الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 248 ] ولا يجوز أن يبيع ثمرة ، ويستثني منها أرطالا معلومة ويجوز بيع الحنطة في سنبلها ، والباقلاء في قشره ، ويجوز بيع الطريق وهبته ، ولا يجوز ذلك في المسيل ، ومن باع سلعة بثمن سلمه أولا ، إلا أن يكون مؤجلا ؟ وإن باع سلعة بسلعة أو ثمنا بثمن سلما معا ، ولا يجوز بيع المنقول قبل القبض ، ويجوز بيع العقار قبل القبض ( م ) ، ويجوز التصرف في الثمن قبل قبضه ، وتجوز الزيادة في الثمن ( ز ) والسلعة ( ز ) والحط من الثمن ، ويلتحق ( ز ) بأصل العقد; ومن باع بثمن حال ثم أجله صح ، ومن ملك جارية يحرم عليه وطؤها ودواعيه حتى يستبرئها بحيضة أو شهر أو وضع حمل ; ويجوز بيع الكلب والفهد والسباع معلما كان أو غير معلم ، وأهل الذمة في البيع كالمسلمين ، ويجوز لهم بيع الخمر والخنزير; ويجوز بيع الأخرس ، وسائر عقوده بالإشارة المفهومة; ويجوز بيع الأعمى وشراؤه ، ويثبت له خيار الرؤية ، ويسقط خياره بجس المبيع أو بشمه أو بذوقه ، وفي العقار بوصفه .

التالي السابق


قال : ( ولا يجوز أن يبيع ثمرة ويستثني منها أرطالا معلومة ) لجهالة الباقي ، وقيل : يجوز لجواز بيعه ابتداء ; والأصل أن ما جاز بيعه ابتداء يجوز استثناؤه كبيع صبرة إلا قفيزا ، وقفيز من صبرة ، بخلاف الحمل وأطراف الحيوان حيث لا يجوز استثناؤه لأنه لا يجوز بيعه ابتداء .

قال : ( ويجوز بيع الحنطة في سنبلها والباقلاء في قشره ) وكذا السمسم والأرز والجوز واللوز لما روي أنه - عليه الصلاة والسلام - نهى عن بيع السنبل حتى يبيض ويأمن العاهة ، ولأنه مال منتفع به فيجوز بيعه وعلى البائع تخليصه بالدياس والتذرية ، وكذا قطن في فراش وعلى البائع فتقه لأنه عليه تسليمه . أما جذاذ الثمرة ، وقطع الرطبة ، وقلع الجذور والبصل وأمثاله على المشتري لأنه يعمل في ملكه وللعرف .

قال : ( ويجوز بيع الطريق وهبته ، ولا يجوز ذلك في المسيل ) لأن الطريق موضع من الأرض [ ص: 249 ] معلوم الطول والعرض فيجوز; والمسيل : موضع جريان الماء وهو مجهول لأنه يقل ويكثر .

قال : ( ومن باع سلعة بثمن سلمه أولا ) تحقيقا للمساواة بين المتعاقدين ، لأن البيع يتعين بالتعيين ، والثمن لا يتعين إلا بالقبض ، فلهذا اشترط تسليمه .

( إلا أن يكون مؤجلا ) لأنه أسقط حقه بالتأجيل ولا يسقط حق الآخر .

( وإن باع سلعة بسلعة أو ثمنا بثمن سلما معا ) تسوية بينهما .

قال : ( ولا يجوز بيع المنقول قبل القبض ) لأنه - عليه الصلاة والسلام - نهى عن بيع ما لم يقبض ، ولأنه عساه يهلك فينفسخ البيع فيكون غررا ، وكذا كل ما ينفسخ العقد بهلاكه كبدل الصلح والإجارة لما ذكرنا ، وما لا ينفسخ العقد بهلاكه يجوز التصرف فيه قبل القبض كالمهر وبدل الخلع والصلح عن دم العمد لأنه لا غرر فيه .

قال : ( ويجوز بيع العقار قبل القبض ) وقال محمد : لا يجوز لإطلاق ما روينا وقياسا على المنقول . ولهما أن المبيع هو العرصة ، وهي مأمونة الهلاك غالبا فلا يتعلق به غرر الانفساخ حتى لو كانت على شاطئ البحر ، أو كان المبيع علوا لا يجوز بيعه قبل القبض; والمراد بالحديث النقلي ، لأن القبض الحقيقي إنما يتصور فيه وعملا بدلائل الجواز ، ثم إن كان نقد الثمن في البيع الأول فالثاني نافذ وإلا فموقوف كبيع المرهون والإجارة على هذا الاختلاف . وقيل لا يجوز بالاتفاق لأن المعقود عليه المنافع ، وهلاكها غير نادر بهلاك البناء .

قال : ( ويجوز التصرف في الثمن قبل قبضه ) لقيام الملك ، ولا يتعين بالتعيين ولا يكون فيه غرر الانفساخ .

قال : ( وتجوز الزيادة في الثمن والسلعة ، والحط من الثمن ويلتحق بأصل العقد ) وقال زفر :

هي مبتدأة لأنه لا يمكن جعله ثمنا ومثمنا ؛ لأنه يصير ملكه عوض ملكه فجعلناه هبة مبتدأة . ولنا أن بالزيادة والحط غيرا وصف العقد من الربح إلى الخسران أو بالعكس ، وهما يملكان إبطاله [ ص: 250 ] فيملكان تغييره ، ولا بد في الزيادة من القبول في المجلس لأنها تمليك ، ولا بد أن يكون المعقود عليه قائما قابلا للتصرف ابتداء حتى لا تصح الزيادة في الثمن بعد هلاكه ، ويصح الحط بعد هلاك المبيع لأنه إسقاط محض والزيادة إثبات ، ولو حط بعض الثمن والمبيع قائم التحق بأصل العقد ، وإن حط الجميع لم يلتحق لأنه يصير الثمن كأن لم يكن فيبطل الحط ، وإذا صحت الزيادة يصير لها حصة من الثمن فيظهر ذلك في المرابحة والتولية ، ولو هلكت قبل القبض سقط حصتها من الثمن . قال : ( ومن باع بثمن حال ثم أجله صح ) لأنه حقه; ألا ترى أنه يملك إسقاطه فيملك تأجيله ؟ وكل دين حال يصح تأجيله لما ذكرنا إلا القرض لأنه صلة ابتداء حتى لا يجوز ممن لا يملك التبرعات ، والتأجيل في التبرعات غير لازم كالإعارة معاوضة انتهاء ، ولا يجوز التأجيل فيه لأنه يصير بيع الدرهم بالدرهم نسيئة وأنه حرام .

قال : ( ومن ملك جارية يحرم عليه وطؤها ودواعيه حتى يستبرئها بحيضة أو شهر أو وضع حمل ) وأصله قوله - عليه الصلاة والسلام - في سبايا أوطاس : " ألا لا توطأ الحبالى حتى يضعن ، ولا غير الحبالى حتى يستبرئن بحيضة " نهي عن وطء المملوكات بالسبي إلى غاية الاستبراء ، فيتعلق الحكم به عند تجدد الملك بأي سبب كان كالشراء والهبة والوصية والميراث ونحوها ، والشهر كالحيضة عند عدمها لما عرف; وإن حاضت في أثناء الشهر انتقل إلى الحيضة كما في العدة; والمعتبر ما يوجد بعد القبض حتى لو حاضت أو وضعت قبل القبض يجب الاستبراء ، وكما يحرم الوطء يحرم دواعيه احترازا عن الوقوع فيه كما في العدة ، بخلاف الحيض لأن الحرمة للأذى ولا أذى في الدواعي; ومن وطئ جاريته ثم أراد أن يبيعها أو يزوجها يستحب له أن يستبرئها ، وإن لم يستبرئها فالأحسن للزوج أن يستبرئها .

وأما ممتدة الطهر ، قال أبو حنيفة : لا يطؤها حتى تتيقن بعدم الحمل ، وروي عنه سنتان وهو الأحوط وهو قول زفر ، لأن الولد لا يبقى أكثر من سنتين على ما عرف . وعنه أربعة أشهر وعشرة أيام ، وهو قول محمد لأنها عدة الوفاة للحرة تعرف بها براءة الرحم . وعن محمد شهران وخمسة [ ص: 251 ] أيام لأنه عدة الأمة ، وعن أبي حنيفة ، وهو قول أبي يوسف ثلاثة أشهر لأنها تعرف براءة الرحم في حق الآيسة والصغيرة .

وعند الشافعي أربع سنين لأنه أكثر مدة الحمل عنده .

وقال أبو مطيع البلخي : تسعة أشهر لأنه المعتاد في مدة الحمل; ويجب الاستبراء إذا حدث له ملك الاستمتاع بملك اليمين ، سواء وطئها البائع أو لا ، أو كان بائعها ممن لا يطأ كالمرأة والصغير والأخ من الرضاع ، وكذا إن كانت بكرا . وعن أبي يوسف أنه لا استبراء في هذه الصورة ، وهو قول مالك ، وعلى هذا الخلاف إذا حاضت في يد البائع بعد البيع قبل القبض لأن الاستبراء للتعرف على براءة الرحم وهي ثابتة في هذه الصور ظاهرا . وجه الأول أن سبب الاستبراء الإقدام على الوطء في ملك متجدد بملك اليمين ، وحكمته التعرف عن براءة الرحم ، والحكم يدار على السبب لا على الحكمة; ولو اشترى امرأته فلا استبراء لأنه لا يجب صيانة مائه عن مائه .

قال : ( ويجوز بيع الكلب والفهد والسباع معلما كان أو غير معلم ) لأنه حيوان منتفع به حراسة واصطيادا فيجوز ، ولهذا ينتقل إلى ملك الموصى له والوارث ، بخلاف الحشرات كالحية والعقرب والضب والقنفذ ونحوها ؛ لأنه لا ينتفع بها .

وعن أبي يوسف أنه لا يجوز بيع الكلب العقور لأنه ممنوع عن إمساكه مأمور بقتله; ويجوز بيع الفيل . وفي بيع القرد روايتان عن أبي حنيفة ، والأصح الجواز لأنه ينتفع بجلده . وعن أبي حنيفة جواز بيع الحي من السرطان والسلحفاة والضفدع دون الميت منه; ويجوز بيع العلق لحاجة الناس إليه .

قال : ( وأهل الذمة في البيع كالمسلمين ) لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " إذا قبلوا الجزية فأعلمهم أن لهم ما للمسلمين ، وعليهم ما على المسلمين " .

( ويجوز لهم بيع الخمر والخنزير ) لأنه من أعز الأموال عندهم ، وقد أمرنا أن نتركهم وما يدينون ، يؤيده قول عمر - رضي الله عنه - : ولوهم بيعها . قال :

[ ص: 252 ] ( ويجوز بيع الأخرس ، وسائر عقوده بالإشارة المفهومة ) ويقتص منه وله ، ولا يحد للقذف ولا يحد له ، وكذلك إذا كان يكتب ، لأن الكتابة من الغائب كالخطاب من الحاضر والنبي - عليه الصلاة والسلام - أمر بتبليغ الرسالة ، وقد بلغ البعض بالكتاب ، وإنما جاز ذلك لمكان العجز ، والعجز في الأخرس أظهر ، ولا يجوز ذلك فيمن اعتقل لسانه أو صمت يوما ، لأن الإشارة إنما تعتبر إذا صارت معهودة ومعلومة ، فمن كان كذلك فهو بمنزلة الأخرس بخلاف الحدود لأنها تندرئ بالشبهات .

قال : ( ويجوز بيع الأعمى وشراؤه ) لأن الناس تعاهدوا ذلك من لدن الصدر الأول إلى يومنا هذا ، ومن الصحابة من عمي وكان يتولى ذلك من غير نكير . والأصل فيه حديث حبان بن منقذ ، وهو ما رواه عمر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إذا ابتعت فقل لا خلابة ولي الخيار ثلاثة أيام " وكان أعمى ذكره الدارقطني . ولأن من جاز له التوكيل جاز له المباشرة كالبصير .

( ويثبت له خيار الرؤية ) لأنه اشترى ما لم يره على ما يأتي إن شاء الله تعالى .

( ويسقط خياره بجس المبيع أو بشمه أو بذوقه ، وفي العقار بوصفه ) وفي الثوب بذكر طوله وعرضه لأنه يحصل له بذلك العلم بالمشترى كالنظر من البصير وبل أكثر; ولو وصف له العقار ثم أبصر لا خيار له; ولو اشترى البصير ما لم يره ثم عمي فهو كالأعمى عند العقد .




الخدمات العلمية