الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 285 - 286 ] ( ثم يخطب ) لما روي " { أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب }ثم هي كخطبة العيد عند محمد ، وعند أبي يوسف خطبة واحدة ( ولا خطبة ) ( عند أبي حنيفة رحمه الله ) لأنها تبع للجماعة ولا جماعة عنده .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث الثالث : روي { أنه عليه السلام خطب في الاستسقاء } ، قلت : ما أخرجه ابن ماجه في " سننه " عن النعمان بن راشد عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة ، قال : { خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما يستسقي ، فصلى بنا ركعتين بلا أذان ، ولا إقامة ، ثم خطبنا ، ودعا الله ، وحول وجهه نحو القبلة ، رافعا يديه ، ثم قلب رداءه ، فجعل الأيمن على الأيسر ، والأيسر على الأيمن }. انتهى .

                                                                                                        ورواه البيهقي في " سننه " ، وقال : تفرد به النعمان بن راشد عن الزهري انتهى .

                                                                                                        قال البخاري : هو صدوق ، لكن في [ ص: 287 ] حديثه وهم كبير انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : روى أحمد في " مسنده " من طريق مالك عن عبد الله بن بكر عن عباد بن تميم عن عمه عبد الله بن زيد ، قال : { خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يستسقي ، فبدأ بالصلاة قبل الخطبة ، ثم استقبل القبلة ، فدعى ، فلما أراد أن يدعو أقبل بوجهه إلى القبلة ، وحول رداءه }. انتهى .

                                                                                                        وأخرجه الدارقطني في " سننه " عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عبد الله بن أبي بكر به ، بلفظ { : فخطب الناس ، ثم استقبل القبلة } ، إلى آخره .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه أبو داود في " سننه " عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ، قالت : { شكا الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قحوط المطر ، فأمر بمنبر ، فوضع له في المصلى ، ووعد الناس يوما يخرجون فيه ، قالت عائشة : فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بدا حاجب الشمس ، فقعد على المنبر ، فكبر ، وحمد الله عز وجل ، ثم قال : إنكم شكوتم جدب دياركم ، واستئخار المطر عن إبان زمانه عنكم ، وقد أمركم الله سبحانه أن تدعوه ووعدكم أن يستجيب لكم ، ثم قال : { الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين }لا إله إلا الله ، يفعل ما يريد ، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت الغني ، ونحن الفقراء ، أنزل علينا الغيث ، واجعل ما أنزلت لنا قوتا ، وبلاغا إلى حين ، ثم رفع يديه ، فلم يزل في الرفع ، حتى بدا بياض إبطيه . ثم حول إلى الناس ظهره ، وقلب وحول رداءه ، وهو رافع يديه ، ثم أقبل على الناس ، ونزل ، فصلى ركعتين . فأنشأ الله سحابة ، فرعدت وبرقت ، ثم أمطرت بإذن الله . فلم يأت عليه الصلاة والسلام مسجده حتى سالت السيول ، فلما رأى سرعتهم ، إلى الكن ، ضحك حتى بدت نواجذه ، فقال : أشهد أن الله على كل شيء قدير ، وأني عبد الله ، ورسوله }. انتهى .

                                                                                                        قال أبو داود : حديث غريب ، وإسناده جيد . انتهى . ورواه ابن حبان في " صحيحه " في النوع الثاني عشر ، من القسم الخامس والحاكم في " المستدرك " ، وقال : حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه . انتهى ، وهذا كلام مشتمل على الحمد والثناء ، [ ص: 288 ] والموعظة والدعاء ، سيما ، وقد قاله على المنبر ، وفي حديث أبي داود : { أنه بدأ بالخطبة قبل الصلاة } ، وفي الحديثين الماضيين العكس ، ولعلهما واقعتان ، والله أعلم ، وبمذهب الصاحبين أخذ الشافعي ، أن الخطبة تسن في الاستسقاء ، وقال أحمد : لا تسن ، واحتجوا له بحديث إسحاق بن كنانة المتقدم ، وفيه : { فلم يخطب خطبتكم هذه } ، وبه قال الإمام ، قلنا : مفهومه أنه خطب ، لكنه لم يخطب خطبتين ، كما يفعل في الجمعة ، ولكنه خطب خطبة واحدة ، فلذلك نفى النوع ، ولم ينف الجنس ، ولم يرو أنه خطب خطبتين ، فلذلك قال أبو يوسف : يخطب خطبة واحدة ، ومحمد يقول : يخطب خطبتين ، ولم أجد له شاهدا ، والله أعلم .

                                                                                                        وهذه الأحاديث تدفع تأويل الخطبة ، بأنها كانت خطبة الجمعة ، وكان الاستسقاء في ضمنها إجابة للسائل ، كما تقدم للبخاري ، ومسلم عن أنس : { دخل رجل المسجد يوم الجمعة ، والنبي صلى الله عليه وسلم قائم يخطب } ، الحديث .




                                                                                                        الخدمات العلمية