج عنكم } ، وله أيضا من حديث جابر بن عبد الله قال : { انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات إبراهيم ابنه ، فقال الناس : إنما انكسفت لموت إبراهيم ، فقال : يا أيها الناس ، إنما الشمس والقمر آية من آيات الله ، وإنهما لا ينكسفان لموت أحد من الناس ، فإذا رأيتم شيئا من ذلك فصلوا حتى تنجلي } ، مختصر ، وأخرج أبو داود عن أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب ، قال : { انكسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بهم ، إلى أن قال : ثم جلس كما هو ، مستقبل القبلة يدعو حتى تجلى كسوفها } ، مختصر ، وأبو جعفر الرازي عيسى بن عبد الله بن ماهان ، اختلف قولهم فيه .

                                                                                                        الحديث الثالث : روت عائشة رضي الله عنها{ أن النبي صلى الله عليه وسلم جهر في ركعتي الكسوف بالقراءة } ، قلت : أخرجه البخاري ومسلم عن عروة عن عائشة ، قالت : { جهر النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الخسوف بقراءته ، فإذا فرغ من قراءته كبر فركع ، وإذا رفع من الركعة قال : سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد ، ثم يعاود القراءة في صلاة الكسوف أربع [ ص: 277 ] ركعات ، في ركعتين وأربع سجدات }انتهى . لم يقل فيه مسلم { : ثم يعاود القراءة في صلاة الكسوف } ، وللبخاري من حديث أسماء بنت أبي بكر ، قالت : { جهر النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف } ، ورواه أبو داود ولفظه : { إن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ قراءة طويلة ، فجهر بها يعني في صلاة الكسوف }. انتهى .

                                                                                                        ورواه الترمذي ، ولفظه : { إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الكسوف ، فجهر فيها بالقراءة }انتهى .

                                                                                                        وحسنه ، وصححه ورواه ابن حبان في " صحيحه " في النوع الرابع والثلاثين ، من القسم الخامس ، ولفظه : قالت : { كسفت الشمس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بهم أربع ركعات في ركعتين ، وأربع سجدات وجهر بالقراءة }انتهى .

                                                                                                        وفي هذه الألفاظ ما يدفع قول من يفسر لفظ " الصحيحين " بخسوف القمر ، كما سيأتي في الحديث الذي بعد هذا الحديث .

                                                                                                        الحديث الرابع : روى ابن عباس وسمرة الإخفاء بالقراءة في صلاة الكسوف . قلت : أما حديث ابن عباس ، فرواه أحمد في " مسنده " ، وكذلك أبو يعلى الموصلي في " مسنده " حدثنا حسن عن موسى الأشيب أنبأ ابن لهيعة ثنا يزيد بن أبي حبيب عن عكرمة عن { ابن عباس ، قال : صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم الكسوف ، فلم أسمع منه فيها حرفا من القراءة }. انتهى .

                                                                                                        ورواه أبو نعيم في " الحلية في ترجمة عكرمة " من طريق الواقدي ثنا عبد الحميد بن جعفر عن يزيد بن أبي حبيب به ، ورواه الطبراني في " معجمه " ثنا علي بن المبارك ثنا زيد بن المبارك ثنا موسى بن عبد العزيز ثنا الحكم بن أبان عن عكرمة عن { ابن عباس ، قال : صليت إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم كسفت الشمس ، فلم أسمع له قراءة } ، انتهى .

