الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        قال : ( وإن مات فيها شاة أو كلب أو آدمي نزح جميع ما فيها من الماء ) لأن ابن عباس وابن الزبير رضي الله عنهما أفتيا بنزح الماء كله حين مات زنجي في بئر زمزم . [ ص: 198 ] ( فإن انتفخ الحيوان فيها أو تفسخ نزح جميع ما فيها صغر الحيوان أو كبر ) لانتشار البلة في أجزاء الماء . قال : ( وإن كانت البئر معينا لا يمكن نزحها أخرجوا مقدار ما كان فيها من الماء ) وطريق معرفته أن تحفر حفرة مثل موضع الماء من البئر ، ويصب فيها ما ينزح منها إلى أن تمتلئ ، أو ترسل فيها قصبة ، ويجعل لمبلغ الماء علامة ، ثم ينزح منها عشر دلاء مثلا ، ثم تعاد القصبة ، فينظر كم انتقص ، فينزح لكل قدر منها عشر دلاء ، وهذان عن أبي يوسف رحمه الله . وعن محمد رحمه الله نزح مائتا دلو إلى ثلاثمائة ، فكأنه بنى قوله على ما شاهد في بلده . وعن أبي حنيفة رحمه الله في الجامع الصغير في مثله ينزح حتى يغلبهم الماء ، ولم يقدر الغلبة بشيء كما هو دأبه ، وقيل : يؤخذ بقول رجلين لهما بصارة في أمر الماء ، وهذا أشبه بالفقه .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        قوله : روي عن ابن عباس . وابن الزبير رضي الله عنهما ، أفتيا بنزح البئر كلها حين مات زنجي في بئر زمزم . قلت : هذه القصة رواها ابن سيرين . وعطاء وعمرو بن دينار وقتادة . [ ص: 198 ] وأبو الطفيل ، فرواية ابن سيرين أخرجها الدارقطني في " سننه " حدثنا عبد الله بن محمد بن زياد عن أحمد بن منصور عن محمد بن عبد الله الأنصاري عن هشام عن محمد بن سيرين أن زنجيا وقع في زمزم " يعني فمات " فأمر به ابن عباس ، فأخرج ، وأمر بها أن [ ص: 199 ] تنزح ، قال : فغلبتهم عين جاءت من الركن ، قال : فأمر بها فدست بالقباطي والمطارق حتى نزحوها ، فلما نزحوها انفجرت عليهم انتهى .

                                                                                                        قال البيهقي في " المعرفة " . وابن سيرين عن ابن عباس : مرسل . لم يلقه ولا سمع منه ، وإنما هو بلاغ بلغه انتهى ، وأما رواية عطاء ، فرواها ابن أبي شيبة في " مصنفه " والطحاوي في " شرح الآثار " حدثنا هشيم ثنا منصور عن عطاء أن حبشيا وقع في زمزم فمات ، فأمر ابن الزبير فنزح ماؤها فجعل الماء لا ينقطع ، فنظر فإذا عين تجري من قبل الحجر الأسود ، فقال ابن الزبير : حسبكم انتهى .

                                                                                                        وأما رواية عمرو بن دينار ، فأخرجها البيهقي في " كتاب المعرفة " من طريق ابن لهيعة عن عمرو بن دينار أن زنجيا وقع في زمزم فمات ، فأمر به ابن عباس فأخرج وسدت عيونها ثم نزحت انتهى .

                                                                                                        قال : وابن لهيعة لا يحتج به ، وأما رواية قتادة ، فرواها ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا عباد بن العوام عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن ابن عباس أن زنجيا وقع في زمزم ، فمات ، فأنزل إليه رجلا فأخرجه ، ثم قال : انزحوا ما فيها من ماء انتهى .

                                                                                                        وقال البيهقي : في " المعرفة " : وقتادة عن ابن عباس مرسل لم يلقه ولا سمع منه ، إنما هو بلاغ بلغه انتهى .

                                                                                                        وأما رواية أبي الطفيل ، فرواها البيهقي من طريق جابر الجعفي عن أبي الطفيل عن ابن عباس ، فذكره ، قال : ورواه جابر مرة أخرى عن أبي الطفيل نفسه أن غلاما وقع في زمزم ، فنزحت ، لم يذكر فيه ابن عباس ، وهذه الرواية عند الدارقطني ، قال البيهقي : وجابر الجعفي لا يحتج به ، واعتمد البيهقي في تضعيف هذه القصة بأثر رواه عن سفيان بن عيينة ، فقال : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ عن أبي الوليد الفقيه عن عبد بن شرويه ، قال : سمعت أبا قدامة يقول : سمعت سفيان بن عيينة يقول : أنا بمكة منذ سبعين سنة لم أر صغيرا ولا كبيرا يعرف حديث الزنجي الذي قالوا : إنه وقع في زمزم ، ولا سمعت أحدا يقول : نزحت زمزم ، ثم أسند عن الشافعي أنه قال : لا يعرف هذا عن ابن عباس ، وكيف يروي ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم : { الماء لا ينجسه شيء } ، ويتركه ، وإن كان قد فعل فلنجاسة ظهرت على وجه الماء ، ونزحها للتنظيف لا للنجاسة ، فإن زمزم للشرب انتهى .

                                                                                                        وأجاب بعض الأصحاب : بأن عدم علتهما لا يصلح دليلا ، ثم إنهما لم يدركا ذلك الوقت بينهما وبينه قريب من مائة وخمسين سنة ، وكان إخبار من أدرك الواقعة وأثبتها أولى من قولهما ، وقول النووي أيضا : كيف يصل هذا الخبر إلى أهل الكوفة ، [ ص: 200 ] ويجهله أهل مكة ، وسفيان بن عيينة كبير أهل مكة معارض بقول الشافعي لأحمد : أنتم أعلم بالأخبار الصحاح منا ، فإذا كان خبر صحيح فأعلموني حتى أذهب إليه كوفيا كان أو بصريا أو شاميا ، فهلا قال : كيف يصل هذا إلى أولئك ، ويجهله أهل الحرمين




                                                                                                        الخدمات العلمية