الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الحكم الخامس : وجوب الرد ، والنظر في ظهور المالك .

                                                                                                                وفيه ستة فروع ، وقيام اللقطة وفوتها .

                                                                                                                النظر الأول : في ظهور المالك ، وفيه ستة فروع .

                                                                                                                الفرع الأول

                                                                                                                في الكتاب : إذا وصف عفاصها ووكاءها وعدتها ، أخذها وجوبا السلطان على ذلك ، وافقنا ابن حنبل ، وقال : يدفع غلب على صدقه بمنه ( كذا ) أو لا ؟ وقال ( ش ) و ( ح ) : إذا وصف ولم يغلب على ظنه صدقته حرم الدفع إليه ، فإن غلب على ظنه صدقه دفعها على أنه ضامن لما أن جاء مستحق غيره ، ولا يلزمه الدفع بذلك بل بالبينة . لنا : قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( عرف عفاصها ووكاءها ، فإذا جاء من يخبرك بعددها ووعائها فردها عليه ) ولأنه - صلى الله عليه وسلم - أمر بمعرفة العفاص والوكاء ، ولو أن دفعها يفتقر إلى منته لم يكن في ذلك فائدة ، بل فائدته الدفع به ، ولأن إقامة البينة عليها متعذر . فأشبه القتل ، ولما تعذر إقامة البينة عليه أقيم اللوث مقامها ، وإن إقامة البينة عند السقوط متعذرة ، فلا تشترط فيه البينة ، [ ص: 118 ] بل يصدق بغيرها ، كالإنفاق على اليتيم . بل هذا أولى ؛ لأن الإنفاق على اليتيم ممكن من حيث الجملة ، ولأن القول باشتراطها يؤدي إلى ذهاب أموال الناس ، وبطلان حكمة الالتقاط ، ولأنه لو كانت البينة شرطا لحرم الالتقاط ، لأن بقاءها في موضعها يقرب أخذها لمالكها ، والالتقاط يمنعه من أخذ ماله عند عدم البينة ، ومنع الإنسان من ماله حرام ، ولا يقال : لو ادعى السرقة لم يأخذ إلا ببينة ، وإن كانت البينة متعذرة عند السرقة ، لأنا نقول : السرقة يدعي لنفسه بخلاف الملتقط ، وقد قال مالك في قطاع الطريق : أنه يؤخذ المتاع من أيديهم بالعلامات من عدد وغيره بغير بينة كاللقطة ، لأنهم يدعونه لأنفسهم كاللقطة سواء . احتجوا بقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( البينة على من ادعى ، واليمين على من أنكر ) والطالب مدع فعليه البينة ، ولأنها دعوى فلا يستقل بإثباتها الوصف كسائر الدعاوي ، ولأن اليد تنازعه فلا يندفع إلا بحجة وهي البينة ، ويحمل الحديث على الجودة لا على الإجبار جمعا بينه وبين هذه القواعد .

                                                                                                                والجواب عن الأول : أنه عليكم ، لأنه جعل اليمين على من أنكر ، والبينة تقام عليه ، وهاهنا لا منكر فلا يمين ولا بينة . سلمنا أنه ليس عليكم لكنه عام ، وما ذكرتموه خاص ، فيكون مقدما عليه على ما تقرر في علم الأصول .

                                                                                                                عن الثاني : أن إقامة البينة في غيرها متيسر بخلافها ، فإن الإنسان لا يعلم أن متاعه يقع منه فيشهد عليه ، بخلاف البيع وغيره مشعور به فطلبت فيه البينة ، بل إلحاق هذه المصورة بنفقة اليتيم أشبه .

                                                                                                                عن الثالث : أن المنازعة المحوجة للبينة عن اليد التي يدعي صاحبها الملك بنفسه ليقع التعارض بين الرجلين ، وهذا لا يعارض أحدا ، بل صاحبها يقول : أنا [ ص: 119 ] لا شيء لي ، فتبقى معرفة الوصف سالما عن المعارض ، فلا يحتاج إلى بينة ، وحمل الحديث على الجواز خلاف الظاهر من غير ضرورة ، لأن الأمر للوجوب .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية