الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                فروع ثلاثة عشر

                                                                                                                الأول : قال صاحب الطراز : وسع مالك - رحمه الله - في مختصر ما ليس في المختصر في ترك ذلك لمن كان منفردا ، وقال الحسن بن صالح : يشرع في العشاء ، وقال النخعي : في سائر الصلوات ، واستحسن الأول بعض أصحابنا لمن كان وحده أو لمن معه ممن ليس بنائم قال : وهو فاسد ; لأن الأذان متبع على مشروعيته ، ألا تراه يحيعل وإن كان وحده ، ويحمل قول مالك على أنه لا يبطل الأذان ، قال المازري : واختلف المذهب هل يقال مرتين قياسا على التكبير أو مرة ؟ لأنها مختصة فيكون مرة كقولنا قد قامت الصلاة .

                                                                                                                الثاني : التثويب بين الأذان والإقامة ، قال صاحب الطراز : هو عندنا غير مشروع خلافا ح ، محتجا بأن بلالا كان إذا أذن أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : حي على الصلاة حي على الفلاح يرحمك الله ، وأنكر ذلك أصحاب الشافعي ، ورووا أن عمر لما قدم مكة جاء أبو محذورة وقد أذن فقال : الصلاة يا أمير المؤمنين حي على [ ص: 47 ] الصلاة ، حي على الصلاة ، حي على الفلاح ، حي على الفلاح . فقال له عمر رضي الله عنه : ويحك أمجنون أنت ما كان في دعائك الذي دعوت ؟ ما نأتيك حتى تأتينا . ولو كان ذلك سنة لم ينكره ، وكرهه مالك وكره تنحنح المؤذن عند الفجر ; ليعلم الناس ويركعون ، وروي أنه حدث في زمان معاوية أن المؤذن إذا أذن على الصومعة دار إلى الأمير واختصه بحي على الصلاة إلى حي على الفلاح ، ثم يقول : الصلاة الصلاة يرحمك الله ، وأقر ذلك عمر بن عبد العزيز ، وأجازه ابن الماجشون في المبسوط ، وذكر في صفة التسليم السلام عليك أيها الأمير ، ورحمة الله وبركاته حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح ، والصلاة يرحمك الله قال : وأما في الجمعة فيقول : السلام عليك أيها الأمير ، ورحمة الله وبركاته قد حانت الصلاة قد حانت الصلاة ، وعادة أهل المدينة تأبى هذه المحدثات .

                                                                                                                فائدة : التثويب من قولهم ثاب إليه جسمه إذا رجع بعد المرض ، والبيت مثابة للناس أي : مرجع لهم ، قال الخطابي : أصله الإعلام يقال : ثوب إذا لوح بثوبه ، وللفرق بين ثاب وتاب معجما ومهملا أن الأول للرجوع ، والثاني للإقلاع ومنه التوبة من الذنب أي : الإقلاع عنه .

                                                                                                                الثالث : أنكر في الكتاب التطريب في الأذان ، قال ابن القاسم : ما رأيت أحدا من مؤذني المدينة يطرب ، يعني العمل على خلافه ، والتطريب من الاضطراب الذي يصيب الإنسان من الخوف أو الفرح ، مشبه بتقطيع الصوت وترعيده [ ص: 48 ] بذلك ، وكرهه لما فيه من التشبيه بالغناء الذي ينزه التقرب عنه . وفي الجواهر قال ابن حبيب : وكذلك التحزين بغير تطريب ، ولا يبالغ في المد بل يكون عدلا . قال صاحب الطراز : والسنة أن يكون محددا عاليا .

