الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 109 - 110 ] قال : ( ويكثر من التلبية عقيب الصلوات وكلما علا شرفا أو هبط واديا أو لقي ركبا وبالأسحار ) لأن أصحاب رسول الله عليه السلام رضي الله عنهم كانوا يلبون في هذه الأحوال والتلبية في الإحرام على مثال التكبير في الصلاة فيؤتى بها عند الانتقال من حال إلى حال . ( ويرفع صوته بالتلبية ) لقوله عليه الصلاة والسلام { أفضل الحج العج والثج }فالعج : رفع الصوت بالتلبية والثج : إسالة الدم .

                                                                                                        [ ص: 110 ]

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        [ ص: 110 ] قوله : ويكثر من التلبية عقيب الصلاة ، وكلما علا شرفا ، أو هبط واديا ، أو لقي ركبا ، وبالأسحار . لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يلبون في هذه الأحوال ، قلت : غريب ، وروى ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا أبو خالد الأحمر عن ابن جريج عن ابن سابط ، قال : كان السلف يستحبون التلبية في أربعة مواضع : في دبر الصلاة ، وإذا هبطوا واديا ، أو علوه ، وعند التقاء الرفاق انتهى . حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن خيثمة ، قال : كانوا يستحبون التلبية عند ست : دبر الصلاة ، وإذا استقبلت بالرجل راحلته ، وإذا صعد شرفا ، أو هبط واديا ، وإذا لقي بعضهم بعضا انتهى .

                                                                                                        حدثنا جرير عن مغيرة عن إبراهيم ، قال : تستحب التلبية في مواطن : في دبر الصلاة المكتوبة ، وحين يصعد شرفا ، وحين يهبط واديا ، وكلما استوى بك بعيرك قائما ، كلما لقيت رفقة انتهى .

                                                                                                        وعزي إلى ابن ناجية في " فوائده " عن جابر ، قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبر إذا لقي ركبا ، أو صعد أكمة ، أو هبط واديا ، وفي أدبار المكتوبة ، وآخر الليل }انتهى . وذكره الشيخ في " الإمام " ولم يعزه .

                                                                                                        الحديث الثاني عشر : قال النبي عليه السلام : { أفضل الحج العج والثج }فالعج : رفع الصوت بالتلبية ، والثج : إراقة الدم ، قلت : روي من حديث ابن عمر ، ومن حديث أبي بكر ، ومن حديث جابر ، ومن حديث ابن مسعود رضي الله عنهم .

                                                                                                        فحديث ابن عمر : أخرجه الترمذي ، وابن ماجه عن إبراهيم بن يزيد الخوزي ، قال : سمعت محمد بن عباد بن جعفر يحدث عن ابن عمر ، قال : { قام رجل إلى النبي عليه السلام ، فقال : من الحاج ؟ قال : الشعث التفل ، فقام آخر فقال : أي الحج أفضل يا رسول الله ؟ [ ص: 111 ] قال : العج والثج ، فقام آخر فقال : ما السبيل يا رسول الله ؟ قال : الزاد والراحلة }انتهى . قال الترمذي : هذا حديث غريب ، لا نعرفه إلا من حديث إبراهيم بن يزيد الخوزي المكي ، وقد تكلم فيه من قبل حفظه انتهى .

                                                                                                        وزاد ابن ماجه فيه : قال وكيع : يعني بالعج : التلبية ، والثج : نحر البدن انتهى .

                                                                                                        أخرجه الترمذي في " تفسير آل عمران " ، وابن ماجه في " الحج في باب ما يوجب الحج " ، وقال البزار في " مسنده " : وإبراهيم بن يزيد ليس بالقوي ، وروى عنه سفيان الثوري ، وجماعة كثيرة انتهى .

                                                                                                        وأما حديث أبي بكر : فأخرجه الترمذي في " باب ما جاء في فضل التلبية " ، وابن ماجه في " باب رفع الصوت بالتلبية " قال الترمذي : حدثنا محمد بن رافع ، وإسحاق بن منصور ، قالا : حدثنا ابن أبي فديك ، وقال ابن ماجه : ثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي ، ويعقوب بن حميد بن كاسب ، قالا : حدثنا ابن أبي فديك عن الضحاك بن عثمان عن محمد بن المنكدر عن عبد الرحمن بن يربوع عن أبي بكر الصديق { أن النبي عليه السلام سئل أي الحج أفضل ؟ قال : العج والثج }انتهى .

                                                                                                        ورواه الحاكم في " المستدرك " وقال صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه ، انتهى .

                                                                                                        وقال الترمذي : حديث غريب ، لا نعرفه إلا من حديث ابن أبي فديك عن الضحاك عن عثمان ، ومحمد بن المنكدر لم يسمع من عبد الرحمن بن يربوع ، وقد روى محمد بن المنكدر عن سعيد بن عبد الرحمن بن يربوع عن أبيه غير هذا الحديث ، وروى ضرار بن صرد هذا الحديث عن ابن أبي فديك عن الضحاك بن عثمان عن محمد بن المنكدر عن سعيد بن عبد الرحمن بن يربوع عن أبيه عن أبي بكر عن النبي عليه السلام . وأخطأ فيه ضرار ، قال أبو عيسى : وسمعت أحمد بن الحسن يقول : قال أحمد بن حنبل : من قال في هذا الحديث : عن محمد بن المنكدر عن ابن عبد الرحمن بن يربوع عن أبيه فقد أخطأ ، قال : وسمعت محمدا يقول وذكرت له حديث ضرار بن صرد عن ابن أبي فديك فقال : هو خطأ ، فقلت : قد رواه غيره عن ابن أبي فديك أيضا مثل روايته ، فقال : لا شيء ، إنما رووه عن ابن أبي فديك ، ولم يذكروا فيه عن سعيد بن عبد الرحمن ، ورأيته يضعف ضرار بن صرد انتهى كلام [ ص: 112 ] الترمذي . وهذه الرواية التي خطأها أحمد ، والبخاري هي عند ابن أبي شيبة في " مسنده " فقال : حدثنا محمد بن عمر الواقدي ثنا ربيعة عن عثمان ، والضحاك جميعا عن محمد بن المنكدر عن سعيد بن عبد الرحمن بن يربوع عن أبي بكر الصديق سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث . وذكر شيخنا الذهبي في " ميزانه " عبد الرحمن بن يربوع ، فقال : ما روى عنه سوى ابن المنكدر ، وهذا غلط ، فإن البزار قال في " مسنده " عقيب ذكره لهذا الحديث : عن عبد الرحمن بن يربوع قديم ، حدث عنه عطاء بن يسار ، ومحمد بن المنكدر ، وغيرهما ، وأظن أن الذي أوقع الذهبي في ذلك كون المزي في " كتابه " لم يذكر راويا عنه غير ابن المنكدر ، وكثيرا ما وقع له مثل ذلك في كتبه ، والله أعلم . وقال الدارقطني في " كتاب العلل " : هذا حديث يرويه محمد بن المنكدر ، واختلف عنه ، فرواه ابن أبي فديك عن الضحاك بن عثمان عن محمد بن المنكدر عن عبد الرحمن بن يربوع عن أبي بكر ، وقال : ضرار بن صرد عن ابن أبي فديك عن الضحاك عن ابن المنكدر عن سعيد بن عبد الرحمن بن يربوع عن أبيه ، ورواه الواقدي عن ربيعة بن عثمان ، والضحاك جميعا عن محمد بن المنكدر عن سعيد بن عبد الرحمن بن يربوع عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وقال الواقدي أيضا : عن المنكدر بن محمد عن أبيه عن عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع عن جبير بن الحويرث عن أبي بكر ، والقول الأول أشبه بالصواب ، وقال أهل النسب : إنه عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع ، ومن قال : سعيد بن عبد الرحمن فقد وهم . والله أعلم انتهى .

                                                                                                        أما حديث ابن مسعود : فرواه ابن أبي شيبة ، وأبو يعلى الموصلي في " مسنديهما " ، قال الأول : حدثنا أبو أسامة عن أبي حنيفة عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب عن عبد الله عن النبي عليه السلام ، قال : { أفضل الحج العج والثج } ، والعج : العجيج بالتلبية ، والثج : نحور الدماء " انتهى .

                                                                                                        وأخرجه الثاني بسنده عن أبي أسامة سواء .

                                                                                                        وأما حديث جابر : فرواه أبو القاسم الأصبهاني في " كتاب الترغيب والترهيب " من حديث إسماعيل بن عياش عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن محمد بن المنكدر عن جابر مرفوعا نحوه ، وإسحاق هذا متفق على تضعيفه أيضا ، فلا يحتج بحديث ابن عياش [ ص: 113 ] عن الحجازيين ، وإسحاق مدني ، والله أعلم .

                                                                                                        أحاديث الباب : أخرج أصحاب الكتب الستة عن خلاد بن السائب عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { أتاني جبريل عليه السلام فأمرني أن آمر أصحابي ، ومن معي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال ، أو قال : بالتلبية } ، انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه البخاري عن أبي قلابة عن أنس ، قال : { صلى النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة الظهر أربعا ، والعصر بذي الحليفة ركعتين ، وسمعتهم يصرخون بهما جميعا } ، انتهى .




                                                                                                        الخدمات العلمية