الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
والماء الراكد إذا وقعت فيه نجاسة لا يجوز به الوضوء إلا أن يكون عشرة ( ف ) أذرع في عشرة . والماء الجاري إذا وقعت فيه نجاسة ولم ير لها أثر جاز الوضوء منه ، والأثر طعم أو لون أو ريح .

وما كان مائي المولد من الحيوان موته في الماء لا يفسده ( ف ) وكذا ما ليس له نفس سائلة كالذباب والبعوض والبق ، وما عداهما يفسد الماء القليل . والماء المستعمل لا يطهر الأحداث ، وهو ما أزيل ( م ) به حدث ، أو استعمل في البدن على وجه القربة ويصير مستعملا إذا انفصل عن العضو .

التالي السابق


( و ) أما ( الماء الراكد إذا وقعت فيه نجاسة لا يجوز الوضوء به ) لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يتوضأ منه أو يشرب " .

قال : ( إلا أن يكون عشرة أذرع في عشرة أذرع ) ، والأصل أن الماء القليل ينجس بوقوع النجاسة فيه والكثير لا ، لقوله - عليه الصلاة والسلام - في البحر : ( هو الطهور ماؤه " واعتبرناه فوجدناه ما لا يخلص بعضه إلى بعض . فنقول : كل ما لا يخلص بعضه إلى بعض لا ينجس بوقوع النجاسة فيه ، وهذا معنى قولهم لا يتحرك أحد طرفيه بتحرك الطرف الآخر ، وامتحن المشايخ [ ص: 21 ] الخلوص بالمساحة فوجدوه عشرا في عشر فقدروه بذلك تيسيرا . وقال أبو مطيع البلخي : إذا كان خمسة عشر في خمسة عشر لا يخلص ، أما عشرين في عشرين لا أرى في نفسي شيئا ، وإن كان له طول ولا عرض له ، فالأصح أنه إن كان بحال لو ضم طوله إلى عرضه يصير عشرا في عشر فهو كثير ، والمختار في العمق ما لا ينحسر أسفله بالغرف ، ثم إن كانت النجاسة مرئية لا يتوضأ من موضع الوقوع للتيقن بالنجاسة برؤية عينها وإن كانت غير مرئية ، فلو توضأ منه جاز لعدم التيقن بالنجاسة لاحتمال انتقالها ، ومنهم من قال : لا يجوز أيضا ؛ لأن الظاهر بقاؤها في الحال .

قال : ( والماء الجاري إذا وقعت فيه نجاسة ولم ير لها أثر جاز الوضوء منه ) من أي موضع شاء .

( والأثر طعم أو لون أو ريح ) لأنها لا تبقى مع الجريان ، والجاري : ما يعده الناس جاريا هو الأصح ، ولو وقعت جيفة في نهر كبير لا يتوضأ من أسفل الجانب الذي فيه الجيفة ويتوضأ من أسفل الجانب الآخر ، وإن كان النهر صغيرا إن كان يجري أكثر الماء عليها لا يجوز ، وإن كان أقله يجوز ، وإن كان نصفه يجوز ، والأحوط الترك . وعن محمد في ماء المطر إذا مر بالنجاسة ولا يوجد أثرها يتوضأ منه ; لأنه كالجاري .

قال : ( وما كان مائي المولد من الحيوان موته في الماء لا يفسده ) كالسمك والضفدع والسرطان لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " ، فاستفدنا به عدم تنجسه بالموت وإذا لم يكن نجسا لا ينجس ما يجاوره ، ولأنه لا دم في هذه الأشياء وهو المنجس ، إذ الدموي لا يتوالد في الماء ، وكذا لو مات خارج الماء ثم وقع فيه لما بينا ، ولو مات في غير الماء كالخل واللبن روي عن محمد أنه لا يفسده ، وسواء فيه المنتفخ وغيره ، وعنه أنه سوى بين الضفدع البري والمائي ، وقيل إن كان للبري دم سائل أفسده ، وهو الصحيح .

قال : ( وكذا ما ليس له نفس سائلة كالذباب والبعوض والبق ) إذا مات في المائع لا يفسده ، [ ص: 22 ] لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " إذا وقع الذباب في طعام أحدكم فامقلوه ثم انقلوه " الحديث ، وأنه يموت بالمقل في الطعام سيما الحار منه ، ولو كان موته ينجس الطعام لما أمر به . قال ( وما عداهما يفسد الماء القليل ) لأنه دموي ينجس بالموت فينجس ما يجاوره كالآدمي الميت إذا وقع في الماء ينجسه ; لأنه تنجس بالموت . وإن وقع بعد الغسل فكذلك إن كان كافرا ، وإن كان مسلما لا ينجسه ، لأنه لما حكم بجواز الصلاة على المسلم حكم بطهارته ولا كذلك الكافر فافترقا .

قال : ( والماء المستعمل لا يطهر الأحداث ، وهو ما أزيل به حدث ، أو استعمل في البدن على وجه القربة ) كالوضوء على الوضوء بنية العبادة .

( ويصير مستعملا إذا انفصل عن العضو ) . وروى النسفي أنه لا يصير مستعملا حتى يستقر في مكان ، والأول المختار . وقال محمد : لا يصير مستعملا إلا بإقامة القربة لا غير ، وإنما يقع قربة بالنية ، وتظهر ثمرته في الجنب المنغمس في البئر لطلب الدلو فعندهما طاهران ; لأن النية عنده شرط في صيرورة الماء مستعملا ، وليست بشرط في إزالة الجنابة ، وعند أبي يوسف الرجل بحاله لعدم الصب ، والماء بحاله لعدم إزالة الحدث ، وعند أبي حنيفة هما نجسان : الماء لإزالته الجنابة عن البعض ، والرجل لبقاء الحدث في باقي الأعضاء . وقيل يطهر من الجنابة ثم يتنجس بنجاسة الماء المستعمل حتى يجوز له قراءة القرآن ونحوه ، وقيل هو طاهر لأن الماء لا يصير مستعملا إلا بعد الانفصال ، وعلى هذا لو توضأ محدث للتبرد يصير الماء مستعملا خلافا لمحمد ، ثم الماء المستعمل طاهر غير طهور عند محمد ، وهو روايته عن أبي حنيفة ، وهو اختيار أكثر المشايخ ; لأن الصحابة - رضي الله عنهم - كانوا يتبادرون إلى وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيمسحون به وجوههم ولم يمنعهم ، ولو كان نجسا لمنعهم كما منع الحجام من شرب دمه . وروىالحسن عن أبي حنيفة أنه نجس نجاسة مغلظة لأنه أزال النجاسة الحكمية فصار كما إذا أزال الحقيقية ، بل أولى لأن النجاسة الحكمية أغلظ حتى لا يعفى عن القليل منها ، وعند أبي يوسف وهي روايته عن أبي حنيفة إن نجاسته خفيفة لمكان الاختلاف .

[ ص: 23 ] وقال زفر : إن كان المستعمل محدثا فهو كما قال محمد ، وإن كان طاهرا فهو طهور ; لأنه لم يزل النجاسة فلم يتغير وصفه .




الخدمات العلمية