الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        ( ثم ) إذا زادت على مائة وعشرين . [ ص: 396 - 402 ] ( تستأنف الفريضة ، فيكون في الخمس شاة مع الحقتين ، وفي العشر شاتان ، وفي خمس عشرة ثلاث شياه ، وفي العشرين أربع شياه ، وفي خمس وعشرين بنت مخاض إلى مائة وخمس فيكون فيها ثلاث حقاق ، ثم تستأنف الفريضة ، فيكون في الخمس شاة ، وفي العشر شاتان ، وفي خمس عشرة ثلاث شياه ، وفي عشرين أربع شياه ، وفي خمس وعشرين بنت [ ص: 403 ] مخاض ، وفي ست وثلاثين بنت لبون ، فإذا بلغت مائة وستا وتسعين ففيها أربع حقاق ، إلى مائتين ، ثم تستأنف الفريضة أبدا كما تستأنف في الخمسين التي بعد المائة والخمسين ) وهذا عندنا .

                                                                                                        وقال الشافعي رضي الله عنه : إذا زادت على مائة وعشرين واحدة ففيها ثلاث بنات لبون ، فإذا صارت مائة وثلاثين ففيها حقة وبنتا لبون ، ثم يدار الحساب على الأربعينات والخمسينات ، فتجب في كل أربعين بنت لبون ، وفي كل خمسين حقة ; لما روي أنه عليه الصلاة والسلام كتب { إذا زادت الإبل على مائة وعشرين ففي كل خمسين حقة ، وفي كل أربعين بنت لبون }من غير شرط عود ما دونها . ولنا أنه عليه الصلاة والسلام كتب في آخر ذلك في كتاب عمرو بن حزم : { فما كان أقل من ذلك ففي كل خمس ذود شاة }فنعمل بالزيادة . ( والبخت والعراب سواء ) في وجوب الزكاة ; لأن مطلق الاسم يتناولهما ، والله أعلم بالصواب .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث الخامس : روي أن النبي عليه السلام كتب : { إذا زادت الإبل على مائة [ ص: 403 ] وعشرين ، ففي كل خمسين حقة ، وفي كل أربعين بنت لبون من غير شرط عود ما دونها } ، قلت : تقدم في كتاب أبي بكر لأنس ، أخرجه البخاري ، وفيه : { فإذا بلغت إحدى وتسعين ، إلى عشرين ومائة ، ففيها حقتان ، فإذا زادت على عشرين ومائة ، ففي كل أربعين بنت لبون ، وفي كل خمسين حقة } ، الحديث . وأحمد مع الشافعي في أن الفريضة لا تستأنف بعد المائة وعشرين ، بل تستقر على حالها ، في كل أربعين بنت لبون ، وفي كل خمسين حقة . وعن مالك روايتان : إحداهما ، كمذهبنا أنه يستأنف . والأخرى كالشافعي .

                                                                                                        الحديث السادس : روي أن النبي عليه السلام كتب في كتاب عمرو بن حزم : { فما كان أقل من ذلك ، ففي كل خمس ذود شاة } ، قلت : روى أبو داود في " المراسيل " ، وإسحاق بن راهويه في " مسنده " ، والطحاوي في " مشكله " عن حماد بن سلمة ، قلت لقيس بن سعد : خذ لي كتاب محمد بن عمرو بن حزم ، فأعطاني كتابا أخبر أنه أخذه من أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن النبي صلى الله عليه وسلم كتبه لجده ، فقرأته ، فكان فيه ذكر ما يخرج من فرائض الإبل ، فقص الحديث ، { إلى أن يبلغ عشرين ومائة . فإذا كانت أكثر من عشرين ومائة ، فإنه يعاد إلى أول فريضة الإبل ، وما كان أقل من خمس [ ص: 404 ] وعشرين ففيه الغنم ، في كل خمس ذود شاة }قال ابن الجوزي رحمه الله في " التحقيق " : هذا حديث مرسل ، قال هبة الله الطبري : هذا الكتاب صحيفة ليس بسماع ، ولا يعرف أهل المدينة كلهم عن كتاب عمرو بن حزم إلا مثل روايتنا رواها الزهري ، وابن المبارك ، وأبو أويس ، كلهم عن أبي بكر محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده ، مثل قولنا ، ثم لو تعارضت الروايتان عن عمرو بن حزم بقيت روايتنا عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وهي في الصحيح ، وبها عمل الخلفاء الأربعة . وقال البيهقي : هذا حديث منقطع بين أبي بكر بن حزم إلى النبي عليه السلام ، وقيس بن سعد أخذه عن كتاب لا عن سماع ، وكذلك حماد بن سلمة أخذه عن كتاب لا عن سماع ، وقيس بن سعد ، وحماد بن سلمة ، وإن كانا من الثقات ، فروايتهما هذه تخالف رواية الحفاظ عن كتاب عمرو بن حزم ، وغيره . وحماد بن سلمة ساء حفظه في آخر عمره ، فالحفاظ لا يحتجون بما يخالف فيه ، ويتجنبون ما ينفرد به ، وخاصة عن قيس بن سعد ، وأمثاله . وهذا الحديث قد جمع الأمرين مع ما فيه من الانقطاع ، والله أعلم .

                                                                                                        وقال في " المعرفة " : الحفاظ مثل يحيى القطان . وغيره يضعفون رواية حماد عن قيس بن سعد ، ثم أسند عن أحمد بن حنبل ، قال : ضاع كتاب حماد بن سلمة عن قيس بن سعد ، فكان يحدثهم من حفظ ، ثم أسند عن ابن المديني نحو ذلك . قال البيهقي : ويدل على خطأ هذه الرواية أن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم رواه عن أبيه عن جده بخلافه ، وأبو الرجال محمد بن عبد الرحمن الأنصاري رواه بخلافه ، والزهري مع فضل حفظه رواه بخلافه في رواية سليمان بن داود الخولاني عنه موصولا ، وفي رواية غيره مرسلا ، وإذا كان حديث حماد عن قيس مرسلا ومنقطعا ، وقد خالفه عدد ، وفيهم ولد الرجل ، والكتاب بالمدينة بأيديهم يتوارثونه بينهم . وأمر به عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه ، فنسخ له ، فوجد مخالفا لما رواه حماد عن قيس ، موافقا لما في كتاب أبي بكر ، وما في كتاب عمر ، وكتاب أبي بكر في الصحيح ، وكتاب عمر أسنده سفيان بن حسين . وسليمان بن كثير عن الزهري عن [ ص: 405 ] سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكتبه عمر عن رأيه ، إذ لا مدخل للرأي فيه ، وعمل به ، وأمر عماله فعملوا به ، وأصحاب النبي عليه السلام متوافرون ، وأقرأ ابنه عبد الله بن عمر ، وأقرأه عبد الله ابنه سالما ، ومولاه نافعا ، وكان عندهم حتى قرأه مالك بن أنس ، أفما يدلك ذلك كله على خطأ هذه الرواية ؟ ، انتهى .

                                                                                                        الآثار : أخرج الطحاوي عن خصيف عن أبي عبيدة وزياد بن أبي مريم عن ابن مسعود ، قال : فإذا بلغت العشرين ومائة استقبلت الفريضة بالغنم ، في كل خمس شاة . فإذا بلغت خمسا وعشرين ، ففرائض الإبل ، واعترضه البيهقي بأنه موقوف ، ومنقطع بين أبي عبيدة وزياد ، وبين ابن مسعود ، قال : وخصيف غير محتج به . انتهى .

                                                                                                        وأخرج عن إبراهيم النخعي نحوه .

                                                                                                        { حديث آخر } : روى ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا يحيى بن سعيد عن سفيان عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه ، قال : إذا زادت الإبل على عشرين ومائة يستقبل بها الفريضة . انتهى .

                                                                                                        حدثنا يحيى بن سعيد عن سفيان عن منصور عن إبراهيم مثله ، قال الحازمي في " كتابه الناسخ والمنسوخ " : الوجه الثامن عشر من الترجيحات أن يكون أحد الحديثين قد اختلفت الرواية فيه . والثاني لم يختلف فيه ، فيقدم الذي لم يختلف فيه ، وذلك نحو ما رواه أنس بن مالك { في زكاة الإبل : إذا زادت على عشرين ومائة ، ففي كل أربعين ابنة لبون ، وفي كل خمسين حقة } ، وهو حديث مخرج في " الصحيح " من رواية ثمامة عن أنس ، ورواه عن ثمامة ابنه عبد الله ، وحماد بن سلمة . ورواه عنهما جماعة ، كلهم قد اتفقوا عليه من غير اختلاف بينهم ، وروى عاصم بن ضمرة عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في الإبل إذا زادت على عشرين ومائة ، ففي كل خمسين حقة ، كذا رواه سفيان عن أبي إسحاق عن عاصم ، ورواه شريك عن أبي إسحاق عن عاصم عن علي رضي الله عنه : ، قال : إذا زادت الإبل على عشرين ومائة ، ففي كل خمسين حقة ، وفي كل أربعين ابنة لبون ، موافقا لحديث أنس ، فحديث أنس لم تختلف الرواية فيه ، وحديث علي رضي الله عنه اختلفت [ ص: 406 ] الرواية فيه ، كما ترى . فالمصير إلى حديث أنس رضي الله عنه أولى للمعنى الذي ذكرناه ، على أن كثيرا من الحفاظ أحالوا الغلط في حديث علي على عاصم ، وإذا تقابلت حجتان ، فما سلم منهما من المعارض كان أولى ، كالبينات إذا تقابلت ، فإن الحكم فيها كذلك انتهى .




                                                                                                        الخدمات العلمية