الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 387 - 392 ] ( ومن له على آخر دين فجحده سنين ثم قامت له به بينة لم يزكه لما مضى ) معناه صارت له بينة ، بأن أقر عند الناس ، وهي مسألة مال الضمار ، وفيه خلاف زفر والشافعي رحمهما اللهومن جملته : المال المفقود ، والآبق ، والضال ، والمغصوب إذا لم يكن عليه بينة ، والمال الساقط في البحر ، والمدفون في المفازة إذا نسي مكانه ، والذي أخذه السلطان مصادرة ، ووجوب صدقة الفطر بسبب الآبق ، والضال والمغصوب على هذا الخلاف ، لهما أن السبب قد تحقق ، وفوات اليد غير مخل بالوجوب كمال ابن السبيل ، ولنا قول علي رضي الله عنه : " لا زكاة في مال الضمار " ولأن السبب هو المال النامي ، ولا نماء إلا بالقدرة على التصرف ، ولا قدرة عليه ، وابن السبيل يقدر بنائبه ، والمدفون في البيت نصاب لتيسر الوصول إليه ، وفي المدفون في أرض أو كرم اختلاف المشايخ ، ولو كان الدين على مقر مليء أو معسر تجب الزكاة ; لإمكان الوصول إليه ابتداء أو بواسطة التحصيل ، وكذا لو كان على [ ص: 393 ] جاحد وعليه بينة أو علم به القاضي لما قلنا ، ولو كان على مقر مفلس فهو نصاب عند أبي حنيفة رحمه الله ; لأن تفليس القاضي لا يصح عنده ، وعند محمد لا تجب ; لتحقق الإفلاس عنده بالتفليس ، وأبو يوسف مع محمد في تحقق الإفلاس ، ومع أبي حنيفة رحمه الله في حكم الزكاة ، رعاية لجانب الفقراء .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        قوله : روي عن علي رضي الله عنه أنه قال : لا زكاة في مال الضمار ، قلت : [ ص: 393 ] غريب .

                                                                                                        وروى أبو عبيد القاسم بن سلام في " كتاب الأموال في باب الصدقة " حدثنا يزيد بن هارون ثنا هشام بن حسان عن الحسن البصري رضي الله عنه ، قال : إذا حضر الوقت الذي يؤدي فيه الرجل زكاته أدى عن كل مال ، وعن كل دين ، إلا ما كان منه ضمارا لا يرجوه . انتهى .

                                                                                                        وروى مالك رضي الله عنه في " الموطأ " عن [ ص: 394 ] أيوب بن أبي تميمة السختياني أن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنهما كتب في مال قبضه بعض الولاة ظلما ، فأمر برده إلى أهله ، وتؤخذ زكاته ; لما مضى من السنين ، ثم عقب بعد ذلك بكتاب ، أن لا يؤخذ منه إلا زكاة سنة واحدة ، فإنه كان ضمارا ، قال مالك رضي الله عنه : الضمار : المحبوس عن صاحبه انتهى .

                                                                                                        قال الشيخ رحمه الله في " الإمام " : فيه انقطاع بين أيوب وعمر .

                                                                                                        { حديث آخر } : روى ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن عمرو بن ميمون ، قال : أخذ الوليد بن عبد الملك مال رجل من أهل الرقة يقال له : أبو عائشة عشرين ألفا ، فألقاها في بيت المال ، فلما ولي عمر بن عبد العزيز أتاه ولده ، فرفعوا مظلمتهم إليه فكتب إلى ميمون : أن ادفعوا إليهم أموالهم ، وخذوا زكاة عامهم هذا ، فإنه لولا أنه كان مالا ضمارا أخذنا منه زكاة ما مضى . انتهى .

                                                                                                        أخبرنا أبو أسامة عن هشام عن الحسن ، قال : عليه زكاة ذلك العام . انتهى .




                                                                                                        الخدمات العلمية