                                                                                                        ورواه البيهقي في " المعرفة " من طريق ابن لهيعة ، كما رواه أحمد ، ومن طريق الحكم بن أبان ، كما رواه الطبراني ، ومن طريق الواقدي ، كما رواه أبو نعيم ، ثم قال : وهؤلاء ، وإن كانوا لا يحتج بهم ، ولكنهم عدد ، وروايتهم توافق الرواية الصحيحة عن ابن عباس ، { أنه عليه السلام قرأ نحوا من سورة البقرة } ، هكذا أخرجاه في " الصحيحين " قال الشافعي : فيه دليل على أنه لم يسمع ما قرأ ، إذ لو سمعه لم يقدره بغيره ، ويدفع حمله على البعد ، رواية الحكم بن أبان : { صليت إلى جنبه } ، ويوافق أيضا رواية محمد بن إسحاق بإسناده عن عائشة ، قالت : { فحزرت قراءته } ، ويوافق أيضا حديث [ ص: 278 ] سمرة بن جندب ، وإنما الجهر عن الزهري فقط ، وهو وإن كان حافظا ، فيشبه أن يكون العدد أولى بالحفظ ، من الواحد . انتهى كلامه .

                                                                                                        { حديث آخر } إلا أنه غير صريح ، وهو الذي ، أشار إليه البيهقي : أخرجه البخاري ومسلم عن ابن عباس ، قال : { انخسفت الشمس ، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس معه ، فقام قياما طويلا ، نحوا من سورة البقرة ، ثم ركع } ، وساق الحديث ، وقد تقدم ، قال الشافعي : فيه دليل على أنه لم يسمع ما قرأ ، إذ لو سمعه لم يقدره بغيره ، هكذا نقله البيهقي عنه ، وقال القرطبي في " شرح مسلم " : هذا دليل لمن قال : يخفي القراءة ; لأنه لو جهر لعلم ما قرأ ، وقال المنذري في " حواشيه " : هذا الحديث يدل على الإسرار ، وقياسه على قول عائشة في حديث آخر ، فحزرت قراءته ، قال : فقيل : فعله لبيان الجواز ، وقيل يقدم المثبت على النافي ، وقيل : يحتمل أن يكون جهر في خسوف القمر ، وفيه نظر ; لأن حديث عائشة قد جاء فيه ما يدل على أنه في كسوف الشمس ، ولم يحفظ أنه عليه السلام جمع في خسوف القمر ، إنما هو شيء روي عن ابن عباس . انتهى كلامه .

                                                                                                        وقال ابن تيمية في " المنتقى " : يحمل حديث الإخفاء على أنه لم يسمعه لبعده ; لما ورد في رواية مبسوطة : أتينا ، والمسجد قد امتلأ انتهى .

                                                                                                        واعلم أن الحديث غير صريح في الإخفاء ، وإن كان العلماء كلهم يحملوه عليه ، ولكن قد ينسى الإنسان الشيء المقروء بعينيه ، وهو مع ذلك ذاكر لقدره ، فيقول : قرأ فلان نحو سورة البقرة ، وهو قد سمع ما قرأ ، ثم نسيه ، والله أعلم . وأما حديث سمرة : فأخرجه أصحاب الأربعة عن الأسود بن قيس ، حدثني ثعلبة بن عباد العبدي ، قال : { قال سمرة بن جندب : بينما أنا ، وغلام من الأنصار نرمي غرضين لنا ، حتى إذا كانت الشمس } ، وقد تقدم بتمامه في " أول الباب " ، واللفظ لأبي داود ، واختصره الباقون . ولفظهم : قال : { صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في كسوف ، لا يسمع له صوت }. انتهى .

                                                                                                        ولفظ النسائي : { في كسوف الشمس } ، وقال الترمذي : حديث [ ص: 279 ] حسن صحيح . انتهى .

                                                                                                        ورواه ابن حبان في " صحيحه " في النوع الرابع والثلاثين ، من القسم الخامس مطولا . بلفظ أبي داود ، ورواه الحاكم في " المستدرك " مطولا . ومختصرا ، وقال : حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم ، ولم يخرجاه . انتهى .

                                                                                                        قال ابن حبان : وكان سمرة في أخريات الناس ، فلذلك لم يسمع صوت النبي صلى الله عليه وسلم . انتهى . وقد تقدم إبطال هذا .




                                                                                                        الخدمات العلمية