الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 77 ] ولا بد من القدرة على الزاد والراحلة ، وهو قدر ما يكترى به شق محمل أو رأس زاملة ، وقدر النفقة ذاهبا وجائيا { لأنه عليه الصلاة والسلام ، سئل عن السبيل إليه فقال : الزاد والراحلة }وإن أمكنه أن يكتري عقبة فلا شيء عليه ، لأنهما إذا كانا يتعاقبان لم توجد الراحلة في جميع السفر . ويشترط أن يكون فاضلا عن المسكن ، وعما لا بد منه كالخادم وأثاث البيت وثيابه لأن هذه الأشياء مشغولة بالحاجة الأصلية ، ويشترط أن يكون فاضلا عن نفقة عياله إلى حين عوده ، لأن النفقة حق مستحق للمرأة ، وحق العبد مقدم على حق الشرع بأمره ، وليس من شرط الوجوب على أهل مكة ومن حولهم الراحلة [ ص: 78 ] لأنه لا تلحقهم مشقة زائدة في الأداء فأشبه السعي إلى الجمعة .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث الثالث : روي { أن النبي عليه السلام سئل عن السبيل إلى الحج ، فقال : الزاد والراحلة } ، قلت : روي من حديث ابن عمر ، ومن حديث ابن عباس ، ومن حديث أنس ، ومن حديث عائشة ، ومن حديث جابر ، ومن حديث عبد الله بن عمرو بن العاص ، ومن حديث ابن مسعود . فحديث ابن عمر : أخرجه الترمذي ، وابن ماجه عن إبراهيم بن يزيد الخوزي عن محمد بن عباد بن جعفر المخزومي عن ابن عمر قال : { قام رجل ، فقال : يا رسول الله من الحاج ؟ قال : الشعث التفل ، فقام آخر ، فقال : أي الحج أفضل ؟ قال : العج والثج ، فقام آخر فقال : ما السبيل يا رسول الله ؟ قال : الزاد والراحلة }انتهى . قال الترمذي : حديث غريب ، لا نعرفه إلا من حديث إبراهيم بن يزيد الخوزي ، وقد تكلم فيه بعض أهل [ ص: 78 ] العلم ، من قبل حفظه انتهى .

                                                                                                        ذكره في " التفسير " ، وفي " الحج " ، وإبراهيم بن يزيد قال في " الإمام " : قال فيه أحمد ، والنسائي ، وعلي بن الجنيد : متروك ، وقال ابن معين : ليس بثقة ، وقال مرة : ليس بشيء ، وقال الدارقطني : منكر الحديث انتهى .

                                                                                                        ورواه الدارقطني ، ثم البيهقي في " سننهما " ، قال الدارقطني : وقد تابع إبراهيم بن يزيد عليه محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي ، فرواه عن محمد بن عباد عن ابن عمر عن النبي عليه السلام كذلك ، انتهى .

                                                                                                        وهذا الذي أشار إليه رواه ابن عدي في " الكامل " ، وأعله بمحمد بن عبد الله الليثي ، وأسند تضعيفه عن النسائي ، وابن معين ، ثم قال : والحديث معروف بإبراهيم بن يزيد الخوزي ، وهو من هذه الطريق غريب ، انتهى .

                                                                                                        قال البيهقي : وإبراهيم بن يزيد الخوزي ضعفه ابن معين ، وغيره ، وروي من أوجه أخرى كلها ضعيفة ، وروي عن ابن عباس من قوله : ورويناه من أوجه صحيحة عن الحسن عن النبي عليه السلام مرسلا ، وفيه قوة لهذا السند انتهى ، قال الشيخ في " الإمام " ، قوله : فيه قوة ، فيه نظر ، لأن المعروف عندهم أن الطريق إذا كان واحدا ، ورواه الثقات مرسلا ، وانفرد ضعيف برفعه أن يعللوا المسند بالمرسل ، ويحملوا الغلط على رواية الضعيف ، فإذا كان ذلك موجبا لضعف المسند ، فكيف يكون تقوية له ؟ قال : والذي أشار إليه من قول ابن عباس رواه أبو بكر بن المنذر حدثنا علان بن المغيرة ثنا أبو صالح عبد الله بن صالح حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس . قوله : والمرسل رواه سعيد بن منصور في " سننه " حدثنا هشام ثنا يونس عن الحسن ، قال : { لما نزلت { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا }قال رجل : يا رسول الله ، وما السبيل ؟ قال : زاد وراحلة }انتهى .

                                                                                                        حدثنا الهشيم ثنا منصور عن الحسن مثله ، حدثنا خالد بن عبد الله عن يونس عن الحسن مثله ، قال : وهذه إسناد في " صحيحه " إلا أنها مرسلة ، وقال ابن المنذر : لا يثبت الحديث الذي فيه ذكر الزاد والرحلة مسندا ، والصحيح رواية الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا ، وأما المسند فإنما رواه إبراهيم بن يزيد ، وهو متروك ، ضعفه ابن معين ، وغيره . انتهى

                                                                                                        طريق آخر : عند الدارقطني في " سننه " أخرجه عن محمد بن الحجاج المضفر ثنا [ ص: 79 ] جرير بن حازم عن محمد بن عباد بن جعفر عن ابن عمر مرفوعا . ومحمد بن الحجاج المصفر ضعيف .

                                                                                                        وأما حديث ابن عباس : فرواه ابن ماجه في " سننه " . حدثنا سويد بن سعيد عن هشام بن سليمان القرشي عن ابن جريج ، قال : وأخبرنيه أيضا عن ابن عطاء عن عكرمة عن ابن عباس أن النبي عليه السلام ، قال : { الزاد والراحلة يعني قوله : { من استطاع إليه سبيلا } }انتهى .

                                                                                                        قال في " الإمام " : وهشام بن سليمان بن عكرمة بن خالد بن العاص ، قال أبو حاتم : مضطرب الحديث ، ومحله الصدق ، ما أرى به بأسا انتهى .

                                                                                                        وأخرجه الدارقطني في " سننه " عن داود بن الزبرقان عن عبد الملك عن عطاء عن ابن عباس ، وأخرجه أيضا عن حصين بن المخارق عن محمد بن خالد عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس ، قال : { قيل يا رسول الله الحج كل عام ؟ قال : لا ، بل حجة ، قيل : فما السبيل إليه ؟ قال : الزاد والراحلة }انتهى .

                                                                                                        وداود ، وحصين كلاهما ضعيفان . وأما حديث أنس : فأخرجه الحاكم في " المستدرك " عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس { في قوله تعالى: { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا }قيل : يا رسول الله ما السبيل ؟ قال : الزاد والراحلة }انتهى .

                                                                                                        قال : صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه : وتابعه حماد بن سلمة عن قتادة ، ثم أخرجه كذلك ، وقال : صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجاه : ورواه الدارقطني في " سننه " بالإسنادين .

                                                                                                        وأما حديث عائشة : فأخرجه الدارقطني في " سننه " عن عتاب بن أعين عن سفيان الثوري عن يونس بن عبيد عن الحسن عن أمه عن عائشة ، قالت : { سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا }قال : السبيل الزاد والراحلة }انتهى . ورواه العقيلي في " كتاب الضعفاء " ، وأعله بعتاب ، وقال : إن في حديثه وهما انتهى .

                                                                                                        وقال البيهقي في " كتاب المعرفة " : وليس بمحفوظ ، ثم أخرجه البيهقي عن أبي داود الحفري عن سفيان عن يونس عن الحسن ، قال : { سئل [ ص: 80 ] النبي عليه السلام عن السبيل ، فقال : الزاد والراحلة }انتهى .

                                                                                                        وأما حديث جابر : فأخرجه الدارقطني عن محمد بن عبد الله بن عبيد بن عمير عن أبي الزبير ، أو عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله ، بلفظ حديث عائشة ، ومحمد بن عبد الله بن عبيد الليثي تركوه ، وأجمعوا على ضعفه ، وقد تقدم .

                                                                                                        وأما حديث ابن مسعود : فأخرجه الدارقطني عن بهلول بن عبيد عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم بن علقمة عن عبد الله بن مسعود بنحوه ، وبهلول بن عبيد قال أبو حاتم : ذاهب الحديث .

                                                                                                        وأما حديث عمرو بن العاص : فأخرجه الدارقطني أيضا عن ابن لهيعة ، ومحمد بن عبيد الله العرزمي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بنحوه ، وابن لهيعة ، والعرزمي ضعيفان ، قال الشيخ في " الإمام " : وقد خرج الدارقطني هذا الحديث عن جابر ، وأنس ، وعبد الله بن عمرو بن العاص ، وعبد الله بن مسعود ، وعائشة ، وليس فيها إسناد يحتج به انتهى .




                                                                                                        الخدمات العلمية