                                                                                                                الرابع : أنكر في الكتاب دوران المؤذن والتفاته عن يمينه وعن شماله ، قال ابن القاسم فيه : وبلغني عنه إجازته للإسماع ، وأنكر الإدارة إنكارا شديدا ، وفي الجواهر : لا يحول صدره عن القبلة ، ولم يحك خلافا . وفي الجلاب : لا بأس أن يؤذن إلى القبلة وغيرها مبتدئا وفي أثناء أذانه ، وقال أبو حنيفة : إن أذن على المنار فله أن يدور بجميع جسده عن القبلة ، وقال الشافعي : لا يترك الاستقبال بوجهه ولا بقدميه كان في منار ، أو غيره ، ويلوي عنقه في حي على الصلاة حي على الفلاح ; ليسمع النواحي ، وقال ابن حنبل : يثبت بجميع جسده في جميع أذانه ، وإن كان على المنار لوى عنقه ، واستحب الشافعي الاستقبال في الإقامة أيضا ، وقال ابن القاسم في الكتاب : رأيت المؤذنين بالمدينة وجوههم إلى القبلة ، ورأيتهم يقيمون عرضا يخرجون مع الإمام وهم يقيمون ، يعني أنهم ذرية الصحابة ينقلون عن الآباء والأجداد ، وفي أبي داود : رأيت بلالا يؤذن ويدور ، ويتبع هاهنا وهاهنا ، وإصبعاه في أذنيه ، وفيه عن أبي جحيفة عن أبيه قال : رأيت بلالا خرج إلى الأبطح فأذن ، فلما بلغ حي على الصلاة حي على الفلاح لوى عنقه يمينا وشمالا ، ولم يستدر . قال الترمذي : حديث صحيح ، وعليه عمل أهل العلم .

                                                                                                                [ ص: 49 ] الخامس : قال في الكتاب : لا يؤذن قاعدا إلا من عذر إذا كان مريضا يؤذن لنفسه ، وأجاز في الحاوي قاعدا ، وراكبا ، وجه الأول الاتباع للسلف ، والقياس على الإقامة والخطبة ، ولأن الدعاء إلى الله تعالى يقتضي الاهتمام والجلوس تقصير ، الوجه الثاني أن المقصود الإعلام وهو حاصل ، ولأن الأذان من السنن التابعة للفرائض فأشبه نوافل الصلاة .

                                                                                                                السادس : وسع في الكتاب في ترك وضع الإصبعين في الأذنين . قال ابن القاسم : ورأيتهم بالمدينة لا يفعلونه ، واستحسنه الشافعي لما تقدم في الحديث ، وقولنا أرجح ; لأنه لو كان مستحسنا لكان في مسجده عليه السلام ، قال ابن القاسم : والإقامة كالأذان .

                                                                                                                السابع : في الجواهر يجزم آخر كل جملة من الأذان ، ولا يصلها بما بعدها ، ويدمج الإقامة للعمل في ذلك .

                                                                                                                الثامن : قال في الكتاب : يؤذن على غير وضوء بخلاف الإقامة ، واختار في المختصر الوضوء وهو اختيار صاحب المعونة ، والشافعي لقوله عليه السلام في الترمذي : لا يؤذن إلا متوضئ . وجوابه أن المراد به الإقامة ; لأنها أذان وإعلام بخروج الإمام ومنه قوله عليه السلام في الصحيحين : بين كل أذانين صلاة لمن شاء .

                                                                                                                فرع : مرتب

                                                                                                                إذا لم يكره الحدث ، فكرهه ابن القاسم في العتبية للجنب ، وأجازه أبو [ ص: 50 ] الفرج في الحاوي ، وسحنون خارج المسجد ومنشأ الخلاف : هل يكره ذكر الله تعالى لغير ضرورة للجنب أم لا ؟ ففي الصحيحين أنه عليه السلام قال : إنه لم يمنعني أن أرد عليك السلام إلا أني لم أكن على طهر . يعني لما في السلام من ذكر الله . التاسع : قال في الكتاب : يجوز أربعة مؤذنين لمسجد واحد . قال صاحب الطراز : قال ابن حبيب : رأيت بالمدينة ثلاثة عشر مؤذنا ، وكذلك بمكة يؤذنون معا في أركان المسجد ، كل واحد لا ينقضي بأذان صاحبه ، فأما المسجد الكبير فيجوز أن يؤذن في كل ناحية رجل يسمع من يليه ; لأن كل جماعة يحتاجون للإعلام ، وأما الصغير فتوالي الأذان فيه أبلغ من جمعه بحسب الوقت ، قال ابن حبيب : أما الصبح والظهر والعشاء فيؤذنون واحدا بعد واحد إلى العشرة ، وفي العصر إلى الخمسة ، وفي المغرب واحد فقط ، التونسي يريد أو جماعة مجتمعين فإن تشاحوا ، أقرع بينهم ، قال صاحب القبس بشرطين : التساوي في الإمامة ، وأن لا يكون صاحب الوقت ; فإنه مقدم وتصح القرعة في المغرب ، وغيرها والأصل فيها قوله عليه السلام : لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ، ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا . وقد اختصم قوم بالقادسية فأقرع بينهم سعد ، وكره الحنفية تكراره في مسجد محلة بخلاف الشاغر محتجين بأن التكرار يؤدي إلى تقليل الجماعة باعتماد كل واحد منهم على أذان نفسه . وجوابه أن من اعتاد الأذان حقق الوقت فلا يختلفون غالبا .

                                                                                                                [ ص: 51 ] العاشر : قال صاحب الطراز : يفصل بين الأذان والإقامة إلا المغرب عندنا ، وعند أبي حنيفة خلافا لصاحبيه في الفصل بينهما بجلسة كالخطبتين ، وللشافعي في الفصل بينهما بركعتين خفيفتين لما في الصحيحين عن أنس قال : كنا بالمدينة إذا أذن المؤذن لصلاة المغرب ابتدروا السواري يركعون ركعتين ، حتى إن الرجل الغريب ليدخل المسجد فيحسب أن الصلاة قد صليت من كثرة من يصليها . وجوابه ما في الصحيحين أنه عليه السلام كان يصلي المغرب إذا غربت الشمس ، وتوارت بالحجاب وهذا يقتضي عدم الفصل ، وعمل المدينة يدل على أنه آخر العملين من رسول الله صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                الحادي عشر : قال في الكتاب : لا يسلم في أذانه ولا يرد سلاما ، لما في ذلك من خروج الأذان عن نظامه ، ولأنه العمل في السلف .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال صاحب الطراز : فإن عرض له مهم كأعمى يخشى عليه من الوقوع في حفير ففي الواضحة يتكلم ويبتدئ وهو قول الشافعي قياسا على الخطبة ، فإن الكلام فيها ممنوع إلا لضرورة ، وأما التسليم عليه فالمذهب منعه ، قال التونسي وعلى القول بأنه يرد إشارة يجوز كالمصلي قال : والفرق أن أبهة الصلاة وعظمتها تمنع من الانحراف في الكلام ، بخلاف الأذان ولذلك منعناه السلام في الخطبة ، وأبحناه في الجمعة قال : فظاهر كلامه أنه لا يرد إشارة ، ونص عليه في مختصر الوقار ، واختلف فيه أصحابنا ، وخرج بعضهم على الجواز جواز التسليم [ ص: 52 ] عليه ، وإذا قلنا لا يرد مطلقا ، فإنه يرد بعد فراغه كالمسبوق يرد على الإمام إذا أتم صلاته ، وإن لم يكن حاضرا قال : والفرق بين المؤذن والمصلي في الرد بالإشارة أنها ليست سلاما ، وإنما هي بدل البدل إنما شرع عند تعذر المبدل منه والمصلي يتعذر عليه الكلام فشرعت له ، والمؤذن لو سلم لم يبطل أذانه وإن كان مكروها فكان الأحسن التأخير ، حتى يفرغ كما فعل عليه السلام في رد السلام حتى تيمم على الجدار لكراهة ذكر الله تعالى وهو جنب ، قال ابن القاسم في الكتاب : فإن تكلم بنى ، قال صاحب الطراز : يريد إذا كان يسيرا ، وسوى فيه بين العمد والسهو ; لأن الإعلام يحصل بخلاف الكثير .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية